الأخبار

أزمة بين نقابتي أطباء الأسنان والأطباء تشعلها عمليات التجميل غير الجراحية

الهدى – متابعات ..

تفاقمت الخلافات بين نقابتي أطباء الأسنان والأطباء في العراق بشأن السماح لأطباء الأسنان بمزاولة عمليات التجميل غير الجراحية.
وبينما ترى وزارة الصحة أن المنع يهدف لحماية المرضى، يعتبر أطباء الأسنان القرار مجحفاً ويؤثر على حقوقهم ومصادر دخلهم، ما يثير تساؤلات حول تنظيم المهن الطبية ومستقبل التجميل في العراق.
واشتعلت الأزمة بين نقابة أطباء الأسنان ونقابة الأطباء حول مسألة السماح لأطباء الأسنان بمزاولة عمليات التجميل غير الجراحية.
والقرار الذي أصدرته وزارة الصحة، والقاضي بمنع أطباء الأسنان من القيام بهذه الإجراءات، أثار جدلًا واسعاً، حيث اعتبره أطباء الأسنان انتهاكاً لتخصصهم، بينما دافعت نقابة الأطباء عن القرار باعتباره إجراء يهدف إلى حماية المرضى.
وبدأ الخلاف في أوائل عام 2024 عندما أصدرت وزارة الصحة العراقية قراراً يمنع أطباء الأسنان من إجراء عمليات التجميل، استناداً إلى أن هذه الإجراءات تندرج ضمن تخصص أطباء الجلدية والتجميل.
وحدد القرار أن هذه العمليات تتطلب معرفة طبية متخصصة بالتشريح المتقدم، والتعامل مع المضاعفات التي قد تنشأ عنها.
وزارة الصحة، بدورها، أكدت أن القرار جاء بعد تسجيل شكاوى ومخاطر صحية ناتجة عن ممارسات غير مدروسة، وفي خضم الجدل القائم حول قرارها الأخير الذي انتهى بالسماح لأطباء الأسنان بممارسة إجراءات التجميل، عبّر الدكتور غسان الواعظ، وهو أحد أطباء الجلدية، وعضو في نقابة الأطباء، عن موقفه الرافض لهذا القرار،
مستنداً إلى معايير أكاديمية وعلمية تبرز الفروق الجوهرية بين اختصاصي الجلدية وطب الأسنان.
وأكد أن “اختصاص الجلدية يتطلب دراسة معمقة تمتد لعشر سنوات بعد التخرج من كلية الطب، تشمل البورد والماجستير وتدريباً متخصصاَ في الطب التجميلي، بينما طب الأسنان، وفق قوله، هو دراسة أولية لمدة خمس سنوات لا تتناول تفاصيل التجميل الجراحي.
وأضاف: “حتى طالب الطب العام، الذي يدرس التشريح كجزء أساسي من مناهجه، لا يُسمح له بمزاولة الطب التجميلي دون تخصص أكاديمي دقيق، فما بالك بطبيب أسنان؟”.
وأوضح الواعظ أن “قانون رقم 5 لسنة 1999 المعدل ينص على أن مراكز التجميل يسمح بفتحها فقط من قبل أطباء الجلدية وأطباء الجراحة التقويمية، أما أطباء الأسنان، فإن ممارسة هذا النوع من العمليات يحتاج إلى شهادة بورد متخصصة في جراحة الوجه والفكين، والتي تعد فرعًا دقيقا وليس ضمن دراسة طب الأسنان الأساسية”.
واشار الى أن “الإجراءات التجميلية، هي عمليات حساسة جداً وتتطلب خبرة دقيقة، وأن تدريباً إضافياً قصيراً لأطباء الأسنان لا يُمكن أن يؤهلهم للقيام بهذه العمليات بأمان”، مستشهداً بتجارب دولية مثل السويد والنمسا، اللتين أقرتا قوانين صارمة تمنع غير أطباء الجلدية من ممارسة هذه العمليات.
وفي ختام حديثه، شدد دكتور غسان على أن هذا الخلاف لا يُعد نزاعاً بين أطباء الجلدية وأطباء الأسنان، بل اختلافاً في وجهات النظر، ودعا إلى تشكيل لجان استشارية تنظم العلاقة بين النقابات والاختصاصات الطبية تحت إشراف وزارة الصحة، بهدف حماية صحة المواطن وضمان تقديم خدمات تجميلية آمنة،
وختم بالقول: “طب الأسنان يعني العناية بالأسنان وجمالها، وطب الجلدية يعني العناية بالجلد وتجديده، لكل اختصاص حدوده وأدواره، والتنظيم ضرورة لتجنب التداخل”.
من جهتها، اعتبرت نقابة أطباء الأسنان القرار “تعسفياً”، مؤكدةً أن أطباء الأسنان مؤهلون تقنياً وعلمياً لتنفيذ هذه الإجراءات.
واستندت النقابة في ذلك إلى أن تدريب أطباء الأسنان يشمل تشريح الوجه والمهارات اليدوية الدقيقة، مما يجعلهم قادرين على تقديم هذه الخدمات بشكل آمن.
الدكتور سيف الدين الجبوري، وهو رئيس لجنة ضمان أطباء الأسنان، صرح أن “قرار وزارة الصحة صدر دون استشارة مسبقة مع نقابة أطباء الأسنان أو لجنة ضمان أطباء الأسنان، وأن هذا الإجراء يعد انتهاكاً واضحاً لقانون الصحة العامة رقم 89 لسنة 1981، المادة الثالثة الفقرة 15، التي تنص على وجوب التنسيق بين النقابات عند اتخاذ قرارات تتعلق بالمهن الطبية”، مضيفا “تفاجأنا بصدور القرار دون إشعار أو حوار مسبق، مما يعد تجاوزاً قانونياً وغياباً للشفافية”.
وأشار الدكتور سيف الدين إلى أن “التجميل يعد مجالًا حديثاً دخل الساحة الطبية خلال السنوات الماضية، وأن وزارة الصحة أصدرت تعليمات متفرقة لتنظيم الممارسات الطبية في هذا المجال، آخرها في عام 2018. لكن هذه التعليمات لم تتضمن نصوصاً قانونية واضحة تمنح أو تمنع أطباء الأسنان من العمل في مجال التجميل الجراحي”.
وأردف: “لم تكن هناك فقرة قانونية صريحة، بل مجرد تعليمات وقتية وضعت لتحديد تصنيف العمل حسب مناطق الجسم”، موضحا أن هذه ليست المرة الأولى التي يمنع فيها أطباء الأسنان من ممارسة التجميل، فقد تكرر المنع ثلاث مرات منذ عام 2018.
وتابع ان “هذا التخبط يؤثر سلباً على سمعة أطباء الأسنان ويخلق حالة من الشك لدى المواطنين، إذ يبدأ الناس بالتساؤل حول كفاءة طبيب الأسنان وأحقيته بممارسة التجميل مقارنة بغيره من الأطباء”.
وعن موقف أطباء الأسنان من القرار، قال الدكتور سيف الدين إن النقابة نظمت وقفات احتجاجية عدة بعد صدور قرار المنع، كما تقدمت بشكاوى رسمية إلى القضاء لإلغاء القرار.
الخلاف بين النقابتين انعكس على أرض الواقع، حيث وجد بعض الأطباء أنفسهم أمام مستقبل مهني غامض.
وأحد أبرز القضايا التي أثارتها الأزمة هو غياب تنظيم دقيق يحدد نطاق عمل كل تخصص طبي، وقالت المحامية رنا الطائي بهذا الخصوص إن القوانين العراقية تفصِّل بشكل دقيق المهن الطبية واختصاصاتها، لكنها تمنح في الوقت ذاته صلاحيات واسعة لوزير الصحة أو المدير العام لاتخاذ قرارات تحد من بعض الممارسات الطبية. ومع ذلك، أن هذه الصلاحيات تتوقف عند تدخل القضاء، كما حدث في قضية أطباء الأسنان”.
وأوضحت الطائي أن هذه القضية تفتقر إلى سوابق قانونية مشابهة في العراق، مما يجعلها حالة فريدة أثارت جدلاً واسعاً، وشرحت أن النظام الطبي في العراق يعتمد على منهجية دراسية مشتركة خلال المراحل الأولى من التعليم الطبي، حيث يدرس جميع الأطباء، بمن فيهم أطباء الأسنان، المنهج ذاته من مواد علمية وتشريحية، قبل أن يتخصصوا في السنة الأخيرة.
ويرى أطباء أن الأزمة بين نقابة أطباء الأسنان ونقابة الأطباء تسلط الضوء على الحاجة إلى تنظيم أفضل للقطاع الطبي في العراق، والتداخل بين التخصصات يظهر فجوة تنظيمية يجب معالجتها عبر قوانين واضحة تحدد حقوق ومسؤوليات كل طرف.
وفي الوقت الحالي، يبقى المرضى والأطباء ضحايا لهذه الأزمة التي قد تؤثر على جودة الخدمات الطبية وأسعارها، فيما يكمن الحل في فتح حوار جاد بين الأطراف المعنية للوصول إلى حلول تضمن سلامة المرضى وحقوق الأطباء على حد سواء، وفق العديد من المختصين.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا