قد يقول قائل عن موضوعنا هذا الذي يتعلق بالأجواء الإيمانية، إن الإيمان ينبع من ذات الإنسان ومن أعماقه، وربما لا يحتاج إلى أجواء خاصة تحفّزه على قضية الإيمان، وهناك من يقول بأن هذا الرأي يحتمل الصواب ونقيضه، فمثلا يحتاج الشاب إلى الأجواء الإيمانية ليكون أكثر استعدادا للتفاعل والتقارب مع هذه الأجواء.
وفي نفس الوقت هناك شباب (وأناس من أعمار أخرى)، ليسوا بحاجة إلى الأجواء الإيمانية لكي يؤمنوا، وإنما قضية الإيمان راسخة في عقولهم وأعماقهم، وهؤلاء مؤمنون بالفطرة، لذلك لا يفكرون بقضية صناعة الأجواء الإيمانية، لأنهم في الحقيقة تربوا أصلا في بيئة اجتماعية أسرية مؤمنة، فترسّخت في أعماقهم ركائز الإيمان منذ الطفولة.
أما الاشخاص الذين ترعرعوا في بيئات أسرية واجتماعية يشوبها الضعف في مسألة التربية الدينية والإيمانية، فهؤلاء حتما بحاجة ماسّة إلى التداخل العميق والحقيقي في الأجواء الإيمانية، حتى يتكون لديهم تحفيز قوي وكبير لتنمية جذور الإيمان في تربة أنفسهم وقلوبهم، بل في كثير من الحالات حتى الشاب المتربي في بيئة عبادية تجده يحتاج مثل هذه الأجواء، مثل زيارة المراقد المقدسة، وحضور صلاة الجماعة، وتلاوة الأدعية وغيرها.
لذلك فإن الاشهر المعروفة التي يترقبها الشباب وعامة الناس عادة بشكل سنوي محدد الموعد والتوقيت، مثل رجب الأصبّ وشعبان شهر الولادات المباركة لأئمة أهل البيت عليهم السلام، وكذلك شهر رمضان المبارك، وشهر محرم وزيارة الأربعين الحسيني والزيارات الأخرى، هذه العناوين والأمكنة هناك توأمة بينها وبين الأجواء العبادية، ولهذا فإن مسألة الترقب الذي يقوم به الشباب بشكل سنوي أمر متوقّع منهم.
وهذا يعني أننا يمكن أن نوزّع شبابنا على ثلاث فروع أو مسميات تبعا لقضية الأجواء الإيمانية:
أولا: الشباب المتربي في بيئة دينية
هذا النوع من الشباب يقوم باستثمار الأجواء الإيمانية بشكل طبيعي، فهو لا يحتاج إلى أن يحثه أحد على هذا الفعل، بل هو يجد نفسه منساق بشكل فطري أو آلي أو (تعويدي) إلى التفاعل والتناغم والانسجام مع هذه الأجواء، كونه يميل إليها قلبيا ونفسيا ويحبها، لذلك هو لا يحتاج إلى أي محفّز خارجي لكي يتفاعل مع الأجواء الإيمانية وينشط فيها، ولهذا تجده شاب مسلّح بالإيمان القوي وسلوكه يتجلى فيه نوع من التديّن الحقيقي.
ثانيا: الشباب المتربي بيئة غير دينية
هذا النوع من الشباب في الحقيقة يعاني من صعوبات كي ينسجم ويتقرب ويتفاعل مع الأجواء الدينية، لأنه منذ نعومة أظفاره لم يتلقَّ التربية الإيمانية في البيئة الأسرية، ولم يجدها حتى في البيئة الاجتماعية، ومن المؤسف حقا أنه لم يدخل المساجد والحسينيات، ولم يستمع كثيراً لتلاوة القرآن الكريم، ولم يقم بها ولم يتدرب عليها، كما أن أصدقاءه وأقرانه يتشابهون معه في صفات عدم التحفيز على استثمار الأجواء الإيمانية.
لابد أن يفكر كل شاب بأن هذه الاشهر مكانتها عظيمة عند الله تعالى، وأن الأجواء التي تتوفر فيها عبارة عن فرص نادرة لكي يبني الشاب نفسه بناءً ايمانيا
هذا النوع من الشاب نحتاج إلى نحفزهم كثيرا، وندفع بهم نحو التربية الدينية في مراكز ومعاهد خيرية تقوم بهذه المهمة، فمثلا أتذكر عندما كنت في المرحلة الابتدائية هناك معهد لتعليم القرآن للأطفال في العطلة الصيفية، فدخلت أنا وعشرات الطلبة الصغار، وأخذنا دروسا عبادية ملهمة ونحن في عمر صغير، واليوم نحتاج كثيرا إلى مثل هذه التجارب على أن يتم إدارتها بشكل جاد ومتواصل ومنظّم.
ثالثا: الشباب الذي يقع في الحالتين أعلاه
النوع الثالث من الشباب يقع بين الحالتين، فهو مرة تراه مؤمنا متحفزا ومواكبا ومرافقا لأقران متدينين، ومرة تجده بعيد عن هذه الأجواء، ومنشغل في سواها مثل اللهو واللعب وقتل الوقت بطريقة عبثية، لهذا فإن هذا النوع من الشباب هم بحاجة مرة أخرى إلى البيئة الاجتماعية المتدينة، وكذلك على الاسرة أن تقوم بدورها في هذه الناحية.
بالطبع هؤلاء تتوفر لهم فرصا رائعة في أيام عاشوراء وتقديم الخدمات للزوار، والذوبان في أجواء زيارة الأربعين، والتوغل العميق في الأجواء الإيمانية، فنرى أن هؤلاء الشباب رغم عدم تدينهم إلا أنهم يقومون بإخلاص بمثل ما يقوم به الشباب المتدينون من تقديم خدمات طوعية للزائرين ومن تفاعل وتناغم مع الشباب المؤمنين.
الخلاصة؛ لابد أن يفكر كل شاب بأن هذه الاشهر مكانتها عظيمة عند الله تعالى، وأن الأجواء التي تتوفر فيها عبارة عن فرص نادرة لكي يبني الشاب نفسه ويرتقي بها إلى مصاف المؤمنين المتدينين بشكل حقيقي ينعكس في أقوالهم وأعمالهم، ويُسهمون في بناء المجتمع الشبابي السائر في طريق ائمة أهل البيت، عليهم أفضل الصلاة والسلام.