حدیث الناس

كيف نُدخل السرور على قلب إمامنا المنتظر في ذكرى مولده؟

لنكن صريحين مع أنفسنا‍ فيما يتعلق بإظهار مشاعر الفرح والابتهاج في الأماكن العامة.

ثمة حالة مفهومة للجميع لكنها تحتاج ضبط لا أكثر كونها حالة نفسية طبيعية، بمعنى أنها ليست سلبية.

أفراد المجتمع العراقي، كأي مجتمع آخر في العالم، يعيش مشاكل الحياة اليومية، بغض النظر عن مصدرها، فمن اجل الهروب من هذه المشاكل والمنغّصات والضغوطات يحاول البعض ان يصنع لنفسه مناسبة لإظهار ما يزيل كل ما هو جاثم على صدره وقلبه ونفسه، كأن يخرج للتنزّه في الشوارع والأسواق والحدائق العامة، او المشاركة في احتفالات بعناوين مختلفة، كأن تكون أعراس، او فلكلور من الموروث او المقلّد اجنبياً، حتى وإن لم ينتمِ اليها، ولا يعرف شيئاً عن نشأتها وماضيها، مثل “الكرسمس”، او “عيد الحب”، وغيرها، المهم؛ الطقس البهيج الذي يوفر فرصة للابتسامة والابتهاج برفع الأصوات او استخدام الألعاب النارية وغيرها من الأعمال المعروفة لدينا.

ومن هذه المناسبات؛ ليلة الخامس عشر من شعبان المعظم، وهي مصادفة لليلة مولد الإمام الحجة المنتظر، عجل الله فرجه، الإمام الثاني عشر لأئمة أهل بيت رسول الله، ونسميه بـ “صاحب العصر والزمان”، بمعنى المتولي الشرعي من الله –تعالى- لهذا العالم الذي نعيشه فيه، وهو “منقذ البشرية” والذي على يديه تمتلئ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجورا، وفق الاحاديث المؤكدة الواردة عن آبائه المعصومين، عليهم السلام.

وبينا أكتب هذه الكلمات تذكرت ما رواه والدي –الله يرحمه ويرحم شيعة أمير المؤمنين- كيف كانت العشائر في كربلاء تحتفل بهذه الليلة بالدبكة العربية (الجوبيّة) ابتهاجاً بهذه الذكرى السعيدة، والقضية تعود الى حوالي ستين عاماً مضت، والناس آنذاك لم يكن ليعانوا أزمة الكهرباء والسكن والعمل والخدمات العامة، فقد كانت حياتهم الكفاف والقناعة رغم افتقادهم لمعظم وسائل الراحة والرفاهية، بينما نحن اليوم نبحث عن حلول للخروج من هذه الازمات طوال أيام السنة، وربما البعض أعلن يأسه الكامل من التغيير والإصلاح، غافلين عن أن صاحب هذه المناسبة هو مصدر الأمل الكبير والحقيقي ليس لحل أزمة الكهرباء –مثلاً- وإنما لإنقاذ البشرية جمعاء من الظلم والطغيان والانحراف والتضليل، فهل ياترى أن الشعوب التي لا ينقطع عنها الكهرباء لحظة واحدة تعيش السعادة في حياتها؟!

الشريعة توصينا بضبط السلوك والتصرفات خلال احتفالات الأعراس والافراح الخاصة بنا، فكيف اذا كان الاحتفال خاص بالإمام الحجة المنتظر، كيف تكون التوصية والتذكير؟!

وعليه؛ فان استعدادنا لإظهار مشاعر الفرح والسرور في الشوارع والأماكن العامة بهذه المناسبة السعيدة تعد فرصة ذهبية لا تتكرر إلا ليلة واحدة كل عام لإحكام الربط بين ما نعيشه وبين شخصية الإمام الذي نحتفل بذكرى مولده، فإن كنّا عازمين على انتهاز هذه الفرصة للتنفيس عما في كوامننا، أليس من حقّ الإمام، عجل الله فرجه، أن يفرح ايضاً عندما يرانا نسعى لاكتساب العلم والفهم والآداب واحترام حقوق الآخرين، وكل ما تتضمنه المنظومة القيمية من أحكام وتعاليم؟

يقول علماؤنا؛ أن الإمام الحجة المنتظر الغائب عن الأنظار يستشعر الحزن لدى أي مخالفة للأخلاق والآداب، او معصية لأحكام الله تصدر من أي انسان مؤمن يدّعي الإيمان به وبوجوده، بمعنى أن بإمكاننا أن ندخل السرور والفرح على قلبه المبارك بحُسن أعمالنا في هذه الليلة المباركة، ومن ثم في سائر أيام السنة، وأن نتحقق من أي عمل نقوم به ما اذا كان متطابقاً مع منهجه ومنهج أهل بيت رسول الله ومنهج القرآن الكريم، أم لا.

العلماء الأجلاء والباحثون الكرام كتبوا وتحدثوا كثيراً عن الثقافة المهدوية، وعن الانتظار، وفلسفته، وشروطه، وعن فلسفة الغيبة، وموضوعات أخرى تتعلق بالمناسبة، لا يسع المقام لشرحها بقدر ما يهمنا كأفراد في هذا المجتمع المؤمن والمُحب لأهل بيت رسول الله، والمواظب لحضور المراقد المشرفة في مناسبات عدّة لإحياء شعائر الله، وتقوية الروح الإيمانية لدينا، بأن لا ننسى، ونحن نحتفل، ونبتسم، ونهتف، ونذيع الأناشيد عبر مكبرات الصوت، أن صاحب هذه المناسبة هو الإمام الحجة المنتظر، ولسنا نحن، والشريعة توصينا بضبط السلوك والتصرفات خلال احتفالات الأعراس والافراح الخاصة بنا، فكيف اذا كان الاحتفال خاص بالإمام الحجة المنتظر، كيف تكون التوصية والتذكير؟!

الجميع مدعوون ومسؤولون للحفاظ على قدسية المناسبة، بدءاً من الملابس، وحتى نمط الأناشيد والموشحات، ثم درجة الصوت المنتشر في الشوارع وبالقرب من البيوت، ومن ثم سائر التصرفات والالفاظ والحركات التي تصدر منّا في هذه الليالي، إذ لم يبق سوى القليل حتى ليلة الجمعة، وهي ليلة مباركة بالأساس، وليلة زيارة الإمام الحسين، عليه السلام، و زِيد عليها، مصادفتها بذكرى ليلة المولد، فتكون مدينة كربلاء المقدسة محط رحال ملايين الزائرين والمحتفلين من مختلف بلاد العالم، واعتقد أن الوقت لا يسمح لفعل الكثير من النشر والإرشاد في هذا الطريق، بيد أنه “ما لا يُدرك كله لا يترك جلّه”.

الحوزات العلمية والمؤسسات الثقافية والهيئات الشبابية، وسائر التجمعات الإيمانية، بل وسائر الاخوة المؤمنين، مدعوون لإقامة مهرجان الانتظار الحقيقي للإمام الحجة بما يكون قريباً من مدرسة أهل البيت، عليهم السلام، برفع اللافتات الإرشادية، ونشر الاحاديث والروايات الدالة على حرمة هذه الليلة وصاحبها، وأن الاحتفال الحقيقي بتطبيق كامل الاحكام الشرعية والأخلاق الحميدة، من توزيع الطعام والشراب على الزائرين، وخدمتهم، وإرشادهم الى تفاصيل الزيارة وتبيان اهميتها المعنوية وآثارها التكوينية على حياة الناس ايضاً، والأهم من كل هذا؛ إظهار فضائل الإمام الحجة المنتظر، والمعصومين، عليهم السلام، الذين يشاركوننا ايضاً الفرحة والبهجة بهذه الذكرى، وارجو ان لا نكون سبباً في إدخال الحزن والأسف على قلوبهم وقلب إمامنا الحجة المنتظر، عجل الله فرجه الشريف.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا