الهدى – متابعات ..
بينما يفترض أن تكون التكنولوجيا وسيلة للتطور والتعلم، تحوّلت عند كثير من الأطفال إلى فخ رقمي يستهلك وقتهم ويؤثر على نموهم النفسي والعقلي. فالإدمان الإلكتروني لم يعد مجرد ظاهرة عابرة، بل أصبح مشكلة حقيقية تهدد الصحة الذهنية والجسدية للأطفال، وتؤثر على علاقاتهم الاجتماعية ومستواهم الدراسي.
وبينما يقف الأهالي حائرين بين فوائد التكنولوجيا ومخاطرها، يحذر المختصون من أن الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية قد يضعف المهارات التحليلية للأطفال، ويؤدي إلى العزلة والانطواء.
وفي الوقت الحالي لم يعد الإدمان مقتصرًا على المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية، بل ظهر نوع جديد من الإدمان لا يقل خطورة، وهو الإدمان الإلكتروني، الذي أصبح ظاهرة متزايدة بين الأطفال، الذين يقضون ساعات متواصلة بمشاهدة مقاطع الفيديو وتنزيل الالعاب الالكترونية، مما يشكل تهديدًا حقيقيًا على صحتهم النفسية والجسدية ومستواهم التعليمي.
ويشكو الأهالي من إدمان أطفالهم على الهواتف الذكية، حيث أصبحوا يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات، متجاهلين دراستهم وواجباتهم المدرسية.
ويعاني الكثير من الآباء والأمهات من تكاسل أبنائهم وعزوفهم عن اللعب مع أقرانهم أو المشاركة في الأنشطة الاجتماعية، مفضلين العزلة مع أجهزتهم.
وتصف الباحثة الاجتماعية أستبرق احمد البياتي، الظاهرة بأنها “إحدى أخطر التحديات التي تواجه الأجيال الجديدة”، مشيرةً إلى أن “الإدمان على الإنترنت يترك آثارًا سلبية عميقة على الدماغ والعقل، قد تصل إلى مستوى التأثيرات التي تسببها المواد المخدرةالتكنولوجيا وسيلة للتطور والتعلم، تحوّلت عند كثير من الأطفال إلى فخ رقمي يستهلك وقتهم ويؤثر على نموهم النفسي والعقلي.
وتضيف انه “وفقًا لدراسات حديثة، فإن الاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية يؤدي إلى تدهور خلايا الدماغ، ويؤثر سلبًا على الصحة النفسية، إذ يعزز مشاعر الاكتئاب، والانطواء، والوحدة لدى الأطفال”.
ولا تتوقف آثار الإدمان الإلكتروني عند الجانب النفسي فحسب، بل تمتد لتشمل تأثيرات فسيولوجية خطيرة، أبرزها مشكلات في الرؤية مثل ضعف البصر واحمرار العينين، إضافة إلى السمنة وآلام العمود الفقري الناتجة عن الجلوس المطول أمام الشاشات.
ثم أن التأثيرات تطال أيضًا العملية التعليمية، حيث يؤدي الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية إلى تراجع المستوى الدراسي للأطفال، نظرًا لانخفاض قدرتهم على التركيز والاستيعاب، مما يؤثر سلبًا على تحصيلهم العلمي.
وتحذر البياتي، من أن “قضاء أكثر من أربع إلى ست ساعات يوميًا أمام الأجهزة الإلكترونية يعد مؤشرًا واضحًا على الإدمان، ما يستوجب تدخلًا سريعًا من الأهل والمجتمع للحد من هذه الظاهرة”.
ورغم الفوائد العديدة لعالم التكنولوجيا، خصوصًا في مجالات البحث العلمي والتعليم، فإن البياتي ترى أن “الكثير من الأطفال يسيئون استخدام الإنترنت، حيث ينشغلون بمحتويات تافهة لا تساهم في تنمية قدراتهم العقلية، بل على العكس، قد تؤدي إلى تراجع مستوى الذكاء لديهم، وتضعف مهاراتهم التحليلية والتفكيرية. وإذا استمر هذا الإدمان لفترات طويلة، فقد يؤدي إلى خلل معرفي وعقلي يصعب علاجه مستقبلاً”.
وترى البياتي، أن “السبب الرئيس لانتشار الإدمان الإلكتروني بين الأطفال يعود إلى سلوكيات الوالدين، إذ أصبح الآباء أنفسهم يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات، ما يجعل الأطفال يتبعون نهجهم دون وعي”.
إلى جانب ذلك، تحذر البياتي من أن المحتوى الذي يتعرض له الأطفال على الإنترنت قد يؤثر سلبًا على القيم الأخلاقية لديهم، إذ تعرض بعض المواقع إعلانات ومحتويات غير لائقة تشجع على سلوكيات غير أخلاقية، مما يؤدي إلى تشويه المفاهيم التربوية السليمة التي يجب أن يتربى عليها الطفل.
بدوره، يرى الناشط في مجال التعليم ومؤسس “المدرسة الحرة”، علي حاكم، أن التكنولوجيا لم تعد مجرد أداة مساعدة، بل أصبحت جزءًا أساسيًا من العملية التعليمية، مؤكدًا أن دمج التكنولوجيا بالتعليم هو خطوة طبيعية في عصر الابتكار والتقدم.
ورغم الفوائد العديدة التي توفرها الأجهزة الذكية، يحذر حاكم من الاستخدام المفرط لها، خاصة بين الأطفال في مراحلهم المبكرة، إذ يمكن أن يؤثر ذلك سلبًا على نموهم العقلي واللغوي.
ويؤكد على ضرورة مراقبة استخدام الأطفال لهذه الأجهزة، مشيرًا إلى أن غياب التوجيه قد يؤدي إلى نتائج غير مرغوبة تؤثر على تطورهم المعرفي والاجتماعي.
سميرة عباس، التي تعمل في قطاع التربية، تحذر من أن الاستخدام المفرط للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، سواء كانت مملوكة للطفل أو لأفراد الأسرة، أدى إلى انخفاض المستوى العلمي والأخلاقي لدى العديد من الطلاب.
وتقول عباس أن “هذه الأجهزة لم تقتصر آثارها على الجانب الأكاديمي فقط، بل امتدت لتؤثر على شخصية الأطفال وسلوكياتهم، حيث أصبحوا أكثر انطوائية وعصبية وكآبة”.
وتشير إلى أن “الأطفال الذين يقضون فترات طويلة أمام الشاشات يفقدون القدرة على التفاعل مع الآخرين، كما يعانون من تراجع في مهارات التركيز والانتباه، مما ينعكس سلبًا على أدائهم الدراسي وصحتهم النفسية”.
ومن بين المشكلات الأخرى التي تطرقت إليها سميرة، انخفاض مستوى النشاط البدني لدى الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة في استخدام الأجهزة الإلكترونية، حيث تؤدي قلة الحركة إلى تراجع القدرات الذهنية والعلمية لديهم.
كما أشارت إلى أن “الاستخدام المستمر لهذه الأجهزة، خاصة خلال ساعات الليل، يتسبب في ضعف الذاكرة، قلة التركيز، واضطرابات الشهية، مما يزيد من تأثيراتها السلبية على صحة الأطفال”.
وترى عباس، أن “الحل لهذه المشكلة يجب أن يكون متعدد الجوانب، حيث يقع على الأسرة والمدرسة دور كبير في تنظيم استخدام الأطفال لهذه الأجهزة.
ولا يقتصر الأمر على الأسرة والمدرسة فقط، إذ تؤكد سميرة على “أهمية دور الإعلام في نشر الوعي حول المخاطر النفسية والصحية للاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية”.
كما تشدد على ضرورة تدخل الجهات الرسمية، مثل وزارة الداخلية، في تنظيم استخدام هذه الأجهزة من خلال حملات توعوية وبرامج تثقيفية، خاصة في ظل انتشار قنوات التواصل الاجتماعي التي قد تؤثر على أخلاقيات الأطفال وسلوكياتهم.
وتؤكد عباس أن “مواجهة هذه المشكلة تتطلب جهدًا تعاونيًا مشتركًا بين الأسرة، المدرسة، الإعلام، والدولة، لضمان تنظيم استخدام الأجهزة الإلكترونية في حياة الأطفال بشكل يحقق التوازن بين الاستفادة من التكنولوجيا ونموهم العقلي والنفسي بشكل صحي وسليم”.