الهدى – بغداد ..
تتواصل أزمة السكن التي يواجهها العراقيون على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية، فيما ظلت الإجراءات لحلها خجولة ولا ترتقي إلى المستوى المطلوب.
وحول ذلك كشفت وزارة الإعمار والإسكان، اليوم الأحد، عن إجراءات اتخذتها الحكومة لمعالجة أزمة السكن في البلاد، فيما أشارت الى ان مبادرة “أجر وتملك” ستسهم في تخفيف أزمة السكن.
وقال المتحدث باسم الوزارة، نبيل الصفار في تصريح صحفي: إن “مشكلة السكن تعدّ من أكبر التحديات التي تواجه الحكومة، وقد أُدرجت ضمن محاور المنهاج الوزاري”.
وأوضح الصفار، أن “معالجة هذه الأزمة تتطلب حلولاً متعددة. حيث بدأت الحكومة باتخاذ سلسلة من الإجراءات لإيجاد حلول موضوعية، من بينها إطلاق مشروع المدن السكنية الجديدة. الذي تشرف عليه وزارة الإعمار والإسكان والبلديات العامة. عبر هيئة تنفيذ المدن السكنية الجديدة، وقد تمت إحالة خمس مدن كبرى كمرحلة أولى في بغداد، ونينوى، وكربلاء المقدسة، وبابل، اضافة الى تكليف أمانة بغداد بإنشاء مدينة الصدر السكنية في العاصمة”.
وأضاف، أنه “من بين الإجراءات المتخذة، إطلاق مبادرة “أجر وتملك” من قبل صندوق العراق للتنمية. والاعتماد على المطور العراقي. وهو مشروع بدأ تنفيذه في محافظة واسط، فضلاً عن تشجيع الاستثمار في القطاع السكني عبر الهيئة الوطنية للاستثمار. من خلال إنشاء المجمعات والمدن السكنية”.
وأشار الصفار، إلى أن “هذه المشاريع ستسهم في تخفيف حدة أزمة السكن. من خلال زيادة المعروض السكني.مما سيساعد على تقليص العجز الذي يتجاوز 3 ملايين وحدة سكنية”.
هذا وشهد العراق في السنوات الأخيرة تحولاً بارزاً نحو البناء العمودي لمواجهة أزمة السكن والضغوط السكانية المتزايدة. ورغم أن هذه المشروعات تمثل حلاً عملياً، إلا أنها تصطدم بتحديات ثقافية وبنيوية تجعل من تحقيق أهدافها مهمة معقدة.
وشهدت السنوات الـ10 الأخيرة في العراق تحولا ملحوظا في نمط البناء السكني، حيث انتقل التركيز من المباني المنفردة والأفقية إلى المباني الشاهقة والعمودية، وهذا التحول، الذي يمثل تحولا جوهريا في ثقافة السكن العراقي، فرضته مجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها أزمة السكن المتفاقمة والضغوط السكانية المتزايدة.
ولطالما ارتبط السكن في الثقافة العراقية بالخصوصية والمساحة الفردية، إلا أن التحديات المعاصرة دفعت بالكثيرين إلى إعادة النظر في هذا النمط التقليدي، واقتناء شقق في المباني الشاهقة التي توفر بدائل جديدة للحياة السكنية.
وفي ظل هذه الأوضاع ظهرت فكرة المجمعات السكنية العمودية كحل مقترح لأزمة السكن المتفاقمة. إلا أن هذا التحول يواجه تحديات كبيرة بعضها ثقافي والآخر بيئي، فبينما تسعى الحكومة إلى حل أزمة السكن المتفاقمة بواسطة تشجيع الاستثمار في المشروعات العقارية العمودية، فإن البنية التحتية المتآكلة ونقص التشريعات القانونية يشكلان عائقا كبيرا أمام تطوير هذا الهدف.
وأعلنت وزارة الإعمار والإسكان عن طريق المتحدث باسمها استبرق صباح، أنها أنجزت أكثر من 20 تصميما أساسيا لمدن سكنية مستدامة في عدد من المحافظات العراقية.
وفي يونيو/حزيران عام 2023، أقرّ رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، إعلان فرص استثمارية لبناء مدن سكنية جديدة، وهي مدينة “الجواهري” بمنطقة أبو غريب في العاصمة، بغداد، و”ضفاف كربلاء” في محافظة كربلاء، و”الفلوجة الجديدة” في الأنبار، و”الجنائن” في بابل، و”الغزلاني” في نينوى.
الباحث الاجتماعي ريسان عزيز، تحدث عن التحديات التي تواجه المجتمعات التي تلجأ إلى البناء العمودي، خاصة في المناطق ذات المساحات المحدودة، مشيرا إلى أن هذا النوع من البناء يوفر حلولا عملية لكثير من المشاكل، إلا أنه يطرح تحديات ثقافية واجتماعية كبيرة.
وركز ريسان على التناقض بين الحاجة إلى الخصوصية في المجتمعات الشرقية ورغبة الأفراد في الحصول على حرية أكبر في الحركة داخل مساحاتهم الشخصية.
كما يوضح، أنه في البناء العمودي، تتقارب المسافات بين الشقق، مما يجعل الأصوات والحركات مسموعة بوضوح، وهذا الأمر يخلق صعوبات في الحفاظ على الخصوصية وتجنب الإزعاج للآخرين.
وشدد ريسان على أهمية التثقيف المجتمعي لتغيير السلوكيات وتبني ثقافة الاحترام المتبادل والاهتمام بحقوق الجيران، مضيفا أن هذا الأمر يتطلب وقتا وجهدا، وأن اختيار السكان الذين يسكنون في هذه المجمعات يجب أن يكون مدروسا، مع الأخذ بعين الاعتبار حجم الأسرة ونمط حياتها.
وختم الباحث حديثه بالتأكيد على الحاجة الملحة إلى حل أزمة السكن في العراق، مع الإشارة إلى أن البناء العمودي يمكن أن يكون حلا فعالا، شريطة أن يتم التعامل مع التحديات الثقافية والاجتماعية المرتبطة به بشكل جدي ومدروس.
المهندس المعماري الدكتور بلال سمير، أكد أن نجاح مشروعات البناء العمودي يتوقف على مجموعة من العوامل الحاسمة. أول هذه العوامل هو توفر بنية تحتية متكاملة تشمل شبكات الطرق والكهرباء والمياه والصرف الصحي، مما يضمن سير الحياة اليومية بسلاسة داخل هذه المجمعات السكنية.
وقال: أما المعيار الثاني فهو التصميم الإنشائي، حيث يجب أن يخضع المشروع لدراسة جيولوجية دقيقة للتربة التي سيقام عليها، وتبعا لذلك يتم إجراء حسابات هندسية دقيقة لتحديد عدد الأعمدة وأبعادها وكمية حديد التسليح اللازمة لضمان استقرار المبنى وقدرته على تحمل الأحمال المختلفة.
ولأن البناء العمودي يهدف في المقام الأول إلى توفير سكن مناسب للإنسان، فقد شدد الدكتور سمير على أهمية دراسة السلوك الاجتماعي للمواطن العراقي وتفضيلاته في المسكن، فالمساحات الداخلية للوحدات السكنية، وعلاقاتها ببعضها البعض، يجب أن تتناسب مع العادات والتقاليد العراقية، وأن توفر الخصوصية والراحة اللازمة للأفراد والعائلات.