الهدى – متابعات ..
في ظل التطور السريع للتكنولوجيا، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من العديد من مجالات الحياة، ومن أبرزها الكتابة الإبداعية.
وفي العراق، يشهد المثقفون جدلاً حادًا حول قدرة الآلات على منافسة الإنسان في خلق النصوص الأدبية.
وبفضل الذكاء الاصطناعي، فقد أصبحت النصوص والقصائد تولد بضغطة زر واحدة، فهل تستطيع الآلة أن تعبر عن مشاعر لا تملكها وأن تخلق عالماً تقدر بواسطته أن تتأثر وتتفاعل مع المشاكل والأزمات؟، وهل ستتطور الآلة لتعبر عن أزماتها وتجسدها في نص إبداعي؟.
وهذه التساؤلات اصبحت الشغل الشاغل للكثير من المثقفين العراقيين، كما هو حال الكثير من المثقفين حول العالم.
ويقول الشاعر والأكاديمي، سراج محمد، أننا قد نكون وصلنا إلى مرحلة “نهاية الأدب”، حيث يمكن للآلة أن تتفوق على تجارب الشعراء البشريين في إنتاج النصوص، متوقعاً أن نشهد ذلك خلال العشرين سنة المقبلة.
ويضيف محمد، إن “الذكاء الاصطناعي الحالي لا يستطيع تقديم أدب يضاهي النسخة البشرية، لكنه في تطور مستمر”، معرباً عن خشيته من أن “فئة أخرى من الآلات ستنهي رحلة الأدب، وتجعل من الأديب رقماً ثانوياً”.
وبالوقت نفسه، يعتقد الشاعر العراقي، وائل السلطان أن “حدود الذكاء الاصطناعي في الكتابة الإبداعية، هي حدود الآلة التي تقتفي خطوات سابقة لتصنع خطوات شبيهة بها، أي أن المحرك الأول لهذه النصوص هي نصوص مكتوبة أصلًا”، معتقداً أن “الإبداع العاطفة والوعي الذاتي هي سمات بشرية غير قابلة للتقليد أو الصنعة”.
ومع أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مساعداً في أمور تتعلق بالتدقيق اللغوي والحصول على بيانات لغوية بسرعة وجودة، فضلاً عن “المساهمة في النشر بطريقة أو بأخرى، خاصة أنه يدعم حتى اللهجات المحلية”، حسب السلطان الذي استدرك بالقول: “لكن لا يمكن الاعتماد عليه كمصدر بديل لخلق نصوص إبداعية، لأنه يخلو من العواطف البشرية والأفكار والفلسفات”.
وفي الآونة الأخيرة، اعتمد كتاب جدد على الذكاء الاصطناعي في عملية الكتابة، حيث اعترفت الروائية اليابانية، ري كودان، باستخدام الذكاء الاصطناعي لكتابة روايتها وقد حصدت الرواية التي حملت عنوان “برج التعاطي في طوكيو” على جائزة “اكواتاجوا”، فيما قالت كودان إنها “استخدمت تشات جي بي تي بنسبة 5%”.
ويعبر الشاعر والأكاديمي إسماعيل الحسيني، عن قلقه إزاء انتشار ظاهرة كتابة الشعر عبر الذكاء الاصطناعي، مؤكداً أن “هذه القصائد تخلو من ماء الشعر ورونقه”.
وفي حديث له، يقول الحسيني إن “اللغة العربية أكثر لغات العالم تعاطياً للشعر، وأن أهم مواردها بقي بعيداً عن موارد هذه النماذج، ومن أعراف حدود الشعر هو الاستعمال الخاص للغة، وهذا يتنافر مع اللغة التي ابتكرت فيها هذه النماذج”.
وعن الحديث عن الأخلاقيات المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الكتابة، يرى الشاعر والأكاديمي سراج محمد أن المستوى الحالي للذكاء الاصطناعي في الأدب “مكشوف ومعروف ”عبر مظاهره الفنية المتدنية، لكنه يحذر من “الجنبة الأخلاقية” المتمثلة في استغلال الأدباء للذكاء الاصطناعي لاختصار العمليات الإبداعية الأساسية مثل الخيال والأفكار واللغة وطرائق القول والتركيب”.
ويصف محمد هذا الاستغلال بـ “اللصوصية الإبداعية”، حيث ينتج الأديب “المهجن” نصاً “هجيناً” بالتدخل في المظاهر الفنية واستخدام الآلة في “تحضير الكعكة الجمالية”.
ويلفت محمد إلى أن هذه “اللصوصية الإبداعية” أصبحت رائجة في الفضاء الإلكتروني، حيث نشهد أعمالاً سردية وشعرية كتبت بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي، بل وحصل أصحابها على جوائز وتقدير.
ويفرق محمد بين فئتين من المستغلين للذكاء الاصطناعي “فئة تعترف باستخدامها للآلة، وفئة أخرى مواربة تظل محكومة بالجنبة الأخلاقية والنزاهة الجمالية”.
وفي تعليق نقدي من الشاعرة والناقدة، هناء أحمد، قالت إنها “كثيراً ما تصادف مثل هذا النص، موضحة أن “هذا النوع من النصوص لأشخاص يظنون أنهم يكتبون شعراً”.
ووصفت أحمد النص بأنه “أشبه بتمرين في ورشة كتابة إبداعية للمبتدئين” و”ترجمة ركيكة لنص شعري بلغة أخرى”، مؤكدة أن “النص يفتقر إلى الطاقة الفنية والإبداعية، ويعتمد على “السرد المجاني” و”التوزيع البصري للسطور “لإيهام المتلقي بأن ما يقرأه شعراً”.
ويرى مختصون أن الذكاء الاصطناعي، سيحل محل الكثير من الوظائف ومنها التحرير والكتابة، إذ يعتقد الشاعر سراج محمد أن الذكاء الاصطناعي، رغم قدراته الهائلة في معالجة البيانات، سيواجه صعوبة في مجال الأدب، لأن “الأدب يتجاوز مجرد جمع البيانات وتحليلها”.
ومع ذلك، يحذر محمد من أن “مطوري الآلة يسعون لجعلها قادرة على توليد الأفكار والخيال وفهم اللغة التعبيرية، ولن ينقصها وقتئذ سوى التجربة التي هي عماد الأديب وعصاه التي يهش بها”، مؤكداً أن “حلول الذكاء الاصطناعي محل الأديب البشري مسألة وقت”.