ثقافة رسالية

نهج البلاغة والحياة (67) هل يذم أميرُ المؤمنين المرأةَ؟

قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “المرأة عقرب حلوة اللبسة”. (نهج البلاغة، الحكمة: 61).

الكلام عن النساء له اشكال متعددة؛ قد يكون الكلام عن طبيعة الرجل، وطبيعة الأنثى، وقد يكون عن صفات سيئة في نساء معينين، او بعبارة أخرى عن نقاط الضعف في المرأة، او يكون الكلام عن نقاط القوة فيها، وقد يكون عن علاقة الرجل بالمرأة، فلأمير المؤمنين، عليه السلام، كلمات متعددة عن المرأة بعضها يمدح النساء، وبعضها يذمها، والبعض الآخر يحذر الرجال من مغبة الوقوع في شرك النساء.

لا شك أن هناك انجذاب بين الرجل والمرأة وذلك الانجذاب ليس خاصا ببني آدم، بل هو عام في كل شيء من أشياء الكون، فالله خلق الحياة زوجين، ولا نعرف شيئا من أشياء الطبيعة إلا وفيها موجب وسالب، إذا تركبا بشكل سليم أنتجا شيئا سليما، في داخل الذرة الكترون وبروتون أي ذكر وانثى.

الانجذاب بين الزوجين قد يكون عن طريق الجنس او بطريق أخرى، وكما ان هناك انجذاب من جهة فهناك تنافر من جهة أخرى، كما الامر بالنسبة للبروتون والالكترون، فالأخير في حالة دوران حول البروتون، لكن في ذات الوقت هناك نوع من التنافر، الامر ذاته ـ من الانجذاب والتنافر ـ موجود عن بني آدم بين الذكر والأنثى.

أمير المؤمنين عليه السلام، قد يتحدث عن صفات الرجال الطيبة، فليس مدحا مطلقا للرجل، اوقد  تحدث عن صفاتهم السيئة وكلامه ليس ذما للرجل كرجل، وكذلك الامر بالنسبة للنساء، فالأمير قد يذم نقاظ الضعف في المرأة لكي ترفعها، فليس ذمّا للمرأة بطبيعتها كامرأة، فهي ليست مختارة أن تخلق طبيعتها، فالله يخلق الرجل رجلا فلا ميزة له في شيء لم يختره هو، وكذلك هي المرأة، ولا يجوز ان تكون مذمومة لأنها امرأة، ذلك ان الجنة والنار للرجل والمرأة، أي لأعمال يؤدها كلاهما بملء اختياره، والقرآن الكريم يتحدث عن نساء صالحات، كما يتحدث عن نساء فاسقات، فيمدح الفئة الأولى، ويذم الثانية.

هناك آيات ذمّت الرجال في المقابل هناك آيات مدحت النساء، قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}، في آية أخرى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، فهذه الآيات من سورة التحريم ذم لنساء محددات، ومدح لأخريات، أي انه ذم زوجتي نوح ولوط، ومدح زوجة فرعون ومريم عليهما السلام.

روايات عديدة وردت عن أمير المؤمنين، عليه السلام، في مدح المرأة، لكن الكثير يحفظ الكلام التي يذمها خاصة عند الرجال، فلهم مصلحة في مواجهة زوجته او نزاع مع حماته

روايات عديدة وردت عن أمير المؤمنين، عليه السلام، في مدح المرأة، لكن الكثير يحفظ الكلام التي تذمها خاصة عند الرجال، فلهم مصلحة في مواجهة زوجته او نزاع مع حماته، قال عليه السلام: “الاستهتار بالنساء شيمة النوكى” أي الاحمق، وقال: “ولا تحمل النساء اثقالكم”. ويقول في كلام له لولده الحسن” ولا تحمل المرأة فوق طاقتها فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة”، وقال عليه السلام: “ولا تهيجوا النساء بأذى وإن شتمن اعراضكم وسببن امراءكم وإن كنا نؤمر بالكف عنهن وأنهن لمشركات وإن كان الرجل في الجاهلية ليتناول المرأة بالقهر فيُعيّر به بها وعقبه من بعده”. أي يعيره الناس ويقولون هذا الذي أهان النساء او ظلمها.

ثم إذا نظرنا الى تعامل امير المؤمنين مع فاطمة الزهراء، عليهما السلام، يقول في كلام له: “منا سيدة النساء ومنكم حمالة الحطب”، فتعامله معها كان سليما لأنها امرأة صالحة، ويقول: “المرأة الصالحة إحدى الراحتين”، وكان إذا أراد الخروج من الدار يرجع القهقرى احتراما لزوجته الزهراء عليها السلام.

محددات علاقة الرجل بالمرأة

في الرجل انجذاب نحو المرأة وهذا امر طبيعي، لكن على الرجل ان لا ينساق وراء ذلك الانجذاب بشكل عاطفي، فلربما قتل الرجل نفسه بذلك، وكان هلاكه فيه. المرأة جميلة وجذابة بالنسبة للرجل، فقد ينظر الى المرأة وتكون هذه “النظرة سهم من سهام إبليس”، وليس ذلك امتهان لكرامة المرأة، بل هو تحديد للعلاقة بين الرجل والمرأة ووضعها في قناتها الصحيحة، فحينما تقول الرواية: “من ملأ عينه من امرأة من حرام..” ذلك ان الانهيار الخُلقي يبدأ بهذه النظرة، يقول الشاعر:

 نظرة فابتسامة فكلام

فسلام وموعد فتمامُ

أولئك الذين فسقوا وسقطوا، وانتهت حياتهم حول الجنس والبحث عن المرأة، وعبدوا أهواءهم، إنما بدأت هذه الأمور من نظرة، فتحديد العلاقة بين الرجل والمرأة ليس امتهانا لها بل حفظ لكرامتها.

“المرأة عقرب حلوة اللبسة” فكلام أمير المؤمنين لا يقصد ان كل امرأة عقرب، بل في هذه الرواية تحديد لما يجب ان تكون عليه العلاقة بين الذكر والانثى، فالانجذاب الجنسي الى المرأة انجذاب الى العقرب، لان لسعتها حلوة لا يشعر بها الرجل.

في الواقع حين ننظر الى المجتمعات نرى ان الذين يقتلون بلدغات العقارب والحيّات قليلون، ولكن الذي ينتحرون على مذبح الجنس كثيرون، فكم من حضارات سقطت بسبب المرأة؛ عبر العلاقة غير السليمة بين الرجل والمرأة، فحضارة المسلمين في الاندلس التي بُنيت بدماء الشهداء، استهتر بها بعض الامراء بالفسق والفجور فسقطت، وروما انتهت أيضا بعد انتشار الحرام (الفسق) بين الناس.

علاقة الرجل بالمرأة في إطار غير سليم من حبائل الشيطان، “النساء حبائل الشيطان” ولذلك نرى ان المخابرات العالمية تستخدم النساء للإيقاع بالآخرين، قال رسول الله: “ما تركت بعد فتنة أضر من النساء على الرجال”.

إنّ كلام أمير المؤمنين، عليه السلام، ليس عن طبيعة المرأة كامرأة، ولاعن الرجل كرجل، وإنما هنالك حديث عن طبائع ونقائص في النساء، كما ان هناك نقاط ضعف في الرجال

وكيد النساء أكبر من كيد الشيطان والقرآن الكريم يثبت هذه الحقيقة، {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً}، {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}، أي ان كيد الشيطان عن طريق النساء عظيما، وكيده بغير المرأة ضعيفا، تكون المرأة عقرب حينما تكون علاقة الرجل بها علاقةً غير سليمة، فالمرأة هي الصالحة هي العقرب فهي تؤذي وتضر الرجل، وكذلك الزوجة التي تؤذي زوجها وتلسعه دائما من دون سبب هي العقرب المضرة، لذلك من طبيعة العقرب انه يلدغ بدون حساب حتى الأرض التي يمشي عليها.

إنّ كلام أمير المؤمنين، عليه السلام، ليس عن طبيعة المرأة كامرأة، ولاعن الرجل كرجل، وإنما هنالك حديث عن طبائع ونقائص في النساء، كما ان هناك نقاط ضعف في الرجال، ولذا على الرجل ان يرتبط بالمرأة في ضمن الأطر الشرعية، لان المجتمع الإسلامي مجتمع العفة والصلاح بخلاف باقي المجتمعات.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا