تفتخر الأمم والشعوب بالرموز التي كان لها دور محوري في التحولات الإيجابية الكبرى، التي نقلت الامة من حالة الى ما هو أفضل من ذلك، وتُخلّد الرموز التاريخية عبر تداول كلماتهم وما تركوا من أثر، سواء كان ماديا ام معنويا.
الإمام الحسين، عليه السلام، من الرموز العظمية الحقيقية في الأمة الإسلامية، فقد كان له دور كبير ومحوري في تاريخ الامة، ولولا نهضة الامام الحسين، عليه السلام، في يوم العاشر من المحرم، لكانت الأمور مختلفة تماما، إلا ان تلك النهضة اعادت الإسلام الى موقعه الحقيقي؛ كدين يريد رفعه الانسان ومجده، وان يكون الحاكم ضمن المواصفات الدينية الصحيحة.
صحيح ان يوم عاشوراء كان يوما محوريا في حياة الإمام الحسين، عليه السلام، إلا حياته قبل ذلك اليوم حفلت بالمواقف الأخلاقية النبيلة على الصعيد الاجتماعي، فالإمام الحسين عاش جلَّ حياته في مدينة جده، رسول الله، صلى الله عليه وآله.
ومع تفشي الامراض الأخلاقية الكثيرة في مجتمعنا الإسلامي ما احوجنا الى الرجوع الى حياة الائمة عليهم السلام، لتكون نبراسا لنا، ولا شك لو طبقنا أخلاق اهل البيت في حياتنا الاجتماعية، فستتلاشى كثير من المشاكل؛ فاليوم هناك ــ مثلا ــ مشكلة اجتماعية تتمثل في وجود فجوة كبير بين الاباء والابناء، وهذا ينعكس سلبا بالدرجة الأولى على الابن، وهناك أيضا مشاكل تربوية، أخلاقية تواجهها مجتمعاتنا الإسلامية.
في هذه المقال نسلّط الضوء على بعض المواقف الأخلاقية للإمام الحسين، عليه السلام، والتي تعد دروسا عملية لنا، مع شديد الحاجة اليها في مجتمعنا، قال الإمام زين العابدين، عليه السلام: “وإن أبغض الناس إلى الله من يقتدي بسنة إمام ولا يقتدي بأعماله”، فما دمنا نقتدي بأهل البيت، عليهم السلام، كأئمة مفترضي الطاعة، فالأولى بنا التمسك بأخلاقهم ونهجهم على مختلف الصعد الحياتية
صحيح ان يوم عاشوراء كان يوما محوريا في حياة الإمام الحسين، عليه السلام، إلا حياته قبل ذلك اليوم حفلت بالمواقف الأخلاقية النبيلة على الصعيد الاجتماعي، فالإمام الحسين عاش جلَّ حياته في مدينة جده، رسول الله، صلى الله عليه وآله.
أخلاق الإمام الحسين
من المواقف الأخلاقية الرائعة للإمام الحسين، عليه السلام، هي عفوه عن عصار بن المصطلق، قال عصار: دخلت المدينة فرأيت الحسين بن علي (عليهما السلام)، فأعجبني سمته ورواؤه، وأثار من الحسد ما كان يخفيه صدري لأبيه من البغض، فقلت له: أنت ابن أبي تراب؟
فقال: عليه السلام: نعم.
فبالغتُ في شتمه وشتم أبيه، فنظر إلى نظرة عاطف رؤوف، ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، {خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ}.
ثم قال لي: خفّض عليك، أستغفر الله لي ولك، إنك لو استعنتنا لأعناك، ولو استرفدتنا لرفدناك، ولو استرشدتنا لأرشدناك.
قال عصام: فتوسم مني الندم على ما فرط مني.
فقال عليه السلام: {قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} أمن أهل الشام أنت؟
قلت: نعم.
فقال: عليه السلام: شنشنة أعرفها من أخزم، حيانا الله وإياك، انبسط إلينا في حوائجك وما يعرض لك تجدني عند أفضل ظنك إن شاء الله تعالى.
قال عصام: فضاقت علي الأرض بما رحبت ووددت لو ساخت بي، ثم سللت منه لواذاً وما على الأرض أحب إلى منه ومن أبيه”.
وإذا أمعنا النظر في جواب الإمام الحسين، نجده أولا انه تعوّذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم تلا البسملة، وفي هذا درس لنا، فحين نواجه مشكلة لابد وان نعوذ بالله من الشيطان، لأنه ما من مشكلة إلا وله فيها يد، ومن ثم نتلو البسملة، وروايات كثيرة أكدت ان أي عمل يقدم عليه الانسان دون ذكر الله فهو عمل أبتر، أي ناقص.
كذلك من اخلاق الامام الحسين انه كان يقبل العذر من المسيء عن علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام، قال:
سمعت الحسين يقول: “لو شتمني رجل في هذه الأذن – وأومأ إلى اليمنى -، وأعتذر لي في الأخرى، لقبلت ذلك منه، وذلك أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عليه السلام، حدثني أنه سمع جدي رسول الله، صلى الله عليه وآله، يقول: “لا يَرد الحوض من لم يقبل العذر من محق أو مبطل”.
حتى نكون قريبين من حياة الائمة بشكل عام، والإمام الحسين بشكل خاص، لابد وان تكون اخلاقهم متجلية في سلوكنا، لأننا بذلك نمثّل الولاء الحقيقي لأهل البيت، عليهم السلام
وهذه آفة أخلاقية مقيتة؛ وهي ان البعض لا يقبل عذر أخيه، او الزوج من زوجته، ولذلك أكدت الروايات أن يخلق المؤمن لأخيه سبعين عذرا في حال أساء اليه، او تأخر عنه في موعد وما شابه.
ومن عفوه، عليه السلام، ان جنى له غلام جنايةً توجب العقاب عليه، فأمر به أن يضرب، فقال: يا مولاي: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}.
قال عليه السلام: أخلوا عنه، فقال: يا مولاي {وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ}.
قال عليه السلام: قد عفوت عنك.
قال: يا مولاي {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، قال (عليه السلام): أنت حر لوجه الله ولك ضعف ما كنت أعطيك.
فما احوج أن تكون فضيلة العفو حاضرةً في حياتنا الاسرية، ومع الأصدقاء، ومع المجتمع بشكل عام.
إذن فحتى نكون قريبين من حياة الائمة بشكل عام، والإمام الحسين بشكل خاص، لابد وان تكون اخلاقهم متجلية في سلوكنا، لأننا بذلك نمثّل الولاء الحقيقي لأهل البيت، عليهم السلام، قال الامام زين العابدين، عليه السلام: ” لا حسب لقرشي ولا لعربي إلا بتواضع، ولا كرم إلا بتقوى، ولا عمل إلا بالنية ولا عبادة إلا بالتفقه، ألا وإن أبغض الناس إلى الله من يقتدي بسنة إمام ولا يقتدي بأعماله.”