ثقافة رسالية

الرسالي وقرار العبادة

الوقت يمر سريعا، كأنما هو الذي يلاحقنا، نجتهد لاقتناص السويعات علماً وعبادة و عملا.

لكن الوقت يمرُّ، والفرص لا نكاد نقتنصها إلا كهواء في شبكة صياد!

هكذا سيكون حالنا ليس في شهر شعبان فحسب بل في شهر رمضان أيضا.

إنه الاستعداد؛ إنه قرار المبادرة ببرمجة العبادة و العمل الصالح في برنامج يومي صارم، إذ أنه كلما اقتربت أيامنا من نهاية شهر شعبان المبارك، تزداد الحاجة إلى الوقوف بتأمل أمام هذه الأيام الزاخرة بالخيرات، لنسارع إلى اقتناص هذه الفرصة الذهبية و نقطف من ثمارها بما يمكننا من التقرب إلى الله عز و جل.

إن شهر شعبان ليس مجرد محطة عابرة في التقويم الإسلامي، بل هو واحة من البركة حيث تتنزل شآبيب الرحمة التي ينبغي أن نستغلها بكل حرص و جدية.

شعبان، بلى؛ إنه شهر رسول الله، حيث قال، صلى الله عليه و آله وسلم، في فضله: “شعبان شهري من صامَ يوماً من شهري وجبت له الجنّة”. (بحار الانوار،ج: 104).

فلا ينبغي أن ينصرم شهر شعبان ونحن في لهو ولعب واستخفاف بالوقت، بل يجب أن نسارع لاغتنام فرصة ازدهار الخيرات لنقطف من ثمارها ونجمعها في سلال العمل الصالح.

عن الإمام الصادق، عليه السلام، أنه قال: “صيام شعبان ذخر للعبد يوم القيامة، وما من عبد يكثر الصيام في شعبان إلا أصلح الله له أمر معيشته وكفاه شر عدوه، وإن أدنى ما يكون لمن يصوم يوما من شعبان أن تجب له الجنة”. (إقبال الاعمال، ج: 3).

بهكذا قرارات، وهكذا مبادرات، نصيغ شخصيتنا الرسالية التي تعتمد على:

  1. البصيرة والجدية في العبادة وأركانها؛ الإيمان بالله، والعمل الصالح، وتطبيق توجيهات الوحي التي جاءت عن طريق آيات القرآن الكريم، والرسول الأعظم محمد، صلى الله عليه وآله، والعترة الطاهرة، عليهم السلام.
  2. الإقبال على ما يعنيك

روي عن الإمام الرضا عليه السلام: “إن شعبان قد مضى أكثره فتدارك فيما بقي منه تقصيرك فيما مضى منه، وعليك بالإقبال على ما يعنيك، وترك ما لا يعنيك، و أكثر من الدعاء و الاستغفار و تلاوة القرآن، و تب إلى الله من ذنوبك، ليقبل شهر الله إليك و أنت مخلص لله عز وجل، ولا تدعن أمانة في عنقك إلا أديتها، و لا في قلبك حقداً على مؤمن إلا نزعته، و لا ذنباً أنت مرتكبه إلا قلعت عنه، و اتق الله و توكل عليه في سر امرك و علانيتك، {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}، وأكثر من أن تقول فيما بقي من هذا الشهر: اللهم إن لم تكن قد غفرت لنا في ما مضى من شعبان فاغفر لنا فيما بقي منه، فإن الله تبارك وتعالى يعتق في هذا الشهر رقاباً من النار لحرمة شهر رمضان”. (عيون الأخبار: ج1/ ص56).

يا لها من نصيحة سماوية جاءت على لسان الوحي: “إن شهر شعبان قد مضى أكثره فتدارك فيما بقي منه تقصيرك فيما مضى منه، وعليك بالإقبال على ما يعنيك، وترك ما لا يعنيك”.

 هذه النصيحة النفيسة من الإمام الرضا، عليه السلام، تحثنا على استغلال الوقت المتبقي من شهر شعبان في الأعمال الصالحة، والابتعاد عن كل ما لا ينفعنا في دنيانا و آخرتنا.

  • الدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن

و يواصل الامام الرضا، عليه السلام برمجتنا بقوله: “أكثر من الدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن، إنها وسيلة لتعزيز علاقتنا بالله، و للتوبة من ذنوبنا، ليُقبل شهر الله إلينا و نحن مخلصون له -عز وجل-“.

علينا أن نتعامل بصدق مع أنفسنا ومع الآخرين، وألا نترك في قلوبنا مجالاً للكراهية أو الغل، وذلك بالمبادرة بإصلاح ما فسد من علاقات مع اهلنا وجيراننا و كل من له علاقة قربى او محبة

إن هذه الأفعال تُعد كالعطر الذي يفوح في أيام شعبان ويطهر قلوبنا ويزكي نفوسنا، مما يؤهلنا لاستقبال شهر رمضان المبارك بنفوس نقية وعزيمة قوية.

  • أداء الأمانة ونزع الحقد

“و لا تدعن أمانةً في عنقك إلا أديتها، ولا في قلبك حقداً على مؤمن إلا نزعته، ولا ذنباً أنت مرتكبه إلا أقلعت عنه”.

إن هذه الخطوات ليست مجرد توصيات، بل هي أساسيات لتهذيب النفس و تنقيتها من كل شوائب الحقد والذنب.

علينا أن نتعامل بصدق مع أنفسنا و مع الآخرين، و ألا نترك في قلوبنا مجالاً للكراهية أو الغل، و ذلك بالمبادرة بإصلاح ما فسد من علاقات مع اهلنا و جيراننا و كل من له علاقة قربى او محبة.

لنكن نحن المبادرين في مد جسور العلاقات الرحمانية لتتنزل علينا شآبيب رحمة الله المتمثلة برضا الله و توثيق عهدنا مع امامنا صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف.

  • الاتكال على الله

“واتق الله وتوكل عليه في سر أمرك وعلانيتك، {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}”.

 إن الاتكال على الله هو السبيل إلى السكينة والطمأنينة، وهو الذي يمنحنا القوة والثقة لمواجهة تحديات الحياة، اذ اننا في خضم الصراع نواجه اعداءً داخليين كالنفس الشهوانية، واعداءً خارجيين كالأبالسة والشياطين، فالشخصية الرخوة والتي تميل للكسل و كل همها النوم و الاكل و الولع بأزياء الدنيا و زخارف المنتجات و المعروضات، تنهار عند اول موقف و لا تستطيع الثبات امام موجات عواصف العدو العاتية.

  • الدعاء المستمر

“و أكثر من أن تقول فيما بقي من هذا الشهر: اللهم إن لم تكن قد غفرت لنا فيما مضى من شعبان فاغفر لنا فيما بقي منه”، فإن الله تبارك و تعالى يعتق في هذا الشهر رقاباً من النار لحرمة شهر رمضان.

إن الدعاء المستمر هو طريقنا إلى الله، وهو الذي يمنحنا فرصة للتوبة والمغفرة.

وفي الختام؛ يجب أن نتذكر دائماً أن كل لحظة في شهر شعبان هي فرصة للاقتراب من الله، ولتعزيز علاقتنا به، ولنقطف من ثمار الخيرات ما يرضي الله ويجعلنا من عباده الصالحين و إمائه الصالحات.

فلنسارع إلى استغلال هذه الأيام المتبقية بكل جدية و إخلاص، و لنجعلها أياماً مليئة بالعبادة والتوبة والاستغفار، سائلين الله عز وجل أن يجعلنا من المغفور لهم، و أن يعيننا على استقبال شهر رمضان بقلوب نقية ونفوس مطمئنة، مستذكرين دائماً و ابداً أن كل هذه البرامج العبادية انما قررها رب السماوات و الارض ليعد جيشاً من الرساليين و الرساليات ليكونوا صفاً واحداً استعداداً ليوم الظهور المقدس و للملحمة المهدوية الكبرى، و يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، و تشرق الارض بنور ربها و يرتل المؤمنون آيات الحمدلله رب العالمين.

عن المؤلف

الشيخ حبيب الجمري / عالم دِين من البحرين

اترك تعليقا