أسوة حسنة

خديجة الكبرى.. سيدةٌ جليلة وقدوةٌ حسنة

التاريخ الإسلامي غنيٌ بالكثير من الشواهد الحيّة على أهمية المرأة في الحياة الاجتماعية والتربية الاسرية، فلم يبخل علينا بتقديم العديد من النماذج التي توضح مكانة المرأة ودورها في بناء الفرد والمجتمع على حد سواء، والحديث يدور هذه المرة عن سيدة جليلة طاهرة مطهرة، وهي السيدة خديجة الكبرى، سلام الله عليها.

فمن هي السيدة خديجة؟

هي السيّدة خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وتلتقي مع زوجه الرسول الاكرم محمد، صلى الله عليه واله وسلم، عند الجد الأكبر (قصي).

ولدتها فاطمة بنت زائدة بن أصمّ بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر، كانت سيّدة جليلة مشهود لها بالفضل والبرّ.

طهارة هذه المرأة وعفتها أيام الجاهلية جعل اهل قريش يطلقوا عليها العديد من التسميات، نورد أبرزها؛ حيث سُميت بالطاهرة لشدّة عفافها، وسُميت أيضا؛ بسيدة نساء قريش الى جانب انها كانت تُكنّى بأم هند.

لم تكن هذه الكنى محظ صدفة، بل جاءت بعد جهد وعمل مخلص تحلّت به السيدة خديجة الكبرى، لاسيما وهي تعيش في مجتمع جاهلي يحقّر المرأة ولا يعطيها أي مكانة او دور في الحياة الاجتماعية، فقد برهنت السيدة، رضوان الله عليها، على الدور الحقيقي للمرأة وهي تعاضد الرجل.

نستذكر هذه السيدة الجليلة ونحن نعيش ذكرى وفاتها في شهر الله الفضيل، ونريد ان نسلط الضوء من خلال الاستذكار على الدور الريادي والكبير الذي أدته إبان الدعوة الإسلامية، الى جانب كونها سيدة وقدوة للنساء المؤمنات، فهي اول من آمن بنبوة محمد، صل الله عليه وآله وسلم، من النساء، وكانت خير عون له، وقد أقامت مع الرسول أربعاً وعشرين سنة وشهراً، ولم يتزوّج عليها غيرها، إلاّ بعد أن توفيت، عليها السلام.

مواقف مُشرقة

مواقفها مع رسول الله على الصعد كافة، جعلتها قدوة للكثير من النساء، فقد شهد لها الرسول الاكرم في مواقف ومواطن كثيرة، حيث ذكر ابن الجوزي عن عائشة: كان رسول الله، صلى الله عليه وآله، لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة، عليها السلام، فيحسن عليها الثناء، فذكرها يوماً من الأيام فأدركتني الغيرة فقلت: هل كانت إلا عجوزاً قد أخلف الله لك خيراً منها؟ قالت: فغضب حتى اهتزّ مقدم شعره من الغضب، ثم قال: لا والله ما أخلف الله لي خيراً منها، لقد آمنت إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله -عز وجل- أولادها إذ حرمني أولاد الناس، فقالت (عائشة): فقلت بيني وبين نفسي لا أذكرها بسوء أبداً.

حقٌ لهذه المرأة العفيفة ان تكون قدوة لملايين النساء حول العالم، وسط كمية المغريات التي تسعى لتشويه صورة المرأة المسلمة وحرفها عن الطريق السليم، عبر المواد الإعلامية والاعمال الدرامية

وقفت مع رسول الله ومدته بالمال نظرا لمكانتها الاقتصادية حيث كانت تشتغل بالتجارة وتسيّر القوافل التجارية، فأسهمت في تدعيم الدعوة الإسلامية، فجاء في الرواية عن رسول الله: “ما قام الإسلام إلا على مال خديجة وسيف علي بن أبي طالب”.

محطات للحِكم والمواعظ

من يتابع محطات حياة هذه السيدة الجليلة يجدها مليئة بالحكم والمواعظ الحسنة، فحريٌّ بنساء بلاد المسلمين ان يتخذنّ من حياتها المعطاءة سراجاً ينير حياتهنّ على جميع المستويات، فعلى المستوى الاسري كانت، رضوان الله عليها، زوجة صالحة، قدمت ما بوسعها لخدمة رسول الله ودعوته الى الإسلام.

وعلى المستوى التربوي فقد اشتركت في تربية الامام علي بن ابي طالب، عليه السلام، فانتج لنا هذه الشخصية العظيمة والبطلة، وهو اول من صدق بالدعوة الإسلامية من الرجال ووقف مع الرسول الأعظم في جميع حروبه ومواقفه العصيبة، وكان من اشد المدافعين عن بيضة الإسلام.

تحمل ما تحمل من اجل ان تبقى راية الإسلام خفاقة على مدى العصور والازمان، فبالتأكيد هذه المواقف الشجاعة نابعة من التغذية الروحية التي زودته بها سيدة قريش، سلام الله عليهما، فكان لابد ان تبرز لنا هذه الشخصية المتكاملة من حيث الصفات الاجتماعية والدينية والسياسية.

وعلى مستوى العمل فكان، رضوان الله عليها، من النساء الغنيات بعد أن جمعت المال من التجارة الحلال، وفي ذلك دروس ورسالة واضحة الى النساء فيما بعد وحتى وقتنا الحاضر، ان العمل ليس حكرا على الرجال، وعلى النساء ان يجتهدنّ في الاعمال التجارية والوظيفية والمنزلية.

والرسالة الأخرى؛ دعوة مباشرة الى عدم التضييق على النساء ومنعهنّ من أداء واجباتهنّ والانخراط في سوق العمل، ففي العقود الماضية تعرضت المرأة الى الكثير من حالات الاعتداء وسلب الحقوق، فمنعت من العمل والدراسة، ومورست بحقها شتى الأساليب البشعة بعيدا عن القيم الإسلامية التي تؤكد على احترامها وحفظ كرامتها ومكانتها.

لقد رسمت السيدة الجليلة عبر مسار حياتها المليء بالعطاء، الطريق الصحيح لكل امرأة تسعى لان تكون امرأة مثالية قادرة على مواجهات التحديات الاسرية والظواهر الاجتماعية التي تهاجم المجتمعات البشرية، وعلى هذا الأساس ينصح النساء بمختلف فئاتهنّ العمرية بأن ينهلْن من هذا المعين الصافي.

فحقٌ لهذه المرأة العفيفة ان تكون قدوة لملايين النساء حول العالم، وسط كمية المغريات التي تسعى لتشويه صورة المرأة المسلمة وحرفها عن الطريق السليم، عبر المواد الإعلامية والاعمال الدرامية التي تقدم خلال شهر رمضان الكريم على وجه التحديد، وبقية شهور السنة بصورة عامة.

يجب الا تستهين المرأة المسلمة بما يقدم لها من مغريات للتخلي او الابتعاد عن القيم السمحاء للرسالة الإسلام النقية، وعليها ان تكون أكثر حذرا وحرصا لتحصين نفسها من الامراض الاجتماعية التي اخذت تنتشر في الأوساط بعد الانفتاح على العالم من خلال استخدامها لمواقع الشبكات الاجتماعية ومتابعة وسائل الإعلام المتنوعة.

الخلاصة؛ نشأة السيدة خديجة الكبرى في بيئة جاهلية، ولكن؛ لم تكن هذه البيئة حائلاً أمامها لأن تكون امرأة صالحة ومؤمنة بما جاء من عند الله، بل عملت على تأدية رسالة سامية ووضعت منهج حياة لغيرها من النساء، اذ وضعت القواعد الرصينة لبناء مجتمع نسوي قوي قائم على القيم السماوية الاصيلة.

عن المؤلف

سُرى فاضل

اترك تعليقا