فکر و تنمیة

التعاون في شهر رمضان وأثره على العلاقات الاسرية

قال تعالى في محكم كتابه العزيز، {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، في هذه الآية المباركة، حديث مباشر مع بني البشر، هذا الحديث مفاده ان الله يحث عباده الى مواصلة التعاون فيما بينهم، وان يجتنبوا الاثم والبغضاء، فهي دعوة مباشرة الى تعزيز أواصر التعاون والعمل المشترك.

ومع حلول شهر الخير شهر رمضان المبارك، يجب علينا ان نفعّل هذه القضية وهي التعاون في جميع الأمور سواء المنزلية او غيرها، فالأعمال العبادية الخاصة بالشهر الفضيل، هي وحدها بحاجة الى جهد ووقت ليس بالقصير، فما بالك عندما يضاف اليها الالتزامات المنزلية بالنسبة لربة البيت التي عادة ما تحرص على توفير أجواء رمضانية خاصة لها ولعائلتها.

ولكيلا يكون الحديث مركزا على التعاون في الشهر الفضيل فقط، فهو من المبادئ السارية المفعول في شهور السنة الأخرى، لكن التناول جاء بهذه الصورة والتوقيت نظرا لما يتمتع به شهر رمضان من خصوصية من جميع النواحي، فمن الناحية العبادية، وكما قلنا قبل قليل فهي بحاجة الى جهد مضاعف مقارنة بأيام السنة الاخريات، وعلى الفرد ان يبذل جهدا كبيرا لإتمامها او لإتمام جزء كبير منها.

وعلى الجانب العملي او الارتباط المنزلي فهو أيضا ليس بالهين على المرأة تحديدا، يقع العبء الاكبر، فهي المسؤولة بصورة مباشرة عن تحضير وجبات الطعام، منها الإفطار والسحور ما يتخللها من وجبات سريعة، وربما يأتي ضيوف لإحياء الليالي الرمضانية، ومن هنا تكون المسؤولية كبيرة ومضاعفة.

الرجال وهنا نقصد الغالبية العظمى منهم، لا يدركون حجم هذه المسؤولية، ولذلك لعدة أسباب أهمها او اكثرها بروزا الى السطح، هي انهم منشغلين في الاعمال الروتينية اليومية، مثل الوظيفة الحكومية او العمل في القطاع الخاص، فضلا عن تبادل الزيارات مع الأصدقاء، فهم معتادين على هذا النمط من الحياة، ولا يشعرون بما تمر فيه المرأة في المنزل طيلة اليوم وعلى مدار الشهر، ولذلك لا يفكرون بتخفيف هذا الحمل الثقيل عن كاهل النساء.

على الجانب العملي او الارتباط المنزلي فهو أيضا ليس بالهين على المرأة تحديدا، يقع العبء الاكبر، فهي المسؤولة بصورة مباشرة عن تحضير وجبات الطعام، منها الإفطار والسحور ما يتخللها من وجبات سريعة

التفكير بتخفيف العبء عن النساء ينحصر في الرجال المتفهمين لمسؤولية المرأة وما يطرأ عليها من تغيرات كبيرة مع مرور الوقت، ففي السابق ربما كانت ربة البيت تنحصر وظيفتها في الاعمال المنزلية المتمثلة في تجهيز الوجبات والتنظيف وغيرها من الأشياء الضرورية الأخرى.

اما في الوقت الحالي فقد تشعبت المسؤوليات وتداخلت الأدوار بين الرجل والمرأة، وعليه أصبحنّ النساء مسؤولات عن الكثير من المهام، اذ دخلنّ معترك الحياة الى جانب الرجل في الوظائف الحكومية والاعمال الخاصة، وهذ بهذه الحالة تحتاج الى من يقف الى جانبها ويخفف حملها.

وتقليل المسؤوليات او الضغوطات الحياتية يأتي عبر التفكير بطرق جدية وجديدة لذلك، كأن يكون عن طريق جلب شغالة الى المنزل، هذا بالطبع إذا كانت الحالة المادية ميسورة وتساعد على توفير الأجور لهذه الشغالة، وإذا تعذر الامر على الزوجين ان يتفقا على طريقة مناسبة تعينهم على الخروج من اثقال العمل في شهر رمضان الكريم.

يقع بعض الأزواج في أخطاء كبيرة وفادحة خلال الشهر المبارك، ومن هذه الأخطاء هو رؤية بعض المشاهد التلفازية، التي تظهر فيها بعض المشاهد وصور لنا ربة المنزل بحالة من المثالية، منزلها مفروش على اتم وجه واطفالها في غاية الاهتمام والنظافة، والمائدة عامرة بما لذ وطاب، وبعد ذلك كله تذهب لمناداة الزوج لتناول وجبة الإفطار سويا.

التأثر بمثل هذه المشاهد ينبع من ضعف الوعي الاسري لدى رب الاسرة، فهو لا يعلم ان ما شاهده هو عملية تمثيلية لا تمت للواقع بصلة او لنقول بنسبة كبيرة، وحتى لا نقع في المحظور او الغلو في الطرح توجد بعض ربات البيوت تعامل زوجها بهذه الطريقة، والسؤال هنا كم نسبة هذا النوع من الزوجات؟

النسبة الأكبر وكما اوضحنا في سياق الحديث، فأن المرأة غير قادرة على توفير هذه الأجواء المنزلية بمفردها، وتحتاج الى مزيد من التعاون بين جميع افراد العائلة، فالتعاون يكون عن طريق قيام الاب بشراء احتياجات الاسرة من السوق، ومن ثم يأتي دور الزوجة في تصنيف هذه الحاجيات بحسب الحاجة اليها، وبعد ذلك يكون نقاش حول نوع المائدة التي ستحضر.

وليس من المعيب ان يشارك الرجل زوجته في العمل خلال مرحلة التحضير وقد يكون من الصحيح أيضا إشراك الأبناء بهذه العملية لتعلم مهارة المساعدة والانخراط في العمل المنزلي الى جانب الاب والام.

تعليم الأبناء او تدريبهم على ممارسة التعاون والوقوف الى جانب الام والأب، يخلق منهم أشخاصا قادرين على تكوين اسر ناجحة في المستقبل، فعن طريق التعاون تنقل الأفكار الى الاسر المستقبلية، ويكون الأولاد أكثر استعدادا لتعليم أبنائهم مهارة العمل بروح الفريق الواحد.

العمل بهذه الروح من شأنه ان يقسم الجهد، ويوزع على الافراد وان لم يكن بالتساوي لكنه يسهم وبشكل مباشر في القليل من حجم المسؤوليات الواقعة على عاتق الام او الاب، وبذلك يكون العمل المشترك له الكثير من الإيجابيات أولها هو الشعور بان الجميع يجاهد ويشعر بمعاناة الام التي افنت عمرها في خدمة المنزل.

يقع بعض الأزواج في أخطاء كبيرة وفادحة خلال الشهر المبارك، ومن هذه الأخطاء هو رؤية بعض المشاهد التلفازية، التي تظهر فيها بعض المشاهد وصور لنا ربة المنزل بحالة من المثالية

العمل بهذه الطريقة التشاركية ينبع من صلب الأهداف الإنسانية والرسالة المحمدية التي تؤكد على أهمية الاعتناء بالمرأة والرفق بالقوارير، فالرفق يأتي بهيأة المساعدة المستمرة وعدم الضغط عليها بما لا يتناسب وتركيبتها الجسدية.

الخُلاصة: العمل الجماعي سواء خلال شهر رمضان او غيره يخلق جوا من الالفة العائلية ويكون بمثابة الدعامة الحقيقية لتقوية الاواصر الاسرية، ولهاذ ينصح بأن يكون هذا المبدأ حاضرا في اغلب المنازل لا سيما في بلاد المسلمين، فالتعاون بهذه الصورة يضفي على شهر رمضان مزيدا من البهجة والخير وبالتالي يعم السرور في ارجاء المنزل.

عن المؤلف

سُرى فاضل

اترك تعليقا