أسوة حسنة

 عطاء لا ينضب من ينبوع الكوثر

يعد بناء الاسرة السليمة، من أصعب اسس بناء المؤسسات البشرية، لانها تمثل اللبنة الأساسية لانشاء المجتمعات المتكاملة والمترابطة من كافة النواحي، وذلك لان الاسرة تعتبر البيئة الأولى لتربية الافراد الذين يؤسسون المجتمع، فالأسرة المتوازنة تنشأ من وضع اول حجر اساس صحيح من خلال اختيار شريك الحياة المناسب، وفي خضم الصراعات الفكرية الحديثة، تواجه هذه المؤسسة تحديات كبيرة في تفكك الروابط الأسرية التي تؤدي بها الى انهيار خطير وعواقب لا تحمد عقباها ليس فقط على أفراد الأسرة ولكن على المجتمع برمته.

ولتفادي هذه الانهيارات المستقبلية، وضعت الشريعة الإسلامية أحكاما خاصة تتعلق باختيار الزوج والزوجة من خلال مراعاة القيم الأخلاقية والدينية، من اجل تعزيز الروابط الأسرية وتقليل حالات الطلاق وتفكك الاسرة.

حيث ركزت على مؤهلات معينة لاختيار الزوج الصالح، تساعد في ضمان بناء أسر ثابتة وقائمة على الحب والمودة، كما اشار الى ذلك رسولنا الكريم محمد، صلى الله عليه وآله: “إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”.

فالزواج له أحكام محددة، اهمها اختيار الزوجين الصالحين، فالرجل إذا أراد أن يتزوج عليه أن يبحث عن الزوجة الصالحة، والله تعالى يقول: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}.

كذلك المرأة لا تنكح إلا الصالح من الرجال، فكما يطالب الرجل بأن يختار الصالحة هي أيضاً مطالبة بأن تختار الصالح والله عز وجل يقول أيضاً: {وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا}، بمعنى لا تزوجوهم، واختاروا الرجل الصالح.

وفي ظل ما نشهده من انحلال أخلاقي مخيف، أصبح اختيار زوج المستقبل فيه نوع من الصعوبة، الامر الذي جعل الكثيرات يعزفن عن فكرة الارتباط، لانهن لم يجدن الزوج الملائم لهن، واكيد مما لا شك فيه نحن لا نبحث هنا عن المثالية المفرطة، اذ لا يوجد شخص متكامل 100%، لكن قدر الإمكان يكون كفؤ لها.

فيكف تتمكن المرأة من تحديد المعايير المناسبة لشريك حياتها؟

جاء في الحديث أنّ رجلاً جاء إلى الإمام الحسن، عليه السلام، يستشيره في تزويج ابنته فقال عليه السلام: “زوّجها من رجل تقيّ، فإنّه إن أحبّها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها”،فتديّن الرجل من أول الشروط التي ينبغي النظر فيها من قبل المرأة، لأن التدين يحفظها على كل حال.

من أبرز تلك الشخصيات هي مولاتنا السيدة خديجة ينبوع الكوثر، عليها السلام، فحين نستقرأ سيرة حياتها، نجد فطنة متميزة في اختيار شريك حياتها، فهي لم تحدد المقياس بالمكانة الاجتماعية ولا الثروة ولا الأموال

وفي الرواية عن حسين البشار قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام: إن لي ذا قرابة قد خطب إلى وفي خلقه سوء؟ فقال: “لا تزوجه إن كان سيئ الخلق”، وهذا تنبيه مهم جدا من الامام عليه السلام، حيث ان التديّن وحده غير كافيا، وعلينا أن نلتفت إلى أخلاقه التي تظهر من خلال عمله وسلوكه وعلاقاته مع الناس، وإن اجتمعت تلك الخصلتان في الرجل تسقط امامهما باقي الشروط المجحفة التي تضعها بعض النساء ومنها الفقر الذي تتخذه بعضهن حجة قاطعة للرفض، ربما نجد ان ذلك صعبا، لكن مع وجود القدوة من النساء أصبحت المهمة أسهل بكثير، فهذه النخبة من القدوات يمكن الاستفادة من تجاربهن الناجحة للوصول الى الغاية المنشودة.

ومن ابرز تلك الشخصيات هي مولاتنا السيدة خديجة ينبوع الكوثر، عليها السلام، فحين نستقرأ سيرة حياتها، نجد فطنة متميزة في اختيار شريك حياتها، فهي لم تحدد المقياس بالمكانة الاجتماعية ولا الثروة ولا الاموال، رغم انها كانت وكما هو متعارف لدى الجميع، صاحبة ثروة ضخمة وتجارة واسعة، فقررت أن يكون النبي، صلى الله عليه وآله، أميناً على تجارتها قبل أن يكون زوجاً لها، وفي أولى الرحلات التجارية للنبي خولته أموالها ووضعت كل ما لديها تحت اختياره، ثم راحت توصي غلمانها بطاعة النبي خلال مرافقتهم له، فحاز على ثقتها لامانته واخلاقه العالية.

وهذا يعلمنا درس بليغ للغاية، في اختيار شريك الحياة، والذي يكون عن طريق اخضاعه لتجارب اخلاقية ودينية، تكشف عن مكامن شخصيته الخفية التي يأتي بها مغطاة بهالة من المثالية المفرطة، فقط لكسب الرضا والقبول به كزوج، لتنكشف بعد الزواج الحقيقة المرة للزوجة المسكينة. السيدة خديجة الكبرى عليها السلام، احسنت الاختيار حين عرفت المعدن الحقيقي لرجل حاز على ثقتها بشكل كبير ليكون زوجا لها، نظرا لما تمتع به من خصال حميدة في عصر جاهلي كثرت فيه الصفات الذميمة، الامر الذي دفعها لتسترخص العطاء في سبيل الله، عندما قبلت راضية بمغادرة حياة الرفاهية التي كانت عليها قبل الإسلام، لتتحمل الأذى والحصار مع رسول الله في شعب أبي طالب، حتى وافتها المنية، كل ذلك نصرة للدين الاسلامي.

عن المؤلف

زينب علي عمران

اترك تعليقا