مناسبات

عينٌ جارية

قال تعالى في محكم كتابه: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}.

استثمر أهل البيت، عليهم السلام، المناسبات الدينية في الاشهر المباركة لا سيما شهر رمضان المبارك، من اجل تحريك المشاعر الانسانية للشعور بالمستضعفين، فيشجعون الناس على بذل المساعدة والتصدق عليهم، لما لها من اثار وابعاد وثمار عبادية لا حصر لها.  

 حيث حرص الائمة عليهم السلام على نشر ثقافة مفهوم الصدقة على نطاق واسع بين الناس، ليشملوا بذلك حتى الاطفال، فعن محمّد بن عمر بن يزيد قال: أخبرت أبا الحسن الرضا عليه ‌السلام أنّي اُصبت بإبنين وبقي لي ابن صغير، فقال: تصدّق عنه، ثمّ قال: مر الصبي فليتصدّق بيده بالكسرة والقبضة والشيء وإن قلّ، فإن كلّ شيء يراد به الله وإن قلّ بعد أن تصدق النيّة فيه عظيم”.

يا سادة ياكرام، نريد من خلال الاشارة لهذا الموضوع، ان نكثف طوعا هذا الجانب التبرعي للفقراء والمحتاجين، بمعنى ان يكون من ضمن الروتين اليومي او الاسبوعي او الشهري للانفاق، كل حسب قدرته، وهذا ما اشار اليه الإمام الصادق، عليه السلام فقال: “لكن الله عز وجل فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة فقال عزّ وجلّ: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ}، فالحق المعلوم غير الزكاة وهو شئ يفرضه الرجل على نفسه في ماله إن شاء في كل يوم وإن شاء في كل جمعة وإن شاء في كل شهر”.

وكما نعلم ان الصدقة شيء مستحب، يقدم عليه المسلم بطيبة قلب، طلباً للثواب، ومواساة لإخوانه المحتاجين، فقد جعلت الشريعة الاسلامية للمتصدّق ثواباً عظيماً بينه الرسول المصطفى، صلى الله عليه وآله، بقوله: “من تصدّق بصدقة على رجل مسكين كان له مثل أجره، ولو تداولها أربعون ألف إنسان ثمّ وصلت إلى المسكين كان لهم أجراً كاملاً “

والصدقة حتى وأن كانت قليلة، فليست العبرة في القلة والكثرة، وإنما في الاحساس بحاجات إلاخرين والتكافل معهم لا سيما الاقرباء، كما اشار لذلك الامام علي، عليه السلام قال: “أفضل الصدقة أختك وابنتك، مردودة عليك ليس لهما كاسب غيرك”.

ولا شك أنّ التكافل مع الاقارب يمثل حصن حصين يحمي العائلة من أخطار الفقر، كما ويسهم في تقوية درجة المودة والتآلف بين أفرادها، فهذا التوجه ينسجم مع اهتمام الإسلام بالأرحام، ودعوته لتمتين عوامل اللحمة معهم، والذي بدوره يبني مجتمع اسلامي متماسك.

وانطلاقاً من حرص الإسلام على كرامة الإنسان، بأن لا يكون عالة على غيره، بل يكون إنساناً عاملاً يعيش من عرق جبينه، وكدّ يمينه، فقد حرم أخذ الصدقة على المسلم، وأباح له ذلك عند الضرورة. وبذلك سد الأبواب على بعض الأفراد الذين يعيشون على هامش الحياة، ويلقون عبء معاشهم على غارب الصدقة، فمن يمكنه الاستغناء عنها لا تحل له، سواء كان بمال أو صناعة أو حرفة بشرط أن يكون التكسب لائقا بحاله.

لا شك أنّ التكافل مع الاقارب يمثل حصن حصين يحمي العائلة من أخطار الفقر، كما ويسهم في تقوية درجة المودة والتآلف بين أفرادها، فهذا التوجه ينسجم مع اهتمام الإسلام بالأرحام، ودعوته لتمتين عوامل اللحمة معهم، والذي بدوره يبني مجتمع اسلامي متماسك

وهناك جملة شروط ومعايير وضعها الإسلام لتمييز مستحقي الصدقة عن غيرهم، فعن عبد الرَّحمن العرزميّ، عن أبي عبداللّه قال: “جاء رجل إلى الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما جالسان على الصفا فسألهما فقالا : إن الصدقة لا تحلّ إلاّ في دين موجع، أو غرم مفظع، أو فقر مدقع، ففيك شيء من هذا، قال : نعم، فأعطياه”.

وينبغي أن يكون العطاء اولا للأفراد الذين يكونون عرضة للجزع والهلع والتحسس أكثر من غيرهم، من جهة أخرى لم ينقطع أهل البيت، عليه السلام، عن التذكير بالمردود الإيجابي لإعطاء الصدقة، ومنها تكفير الخطيئة، ودفع ميتة السوء، ودفع البلاء، وحصول الشفاء، وزيادة الرزق وغيرها.

ومما ورد من آثار الصدقة الأخرى أنها تذهب بنحس الأيام، فعن الإمام الصادق، عليه السلام: “من تصدق بصدقة حين يصبح أذهب الله عنه نحس ذلك اليوم”.

وهناك أوقات يستلزم التصدق فيها الثواب الكثير كوقت الليل، ويبدو أن لذلك سبب وجيه، وهو صون كرامة المحتاجين، فيستطيع المحتاج أن يحصل على المساعدة دون أن يريق ماء وجهه، قال الإمام الصادق، عليه السلام: “صدقة الليل تطفي غضب الرّب، وتمحو الذّنب العظيم، وتهون الحساب”.

فهنيئا لكل من تكون له عين جارية يروي منها ظمأ العطاشى المحتاجين، ويرتوي هو منها بعد حين، عندما يرحل الى الدار الاخرة، فلنغتنم شهر الطاعة والغفران في جمع متاعنا لرحلة الخلود.

عن المؤلف

زينب علي عمران

اترك تعليقا