مناسبات

بيوتنا مساجدنا

جديرٌ بنا التقدم خطوة الى الأمام في طريق التربية الذاتية، والتنمية الروحية والأخلاقية هذه الأيام لنحظَ بالضيافة الرحمانية من خلال إعطاء وقت أكثر لقراءة القرآن الكريم والتدبّر في آياته، وتداول الأحكام الشرعية، والبحث في المسائل الأخلاقية، الى جانب الخلوة مع الله –تعالى- عبر باقات من الأعمال والأدعية المروية عن المعصومين، عليهم السلام.

إن زيادة الوعي الجماهيري، لاسيما بين أوساط الشباب بفضل سيول المعلومات من مواقع الانترنت، تدعو بالمقابل لزيادة الرصيد المعرفي لفهم مسائل الحياة المستجدة، والحصول على أجوبة لعديدة الأسئلة والاستفهامات الحائرة حول عمل الشباب والمرأة، والاحترام المتبادل للحقوق، و حدود الحرية، ودور الأسرة في سعادة الأبناء، ودور الأخلاق في بناء الشخصية الناجحة، كل هذا وغيره كثير لا أرى المساجد والهيئات والحسينيات قادرة على استيعابها خلال الفترة المحدودة من نشاطها بعد فترة الإفطار، مع فائق شكرنا وتقديرنا للعاملين في هذه المحافل المقدسة، ولما يبذلونه من جهود مميزة لجمع افراد المجتمع، لاسيما الشباب والفتيان لتعلّم تلاوة القرآن الكريم، وتلقي دروساً في الاحكام الشرعية، وأخرى في الأخلاق والسيرة المطهرة للمعصومين، وبرامج هادفة ومفيدة أخرى.

ذكرني هذا العنوان بوضع الإغلاق التام الذي ضرب العالم بأسره عام 2020 بسبب فايروس كورونا، و كان الاقتراح بأن تكون “بيوتنا مساجدنا” بدعوى التقليل من الاختلاط تحاشياً من عدوى هذا الداء الوبيل، وشهر رمضان الكريم هذا العام جديرٌ بأن يتميز بإعطاء الدور المميز للعائلة والأسرة في البناء الروحي والأخلاقي، فالقضية لم تعد تتعلق بقراءة جزء واحد من القرآن الكريم يومياً، وقراءة دعاء الافتتاح، وأدعية أخرى وبعض الاعمال العبادية، إنما نحتاج الى تنظيم شامل للسلوك العام، بدءاً من الجلوس على المائدة، ثم تبادل الاحاديث، ثم طريقة تناول الطعام، و أوقات النوم، والطعام الصحي، وتوثيق العلاقات بين الافراد داخل حصن العائلة الواحدة.

أن تكون البيوت خليّة نحل لقراءة القرآن الكريم في أوقات مختلفة، وايضاً الأدعية والاعمال العبادية، والجلسات التربوية والودّية، هي مسؤولية الآباء والأمهات بالدرجة الاولى، وايضاً؛ الأخ الكبير والأخت الكبيرة

بلى؛ نحن نذهب الى المساجد والهيئات والحسينيات للصلاة وقراءة القرآن الكريم والأدعية الرمضانية، بيد أن المهم ايضاً انعكاس الفوائد المرجوة من هذه الاعمال العبادية على سلوكنا اليومي وثقافتنا العامة؛ لأيام هذا الشهر الفضيل، ثم لسائر أيام السنة.

نحن نقرأ القرآن الكريم، في نفس الوقت علينا معرفة ماذا نقرأ من الكتب الأخرى؟ وماذا يجب ان نبحث بين أمواج الأفكار المتلاطمة من حولنا؟ هذا هو السؤال المحوري المهم، وما الذي نكسبه من متابعة الصفحات والحسابات على فيسبوك وانستغرام وتيك توك وغيرها من منصات “التواصل الاجتماعي”؟

يتذرع البعض أن جلوسه بعيداً عن الأهل واحتضانه جهاز الموبايل وتصفحه تلكم المواقع والمنصات بدعوى الترويح عن النفس والاطلاع على المثيرات والمستجدات للخروج من حالة الرتابة والجدّية التي تسببها على الأغلب حياة الدراسة والواجبات المدرسية والامتحانات، الى جانب الاعمال الشاقة طوال فترة الصيام، ومع تفهّم الحاجة للترويح عن النفس وكسر حالة الرتابة، تبقى الخطورة تهددنا في خسارتنا وقتنا الثمين دون الفائدة المرجوة، فيما يستفيد الآخرون من أصحاب المواقع والمنصات من المشاهدات والتواصل والحضور لترويج ما يريدون.

نحن نذهب الى المساجد والهيئات والحسينيات للصلاة وقراءة القرآن الكريم والأدعية الرمضانية، بيد أن المهم ايضاً انعكاس الفوائد المرجوة من هذه الاعمال العبادية على سلوكنا اليومي وثقافتنا العامة

أن تكون البيوت خليّة نحل لقراءة القرآن الكريم في أوقات مختلفة، وايضاً الأدعية والاعمال العبادية، والجلسات التربوية والودّية، هي مسؤولية الآباء والأمهات بالدرجة الاولى، وايضاً؛ الأخ الكبير والأخت الكبيرة، فان لهم منزلة خاصة ومؤثرة عند صغار السنّ.

نجاح هذه المهمة الكبيرة يعني نجاح الصيام بمفاهيمه التربوية والتعليمية، فمن ينجح داخل الأسرة في زيادة وعيه الديني والأخلاقي، وفي تنمية وصقل شخصيته الاجتماعية، فانه ينجح في المدرسة وفي السوق وفي محيط العمل وفي كل مكان بالعالم الخارجي، ولعل هذه تكون من بركات شهر رمضان علينا، فطوبى لمن استثمر فرصة هذا الشهر الفضيل ولم يضيّع منه دقيقة واحدة.  

عن المؤلف

أحمد ماشاءالله

اترك تعليقا