“وحشي”، انه الاسم المشهور عن قاتل سيدنا حمزة بن عبد المطلب في معركة أحد، انتصب واقفاً أمام رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، بعد فتح مكّة –فيمن وقف من المشركين من أهل مكة-، فعرفه أنه قاتل عمّه، وناصره في دعوته الى الله –تعالى- وقد ترك مقتله أثراً عميقاً في نفسه؛ وبدل أن يقتصّ منه، عفى عنه، ولكن! اشترط عليه أن لا يبقى في المدينة وتكون هذه المرة الاخيرة التي يراه فيها.
هذا من وحشي في صدر الإسلام، أما اليوم فان الشعب العراقي على موعد لرؤية شخص كان يحمل اسم “ابومحمد الجولاني” وقد انضم الى جماعات تكفيرية وارهابية في بدايات سقوط الطاغية، وقام بأعمال إجرامية بحق أبناء هذا الشعب، وقد غيّر جلده وعنوانه ليحمل اسم “أحمد الشرع” بصفة رئيس الحكومة المؤقتة في سوريا، وسيكون مدعواً لاجتماع قمة الجامعة العربية في شهر آيار القادم في بغداد.
ماذا نفهم من قيمة العفو التي جسّدها لنا رسول الله بأروع صورة وضمّها الى منظومتنا الأخلاقية- الحضارية؟
ثم ماذا فهم ذلك الرجل القاتل (وحشي)، وايضاً؛ “هبّار” الذي تسبب في ترويع إحدى بنات النبي بالتبني وتسبب بإسقاط جنينها وموته، وأشباههم من القتلة، وحتى بعض الشعراء المشاركين في الحرب النفسية والإعلامية بالهجاء والسخرية، بل وجميع المشركين بمن فيهم ابوسفيان؟ هل إن عفو النبي عنهم جميعاً يعني تبييض صفحتهم وجعلهم في عداد المؤمنين الرساليين من أمثال عمار، وأبوذر؟
العفو عن القاتل في اللحظات الأخيرة قبل الاقتصاص منه، أمرٌ وارد ومُحبب في الإسلام، بيد أن جريمة القتل لن تُمحى من سجله الى يوم القيامة، فهو يحمل هذه الوصمة طوال حياته وبعد مماته، وربما من فلسفة العفو لهذا النوع من الجريمة، ان يبقى القاتل، مع إعلان توبته وتغيير سلوكه، عبرة لأفراد المجتمع بأن عاقبة القتل وإراقة الدم الحرام؛ الذلّ والمهانة الاجتماعية، له ولعمله، وليس العكس؛ بان يتم تكريمه وإعادة تأهيله في المجتمع، فهذا مناقض للعقل والحكمة.
هذا ما يجب عن يفهمه ساسة العراق ممن ارجو ان يرتقوا الى مستوى المسؤولية عن شعب طالما جسد قيمة العفو والتسامح طوال أربعين عاماً بسبب سياسات القمع والتنكيل الصدامي حفاظاً على السلم الأهلي، والحؤول دون تمزق المجتمع العراقي الى طوائف متناحرة همها الانتقام والموت والدمار، فبعد سقوط صنم بغداد وتشرذم أعوانه في مختلف القرى والمدن، لم يفكر ضحاياه بالانتقام ممن تسبب في موت أبيه او شقيقه او شقيقته او أفراد عائلته في غرف التعذيب، وساحات الإعدام، والمقابر الجماعية، واكتفى بوصمة العار على جبين كل من خط عبارة في تقرير حزبي أودى بحياة بريء، فلا يوجد شخص في العراق اليوم يدّعي الفخر لنفسه بتسببه في موت مواطن من أهل بلده، حتى أولئك المشاركين في النكبة الجديدة على الشعب العراقي، من أعضاء الجماعات الإرهابية التكفيرية، وهم من أبناء العشائر العراقية، فانهم يسعون لإخفاء شخصيتهم، و عدم الظهور على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الاعلام. نعم؛ نسمع بمن يحاول التقرّب الى ذوي الشهداء بمعلوماته الحصرية عن هذا المجرم او ذاك، وأماكن المقابر الجماعية.
مشكلتنا ليست شخصية بقدر ما هي “مفاهيمية”، لا أدري مدى قدرة الساسة المنهمكين دهاليز العلاقات والتحالفات والمساومات والامتيازات، من إدراك، او تفهّم مشاعر الشعب العراقي وأبناء الشهداء الذين أريقت دمائهم ظلماً وعدواناً في الشوارع والأسواق، لا لذنب ارتكبوه سوى إرادتهم العيش بحرية وكرامة من دون نظام صدام المحبوب من أبو محمد الجولاني إرهابياً، وأحمد الشرع رئيساً.
على الأقل يتوجب على المعنيين بالأمر التلويح الى القيادة السورية الجديدة بعدم مشاركة شخص هذا الإرهابي في القمة المرتقبة، وأن يمثل سوريا شخصاً آخر مكانه، احتراماً لكل تلكم الدماء الزكية المسفوحة على أرض العراق، وتسجيل موقف سياسي مشرّف أمام الدول العربية وامام العالم للقول بصوت عالٍ: أن الشعب العراقي عظيم في قيمه وتاريخه وهويته، يتسامى على الجراح، لكن لا يساوم أبداً على قاتل أبنائه ثم يمدّ له يد المصافحة كأن شيئاً لم يكن.