الهدى – متابعات ..
رغم صدور توجيه من مجلس القضاء الأعلى بالتعامل مع المسعفين بطريقة تضمن لهم الحماية من المساءلة القانونية، إلا أن أغلب المواطنين ما زالوا يترددون في التدخل لإنقاذ ضحايا حوادث السير.
ويعزى هذا التردد إلى المخاوف المستمرة من التعرض للتحقيقات الأمنية أو الملاحقة العشائرية التي قد تلحق بهم بسبب أي اشتباه في تورطهم بالحادث.
ويستذكر المواطن كرار رياض، حادثة شهدها قبل أيام في أحد شوارع بغداد، حيث كان يسير في وقت متأخر من الليل، ليصادف حادث سير يتضمن شخصًا مصابًا.
وعلى الرغم من شعوره القوي برغبة في المساعدة، إلا أن خوفه من التورط في الحادث أو الوقوع في مشكلات مع عشيرة المصاب أو الشرطة جعله يتردد في التدخل.
ويقول رياض: “كان الخوف أكبر من رغبتي في المساعدة، هذا الشعور بالعجز مؤلم، لكنه واقع يعيشه الكثيرون هنا بسبب العادات والتقاليد السائدة.”
وفي إطار هذه التجربة، يطالب رياض الحكومة بضرورة تشريع قوانين واضحة لحماية المسعفين من الملاحقة القانونية والعشائرية أثناء تقديمهم المساعدة، مشددًا على ضرورة محاسبة العشائر التي تتهم المسعفين دون وجود دلائل أو أسباب منطقية.
ويؤكد رياض أهمية نشر الوعي المجتمعي وتثقيف الناس عبر وسائل الإعلام والمدارس والجامعات حول كيفية تقديم المساعدة بشكل آمن، ما سيسهم في تشجيع المواطنين على اتخاذ الخطوة الصحيحة لإنقاذ الأرواح دون الخوف من العواقب.
وكان مجلس القضاء الأعلى قد أصدر في حزيران العام 2021 قراراً ألزم بموجبه المحاكم كافة بـ”التعامل مع المسعف بطريقة تجنبه المساءلة القانونية أو الاتهام بارتكابه الحادث حفاظاً على أرواح المصابين، وتشجيعاً للمسعفين”.
ويشير طبيب الطوارئ، الدكتور جعفر الهلالي، في أحد المستشفيات الحكومية، إلى أن معظم الحالات التي تصل إلى المستشفى؛ نتيجة حوادث السير تكون عبارة عن كسور أو جروح، وكدمات، حيث يفقد المصابون كميات كبيرة من الدم، ما يفاقم حالتهم الصحية.
ويؤدي تأخير الإسعاف إلى أن يفقد المصاب الكثير من الدم أو يتعرض لتدهور سريع في حالته الصحية، وفي بعض الحالات، يلقى المصابون حتفهم قبل أن يتمكن الأطباء من تقديم العلاج اللازم.
وفي ضوء هذه الأزمة، يدعو الطبيب الهلالي إلى اتخاذ إجراءات فعالة للحد من الظاهرة، أبرزها تعزيز الوعي العام بأهمية الإسعافات الأولية، والتشجيع على التدخل السريع لإنقاذ المصابين.
كما يطالب بسن قوانين تحمي المسعفين من المساءلة القانونية عندما يقدمون المساعدة في مثل هذه الحالات، إضافة إلى تركيب كاميرات مراقبة في الشوارع؛ لتوثيق الحوادث وضمان عدم تعرض المسعفين لأي اتهامات أو ملاحقات غير مبررة.
ويوضح الممرض محمد قاسم، أن أحد الأسباب الرئيسة التي تؤدي إلى تأخير نقل المصابين في حوادث السير هو الخوف من المساءلة القانونية والفصل العشائري.
ويشير إلى أن هذه الظاهرة ازدادت بشكل مقلق في الآونة الأخيرة، حيث يتردد الكثير من المواطنين حتى في الاتصال بالإسعاف أو طلب المساعدة من الأشخاص القريبين؛ خوفاً من أن يتم إدراجهم ضمن التحقيقات في ملابسات الحادثة أو التورط في القضية بشكل عام. هذه المخاوف تجعل الكثيرين يتجنبون التدخل في الوقت الذي يكون فيه المصاب بحاجة ماسة إلى الإسعاف الفوري.
وترى الباحثة ريا القحطاني، أن الضبط الاجتماعي الذي تفرضه العشائر العراقية قد يكون له دور كبير في العديد من القضايا المجتمعية، لكنه في الوقت ذاته يمثل عائقًا أمام مساعدة الآخرين في حالات الطوارئ، مثل حوادث السير.
وتضيف القحطاني، بأن العديد من الناس أصبحوا يخشون من تقديم المساعدة؛ خوفًا من التعرض للفصل العشائري أو تورطهم في مشكلات قد تتبع الحادث، بدلاً من تقدير موقفهم الإنساني والجيد. وهو ما يجعل الكثيرين يترددون في تقديم المساعدة رغم ضرورة التدخل السريع لإنقاذ الأرواح.
ويؤكد الشيخ وميض سلمان المحمداوي، أن الجدل القائم حول عزوف بعض المواطنين عن إسعاف المصابين في الحوادث بسبب الخوف من الفصل العشائري أو الملاحقة الأمنية هو تصور غير دقيق.
حيث يوضح أن الأعراف العشائرية تشدد على أن التدخل لإنقاذ حياة إنسان يعد موقفًا مشرفًا، ويجب أن يُعتبر من قبل العشيرة مسؤولية أخلاقية، تستحق الدعم والتقدير، لا العقاب أو الملاحقة.
ويضيف المحمداوي أن العشيرة عليها أن تقف بجانب الشخص الذي يهرع لإنقاذ المصاب وتحميه من أي تبعات قد يتعرض لها، وأن دورها لا يقتصر فقط على دعم المنقذ، بل يمتد إلى تحمّل المسؤولية أمام العشائر الأخرى، وذلك لتعزيز ثقافة الإيثار والتكافل التي يجب أن تسود في المجتمع.
وشدد المحمداوي على ضرورة وجود تشريعات رسمية أو تفاهمات عشائرية تحمي أولئك الذين يقدمون المساعدة للمصابين، مشيرًا إلى أن هذه الإجراءات سيكون لها تأثير كبير في تشجيع المبادرات الإنسانية بدون خوف من العواقب. وأكد أن تقديم المساعدة للمصابين هو واجب شرعي وإنساني لا ينبغي التردد فيه، فالتدخل السريع لإنقاذ حياة شخص يجب أن يُشجع ويُحترم من قبل جميع أطياف المجتمع.
وأوضح الخبير القانوني جمال الأسدي أن القانون العراقي لا يحتوي على نص قانوني صريح يسمح باحتجاز المسعف لمجرد قيامه بنقل المصاب إلى المستشفى.
بل على العكس، تشير القوانين العراقية إلى أن تقديم المساعدة الطبية العاجلة وإنقاذ الأرواح هو أمر مشجع.
ومع ذلك، قد تحتجز الشرطة المسعف في حالات معينة، مثل إذا كان الحادث جنائيًا أو مشبوهًا، حيث يحتاج المحققون إلى استجواب المسعف كشاهد للتأكد من عدم تورطه في الحادث.
بدوره وأوضح النائب رائد المالكي، عضو اللجنة القانونية البرلمانية، أن قانون حماية المسعف لم يصل بعد إلى مجلس النواب للمناقشة، لكن عندما يصل، سيحظى باهتمام كبير من قبل الأعضاء.
وأكد المالكي أن القانون سيُعرض للتصويت أو القراءة الأولى قريبًا، ولا توجد اعتراضات دستورية أو قانونية عليه. بالعكس، هناك دعم نيابي أكبر لمعالجة القضايا المتعلقة بتوفير الحماية القانونية للمسعفين، وهي خطوة ضرورية في ضمان ممارسة العمل الإنساني بأمان ودون مخاوف.