حاوره: كفاح وتوت
شاعر شاب مبدع، مثابر وطموح، يسعى دائما نحو أهدافه بجد واجتهاد مثل نهر عذب، ويرتقي كشجرة لبلاب الى أعالي الشرفات ليرى العالم بكل دقة للتعبير عنه بصدق وإيمان، له حضور جميل بخلقه العالي الذي يتحلى به.
الشاعر وسام وليد صبري عبيد النصراوي من مواليد كربلاء المقدسة 1 حزيران 1993، عضو اتحاد الأدباء والكتاب في كربلاء حاصل على شهادة البكالوريوس آداب فلسفة من جامعة الكوفة ٢٠١٥، حاليا يدرس في المركز العراقي للدراسات والبحوث الاعلامية – معهد اكمسر للصحافة والاعلام – نادي الصحافة.
له عدد من الإنجازات وهي: مجموعة شعرية بعنوان (جسد في مهب الحلول) – (تنهد أيهذا الناي) مجموعة مخطوطة – (زاد العارفين) مجموعة مخطوطة – ومسرحية مخطوطة بعنوان (خلاف عائلي)، وقد كتب العديد من القصائد في حق أهل البيت عليهم الصلاة والسلام وشارك في عدد من المهرجانات الشعرية داخل العراق.
حصل على عدد من الجوائز إذ تأهل ضمن العشرة الأوائل في مسابقة سيد الشهداء عليه السلام التي بثت على قناة العراقية، 2018, وحصل أيضاً على المركز الثالث في مسابقة اليتيم التي بثت على قناة الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء. كما حصل على المركز السادس في مسابقة لآلئ الآل في حق الإمام المهدي، عجل الله فرجه، التي نظمتها العتبة العباسية، قسم الشؤون الفكرية والثقافية، 2024، والمركز العاشر في مسابقة الصديق الأكبر التي نظمتها العتبة العباسية، 2025 , وحصل أيضاً على المركز الثاني في مسابقة الأديبة وفاء عبد الرزاق السنوية التي تنظمها المنظمة العالمية للإبداع من أجل السلام، لندن، 2022، و المركز الأول في نفس المسابقة، 2025.
وهذا ما حفزنا على إجراء الحوار معه للتعرف عليه وعلى عالمه الشعري وطموحاته المستقبلية.
المحاور: الشاعر المبدع وسام النصراوي: لكل شاعر بداية وشرارة انطلاق، كيف وجدتَ نفسك شاعراً؟ ومَن مِن الشعراء قد تأثرتَ بهم؟
الشاعر وسام: وجدتُ نفسي شاعراً حين صرتُ أسمعُ صدى الكلمات في داخلي قبل أن أنطق بها، وحين باتت اللغة بيتا يأويني في وحشة الأسئلة الكبرى لم أختر الشعر، بل هو الذي اختارني، تسلّل إلى روحي كما يتسلل الضوء إلى ثنايا الغيم، وأخذني إلى عوالم أوقدت فيَّ شعلة الأسئلة.
أما عن التأثر، فالشاعر أشبه بنهرٍ تتجمّع إليه ينابيعُ شتى، كلُّ قطرةٍ منه تحمل بركة ماءٍ مرّ بها. قرأتُ المتنبي وأبو فراس الحمداني فتعلمتُ منهم شموخ الكلمة، ونهلتُ من دعبل الخزاعي والشريف الرضي فلامستُ يقظة الفكر والثبات في المواقف الحقيقة، وجالستُ السياب فشعرتُ بهطول المطر، واقتربتُ من أدونيس فوجدتُ في كلماته مغامرة الأسئلة لكن في النهاية، لا يكون الشاعر شاعرا إلا حينما يجد صوته الخاص، حينما يخلع عباءة التأثر ويقف عاريا أمام اللغة، ليعيد تشكيلها بوهجه الذاتي.
المحاور: الشاعر يحمل رسالة و له دور كبير في إيقاظ المجتمع وتوعيته، ما هو رأيكَ في أهمية الشاعر و تأثيره على الجمهور؟
الشاعر وسام: أرى أنه النبض الخفي للمجتمع، العين التي تبصر ما يتعامى عنه الآخرون، واللسان الذي ينطق بالحقيقة حين يخاف الجميع من قولها إنه ليس مجرد مُزين للكلمات، بل حاملُ شعلة، يسير في عتمة الحياة ليوقظ النائمين، ويفتح الأبواب المغلقة أمام النور.
الشعر ليس ترفا ولا تزيينا للواقع، بل هو ثورةٌ هادئة، ومقاومةٌ ناعمة، يزلزل بها الشاعر الماء الراكد، ويعيد تشكيل الوعي الكلمة قد تكون سيفا أشد مضاءً من الحديد، وقد تكون بلسما يشفي جراح الأمة.
لكن ليست كل قصيدة رسالة، وليست كل رسالة توقظ الشاعر هو من لا يكتفي بأن يكون صدى لما هو موجود، بل يسعى ليكون طيفا لما هو ممكن، لينقل مجتمعه من الركود إلى الحركة، ومن الجمود إلى الدهشة، ومن الغفلة إلى البصيرة.
الشاعر مثله مثل الناي، فيصدح بأنين العالم وأوجاعه إنه المرآة التي تعكس ما يخفى، والبوصلة التي تشير إلى جهات لم تكن دوره ليس أن يكون مجرد راوٍ، بل أن يكون صانعاً للدهشة، موقظاً للوعي.
أما تأثيره على الجمهور، فهو يشبه أثر الموج على الصخور، قد يبدو هادئا في لحظته، لكنه مع الزمن يحفر عميقا في الوجدان، الكلمة حين تخرج من قلب الشاعر لا تموت، بل تتوالد في قلوب الآخرين، تتحول إلى فعل، إلى موقف، إلى إيمان جديد بالحياة الشاعر لا يكتفي بأن يطرب الأسماع، بل يسعى إلى أن يُشعل شرارة الفضول، وأقصى طموحه أن يكون شمعة مضيئة وسط هذا الظلام.
المحاور: يقال أنّ الشعر موهبة هل تؤمن بأن موهبة الشعر تكفي لخلق شاعر حقيقي؟
الشاعر وسام: الموهبة شرارة، لكنها وحدها لا تكفي لإشعال نار الشعر الشاعر لا يُخلق من موهبة خام فقط، بل من صقلٍ دائم، ومعاناةٍ تُختمر، ومعرفةٍ تنحت فكره كما ينحت النهرُ الحجر.
الشعر ليس مجرد كلمات موزونة ومقفاة، بل هو رؤية، موقف من الوجود، قدرة على التقاط الخفي في العادي، وتحويل اللحظة العابرة إلى أبدٍ من المعنى وكما أن النحات لا يكتفي بقطعة الرخام، بل يحتاج إلى إزميل ووقتٍ وشغف، كذلك الشاعر يحتاج إلى القراءة الممنهجة، والتجربة العميقة، والتأمل الذي لا يتوقف.
الموهبة بذرة، لكنها إن لم تُروَ بالجهد، ولم تتعرض لشمس التجربة، ستظل حبيسة الظلام، ولن تصبح يوما شجرة وارفة تفيء على القلوب بكلماتها.
المحاور: للكتابة طقس خاص يعيشه الكاتب، ما هو شعورك وأنت تكتب قصيدة عن أهل البيت عليهم السلام؟ هل يختلف عن حالتك وأنت تكتب قصيدة في موضوع عام؟
الشاعر وسام: حين أكتب عن أهل البيت (عليهم السلام) أشعر أنني أكتب بروحٍ لا تخصني وحدي، بل بروحٍ ممتدة عبر الزمن، تتصل بملايين الأرواح التي وجدت فيهم النور والملاذ الكتابة هي اقتراب من قداسة المعنى، محاولة لصياغة المشاعر بلغةٍ تليق بالمقام عن ذلك العشق الذي لا تقدر اللغة على احتوائه بالكامل، فتظل القصيدة محاولة، وظلا خافتا لجمالٍ لا يُدرك إنه شعورٌ أشبه بالسفر في بحرٍ من النور، حيث لا تكون الكلمات مجرد حروف، بل نوافذ على الروح، حيث الكتابة ليست فعلا اختياريا، بل استجابة لنداء داخلي، لدمعٍ متحجر يبحث عن مخرج، ولمحبة تتجلى في صورة قصيدة.
أما حين أكتب في موضوع عام، فإني أكون في مواجهة ذاتي، أستنطق تجربتي، وأبحث عن إجابة.
المحاور: لو كنتَ ناقداً كيف تقيٍّم كتاباتك؟
الشاعر وسام: مثلما الشعر موهبة وتعلم ودراسة في بعض الاحيان كذلك النقد يحتاج الى موهبة ودراية بكل مناهج النقد، لكن في تجربتي للكتابة اتجرد من كل شيء الا الفطرة.. في الوقت ذاته اكون غير راضٍ على كل ما تجول به قريحتي بل انظر بعين المتسائل الذي لا يكتفي بما كتب، ابحث عما كان يمكن أن يُكتب سأكون قاسيا على لغتي حين تتزين أكثر مما ينبغي، وسأختبر مدى صدق المشاعر في كلماتي، لأن الشعر بلا صدقٍ مجرد زخرفة عابرة.
سأقرأني كما لو أنني شخصٌ آخر، لا يعرفني ولا يجاملني، وسأسأل: هل هذه القصيدة ضرورة؟ هل أضافت شيئًا؟ هل استطاعت أن تترك أثرا أبعد من لحظة القراءة؟ فإن وجدتُ أنني أكرر نفسي، أو أكتب من أجل الكتابة فقط، سأمزق النص بلا تردد.
سأكون رحيما حين أجد في قصيدتي بصيصا من المعنى، أو صدى لعاطفةٍ، أو صورة بقيت ترنُّ في الذاكرة بعد القراءة عندها سأعلم أنني، رغم كل شيء، ما زلتُ أسير في الطريق الصحيح، حتى وإن كان عليّ إعادة رسم خطواتي مرارا.
المحاور: ظهر جيل جديد من الشعراء الشباب لهم بصمات ورؤى مختلفة، ما هو تقييمك للشعراء الشباب الذين أصبحوا جزءاً مهماً من المشهد الثقافي العراقي وهم منافسون أقوياء للكثير من الشعراء؟
الشاعر وسام: الشعراء الشباب في المشهد الثقافي العراقي يشبهون نهراً جديداً يصبّ في بحرٍ عريق يحملون في كلماتهم توهجَ اللحظة، وقلقاً ذاتياً، وتمرّدَ البحث عن صوتٍ خاص وسط صدى التراث الكبير إنهم جيلٌ يشقُّ طريقه بين أمواجٍ متلاطمة من التأثيرات، بين إرثٍ ثقيل من الشعر، وبين عالمٍ متغير يُطالبهم بصوتٍ مختلف، أكثر التصاقا بروح العصر.
ما يميز هذا الجيل هو جرأته في التجريب، ووعيه بحجم التحدي، لكن بعضهم قد يقع في فخ الإبهار اللغوي على حساب المعنى، أو في استسهال الحداثة دون أن تكون امتدادا لتجربة عميقة إلا أن هذا طبيعي في مراحل التشكُّل، فالشاعر يولد من محاولاته، وينضج من أخطائه، ويُصقل عبر الزمن.
انهم يحملون شرارة الإبداع، ولكنهم يحتاجون إلى صقل التجربة، وإلى استحضارٍ دون أن يكونوا أسرى للماضي. التحدي أمامهم ليس فقط كتابة الشعر، بل أن يجعلوا من شعرهم نافذةً يرى من خلالها الناسُ ذواتهم وأحلامهم، لا مجرد مرآةٍ تعكس لغتهم فقط.
المحاور: ماهي مشاريعك وطموحاتك المستقبلية؟
الشاعر وسام: مشاريعي وطموحاتي ليست مجرد محطات على الطريق، بل هي امتدادٌ لقلق الشاعر الذي لا يهدأ، ولرغبته في أن تكون كلماته أثرا لا مجرد صدى أسعى إلى أن يتجاوز شعري حدود الورق، أن يصبح تجربةً يعيشها القارئ، أن يكون مرآةً للروح حين تبحث عن ذاتها، أو جسرا يصل بين الفكرة والشعور.
أطمح إلى إصدار مجموعات شعرية تحمل بصمتي الخاصة، تجمع بين العمق الفلسفي والذات الشعرية، وتكون قادرةً على أن تترك شيء في وجدان القارئ كما أنني أؤمن بأن الشاعر لا يعيش في عزلةٍ عن مجتمعه، لذا أسعى إلى أن يكون لي دورٌ في المشهد الثقافي، سواء عبر المساهمة في الفعاليات الأدبية، أو من خلال مشاريع إعلامية تُسلط الضوء على الشعر بوصفه صوتا نابضا للحياة، لا مجرد كلماتٍ معلقة بين دفتي كتاب.
أما الطموح الأسمى، فهو أن أكتب قصيدةً تشبهني تماما، أن أصل إلى اللحظة التي أشعر فيها بأن اللغة لم تكن مجرد وسيلة، بل كانت كيانا نابضا، وحقيقةً لا تحتاج إلى تفسير.
المحاور: في ختام هذا الحوار أطلب منك قصيدة مما جادت قريحتك الشعرية في حق أهل البيت صلوات الله عليهم .
الشاعر وسام: كتبتُ قصيدة على البحر الطويل بعنوان ( وِرْدٌ مِنْ أريجِ الغيب ) أقول فيها :
مَتَى كَانَ فِي الأَذهَانِ وِرْدٌ و شَاعرٌ
فَمَا الشِّعْرُ إِلَّا حَسْرَةٌ تَتَجَدَّدُ
وَمَنْ كَانَتِ الآثَامُ قُدَّامَ خَطوهِ
عَلَى مَضَضٍ هَيْهَاتَ ذَنْبٌ يُمْهّدُ
وَمَالِي سوَى يَوْمٍ يَطُلُّ وَيَغْتَدِي
لِسَاعَتِهِ مَا يَسْتَفِيقُ وَيَرْقُدُ
وَلَكِنَّهَا نَفْسٌ تفِيضُ طِبَاعُهَا
إِذَا شَهِقَتْ أَنْفَاسُها حِينَ تَنْهَدُ
إلى نورِهِ الطِّينِيِّ أحْتاجُ دَائِمًا
فَطيْفُهُ مَاءٌ فِي وريديَ مُسنَدُ
فَتَىً سَيْفُ عَدْلٍ عَدْلُهُ فِي زَمَانِهِ
لِيمْلِئَ هَذِي الأرض.. بِالقِسْطِ يَرْفدُ
دَنَى.. فَتَدَلّى القَلبُ حَتَّى كَأَنَّمَا
مِنَ الخَفقِ أَنْوَاءٌ.. صِرَاطٌ.. وَمَشْهَدُ
لَهُ قبَسَاتٌ مِنْ (مُحَمَّد) فِي الوَرَى
وَكَهفٌ عَلَى مَا فَاحَ مِنْهُ تَعوُّدُ
وَمِنْ إِرْثِ (زَهْرَاءٍ) عَلَيْهِ سَحَابَةٌ
تَسِيلُ مِنَ الأَسْمَاءِ وَالرِّيحُ هُدْهُدُ
بِمَنْهَجِهِ سِرُّ البِدَايَاتِ مَسْجدٌ
وَلَكِنّ مَنْ يَهْوَى النِّهَايَاتِ يَسْجُدُ
أرى قدَّستْه الأرضُ منذُ وجودِهِ
وعينايَ فِي دربٍ مِنَ الفقدِ ترمدُ
عليه سلامٌ من وسامٍ عفا به
غيابٌ بأطرافِ النجومِ مسهّدُ