فکر و تنمیة

الرقابة الاسرية في العصر الرقمي.. تحدي ومسؤولية

تغلغل العالم الرقمي الى حياتنا الانسانية بشكل مذهل، وحيال هذا لم يعد الانسان قادراً على الانعزال عنه، او حتى التفكير بالعيش دونه، فصار بمنزلة الموجه لوعينا، ومن ثمّ للكثير من سلوكياتنا في الحياة، مما عرّض غالبية الأسر الى الاختبار الحقيقي للسيطرة على الابناء ومتابعة سلوكياتهم.
فالرقمنة دخلت حياتنا كفاعل رئيس يفوق ربما فاعلية التربية الاسرية وهو ما أحدث الكثير من المشكلات السلوكية والنفسية للانسان بصورة عامة؛ وللابناء بصورة أخص، فكيف يمارس الوالدين الرقابة الأسرية في العصر الرقمي؟
الانزواء في غرفة بمفرده وبيده أحد الاجهزة اللوحية لساعات طويلة، والاهل موافقين على ذلك بحجة انه يراجع دروسه على اليوتيوب، او انه يتابع سير ما يخص دراسته في المجموعات الالكترونية التي أنشئت لهذا الغرض، وتمضي الايام والشهور والسنون حتى يكتشف الاب او الام أن ابنهم أساء استخدام هذه الاجهزة بشكل من الاشكال، وحينها لات حين مندم.
هذه صورة واقعية للكثير من المشكلات التي تنتج من انعدام الرقابة الاسرية للابناء فيما يخص استخدام التكنولوجيا وما يتعلق بها.
الانتشار الرقمي السريع وغير المسبوق لمجتمعنا فرض ضغوط تربوية غير مسبوقة على الوالدين في ممارسة مسؤولياتهم الأسرية تجاه الأبناء، و أوجـب على الوالدين تطوير مهاراتهم الرقمية لاكتساب المهارة في متابعة الأبناء، والحيلولة دون انجرافهم لسلوكيات مشينة، من قبيل الإساءة من الآخرين في مواقع التواصل، او الدخول في متاهات لا يعرف كيف الخروج منها مما يعرضه للمسائلة القانونية، وهذا يحصل بنسب كبيرة للذكور في الكثير من الفئات العمرية.
اما الاناث فخطورة ترك الحبل لهن على الغارب فيما يخص الرقمنه يفسح المجال لإمكانية دخولهن في علاقات عاطفية مشبوهة وغير ناضجة مع اشخاص غير ملتزمين، وهو مايعرضهن للابتزاز الالكتروني عبر التهديد بنشر صور او فديوهات خاصة بهن، لاسيما ونحن في مجتمعات ترفض مثل هذه السلوكيات، مما يعرضهن و أهلهن للانتقاد من المجتمع، والعار يبقى يلازم من يرتكب مثل هذا الخطأ الذي لا يغتفر.
وليس هذه فحسب بل ان بعض المغفلات من الاناث يدخلن في تجمعات الكترونية لا قرانهن في المرحلة الدراسية، مثلاً من المتعاطيات للمخدرات او اللواتي يسلكن سلوكيات غير سليمة، مثل ارتياد المقاهي، وتعاطي الاركيلة والسكائر وغيرها من السلوكيات التي ترفضها قيمنا وتقالدينا وديننا، ومن ثمّ يكتسبن هذه السلوكيات وصولاً الى حد الادمان وتلك هي الكارثة.
ومن الاضرار الناتجة من غياب الرقابة الاسرية في العصر الرقمي هو انتشار ظاهرة التنمّر، وهي ظاهرة منتشرة عالميا، ولعل السبب الرئيس للتنمّر؛ قصور الرقابة الاسرية وعدم وجود رقابة ممن يُنشئ هذه المواقع ربما لاسباب مقصودة، الهدف منها هدم القيم السليمة و احلال أخرى بدلاً عنها اكثر مرونة تسهّل عمليات الاختراق القيمي، ومن ثمّ العبث بالسلوكيات المحترمة الاصيلة، وتشويهها لكي يسهل تسيير المجتمعات وفق رؤى هذه الجهات، والامر ليس عشوائياً بالمرة، بل يُخطط له وينفذ بدقة وخباثة عاليتين.
وكل هذه السلوكيات التي يكتسبها ويعمل بها الابناء لاسيما المراهقين منهم، يخلق داخل الأسر القلق والتوتر من مصير ابنائهم والخشية من فقدان السيطرة عليهم، ومن ثمّ عدم القدرة على تسيير سفينة الابناء كما يريد لها الإباء، وهو ما يجعل مهمة الآباء صعبة، ويجعلها ذات وجه استبدادي كما يراها الابناء لكنها ذات وجه علاجي كما يراها الآباء.

كيف تراقب الاسر ابنائها؟
بعدة سلوكيات يمكن للاهل مراقبة استخدام ابنائهم للرقمنة، من أهم هذه السلوكيات:
أولاً: من أجل إبعاد الابناء عن شبح الخطر الالكتروني، يجب زرع القيم الدينية والاخلاقية فيهم، فقبل تحذيرهم من العقاب الدنيوي، يجب تحذيرهم من العقاب الاخروي، علاوة على محاولة وضعهم امام صورتهم التي سيكونون عليها حين التعدّي والتجاوز امام العباد و أمام رب العباد، وهذا ما يشعرهم بالخجل من انفسهم والخشية من عقاب الله –تعالى- لهم.
ثانياً: من الاهمية بمكان حماية الابوين لابنائهم من الانجرار الى الرذائل عبر مراقبة هواتفهم واجهزتهم بكل صنوفها، فمن السهل ربط هاتف الابن بهاتف الاب او الام بذات الحساب وبالتالي يمكن للابوين رؤية كل تحركات الابناء في هذه الاجهزة وتنبيهمم عن دخول المواقع والمجموعات الخطرة، وبهذين الامرين يمكن مراقبة الابناء من خطر الرقمنة او التقليل من اخطائهم على اقل تقدير.

عن المؤلف

عزيز ملا هذال/ ماجستير علم النفس

اترك تعليقا