يعد مفهوم “القيام المهدوي” من أهم المفاهيم في الفكر الإسلامي، و قد أشار إليه القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة، حيث يبشر المسلمون بظهور الإمام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً و عدلاً كما مُلئت ظلماً و جوراً، الحديث القدسي الذي ورد عن رسول الله، صلى الله عليه وآله، ليلة المعراج يسلط الضوء على معالم تلك الحقبة من الزمن، حيث يخبرنا بتفاصيل دقيقة عن الفتن والظلم الذي سيعصف بالأمة قبل ظهور الإمام المهدي، عجل الله فرجه الشريف، الذي يعد أمل البشرية في تحقيق العدالة الشاملة.
في هذا البحث، سوف نتناول هذا الحديث الشريف ونحلله، مستعرضين أهم مفردات النص وآثاره على الفكر المهدوي.
البحث
الحديث القدسي عن قيام الإمام المهدي
الحديث الوارد عن رسول الله، صلى الله عليه وآله، ليلة المعراج، و الذي ينقل لنا وعد الله تعالى لرسوله بإرسال أحد عشر مهدياً من ذرية الامام علي عليه السلام، هو من الأحاديث التي تشكل محوراً أساسياً في الفكر المهدوي.
اذ وعد الله سبحانه وتعالى نبيه بتقويم الأرض، وتقديم الامام المهدي الذي سيكون سبباً في تحقيق العدل الإلهي بعد أن يعمّ الجور والظلم بسبب مؤامرات الاستكبار العالمي ومكائد عبّاد الشيطان.
الحديث يبدأ بتعريف الإمام المهدي عليه السلام، ويكشف عن خصائصه وأهمية ظهوره بعد فترة من الظلم و الاستبداد، بحسب الحديث، يظهر المهدي ليملأ الأرض قسطا و عدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
كما ذكر الحديث مفردات حياتية تلخص واقع الأمة الإسلامية في فترة ظهوره، وهو ما سوف نتناوله في النقاط التالية:
أولا: مفردات الفتن التي تسبق الظهور المهدوي
– رفع العلم وظهور الجهل
يشير الحديث إلى أن من أبرز الأسباب التي ستؤدي إلى ظهور الإمام المهدي هو “رفع العلم وظهور الجهل”. في هذا السياق، يشير الحديث إلى مرحلة تُفتقد فيها المعرفة الحقيقية وتنتشر الضلالات الفكرية، مما يؤدي إلى انحراف الناس عن الطريق المستقيم.
ـ كثرة القرّاء وقلّة العمل
ينبه الحديث إلى حالة من التناقض بين كثرة الناس الذين يقرأون القرآن (القرّاء) وقلة الذين يعملون بما يتعلمونه ويرددونه (العمل الصالح)، هذا التناقض يشير إلى حالة من الفساد الفكري، حيث يكثر القراء الذين ينشغلون بالكلمات و تلحينها دون أن يترجموا هذه الكلمات إلى سلوك عملي.
ـ ظهور الجور والفساد
الحديث يصف فترة زمنية تزداد فيها حالات الجور والفساد الاجتماعي والسياسي، بحيث تصبح المعاملات بين الناس مشوهة، وتفقد المجتمعات التوازن، فيعيش الناس في أحوال من الظلم والاضطهاد.
ـ الفتنة في الأمة الإسلامية
من أبرز علامات المرحلة قبل الظهور المهدوي أيضاً، تفشي الفتن الداخلية بين أفراد الأمة، حيث يتنافس فقهاء السوء، ويكثر الفقهاء الضالون الذين يضلون الناس عن الصراط المستقيم، وكذلك يُذكر في الحديث أن الأمراء سيصبحون كفرة، وأولياؤهم فجرة، وأعوانهم ظلمة، مما يخلق حالة من القلق والانقسام في الأمة الإسلامية بل تذهب بعيدا في ليل بهيم تنقلب فيه المفاهيم وتعم الفتنة.
ـ خسوفات وظهور الدجال والسفياني
أحد المؤشرات الكبرى التي تسبق الظهور المهدوي هو وقوع ثلاث خسوفات، واحدة في المشرق، وأخرى في المغرب، والثالثة في جزيرة العرب، وقد يرتبط ذلك بالكوارث الطبيعية التي ستحدث قبل الظهور، كما يشير الحديث إلى خروج شخصيات معادية مثل السفياني والدجال من المشرق، الذين سيمثلون تهديداً كبيراً للبشرية في تلك الفترة.
ثانيا: المهدي وحلول الفتن
في هذه الفترة، يظهر الإمام المهدي عجل الله فرجه ليحمل في يده راية العدل والسلام، ويرسخ قيم الحق في الأمة، وسيكون ظهوره بمثابة الأمل للبشرية في إزالة الظلم و عودة الشريعة الإسلامية إلى واقع الحياة اليومية.
ويُؤمل في الإمام المهدي أن يحقق مبدأ العدالة الشاملة التي تسود في الأرض بعد فترة من الفوضى والفساد.
ثالثا: الوظيفة الإيمانية في الإعداد لظهور المهدي
من أبرز علامات المرحلة قبل الظهور المهدوي أيضاً، تفشي الفتن الداخلية بين أفراد الأمة، حيث يتنافس فقهاء السوء، ويكثر الفقهاء الضالون الذين يضلون الناس عن الصراط المستقيم
الحديث يحث المؤمنين على الاستعداد لظهور الإمام المهدي (عليه السلام) من خلال التمسك بالعقيدة الصحيحة، والابتعاد عن الفتن، والحرص على العمل الصالح. كما يدعو الحديث إلى الوعي الكامل بأسباب الفساد التي ستهدد الأمة، والتحصن بالإيمان والوعي الثقافي والديني لمواجهة هذه التحديات.
خاتمة
إن الحديث القدسي الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة المعراج يمثل ملامح هامة لمستقبل الأمة الإسلامية والعالم بأسره. وقد أكد هذا الحديث على ضرورة الوعي بالفتن التي ستسبق ظهور الإمام المهدي، الذي سيقوم بتصحيح الأوضاع وإقامة العدالة في الأرض.
هذه المفردات التي وردت في الحديث تفتح المجال للمؤمنين لتحليل واقعهم الحالي واستشراف المستقبل المشرق الذي سيقوده الإمام المهدي في آخر الزمان.
إن التحضير الروحي والعقائدي لهذا الحدث العظيم يتطلب منا التمسك بالقيم الإسلامية، والعمل الجاد على تحقيق العدالة في المجتمع، متوجهين نحو الإصلاح والعدالة الاجتماعية في حياتنا اليومية.
النص المعتمد في البحث
في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليلة المعراج، قال الله تعالى :
{وأعطيتك} [يا رسول الله] أن أخرج من صلبه [من صلب علي] أحد عشر مهدياً كلهم من ذريتك من البكر البتول، وآخر رجل منهم يصلي خلفه عيسى ابن مريم، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، أنجي به من الهلكة، وأهدي به من الضلالة، وأبرئ به من العمى، وأشفي به المريض
فقلت: إلهي وسيدي متى يكون ذلك؟ فأوحى الله جل وعز: يكون ذلك إذا رفع العلم، وظهر الجهل، وكثر القرّاء، وقلّ العمل، وكثر القتل، وقلّ الفقهاء الهادون، وكثر فقهاء الضلالة والخونة، وكثر الشعراء، واتخذت أمتك قبورهم مساجد، وحلّيت المصاحف، وزخرفت المساجد، وكثر الجور والفساد، وظهر المنكر وأمر أمّتك به ونهوا عن المعروف، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وصارت الأمراء كفرة، و أولياؤهم فجرة، و أعوانهم ظلمة، و ذوي الرأي منهم فسقة.
وعند ذلك ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وخراب البصرة على يد رجل من ذريتك يتبعه الزنوج، وخروج رجل من ولد الحسين بن علي وظهور الدجال يخرج بالمشرق من سجستان، وظهور السفياني.
فقلت: إلهي ومتى يكون بعدي من الفتن؟ فأوحى الله إلي وأخبرني ببلاء بني أمية وفتنة ولد عمي، وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة،
فأوصيت بذلك ابن عمي (علي بن ابي طالب) حين هبطتُ إلى الأرض و أديتُ الرسالة، ولله الحمد على ذلك كما حمده النبيون وكما حمده كل شئ قبلي وما هو خالقه إلى يوم القيامة .
المراجع:
- كمال الدين وتمام النعمة، للشيخ الصدوق.
- بحار الأنوار، للعلامة المجلسي.
- كتاب الغيبة، للنعماني.