مناسبات

الإمام الحسين وقرار المقاومة

ليس من السهل ابداً ان شخصية في مقام الامام الحسين، عليه السلام، يتخذ قرارا يكلفه وصفوة أهل بيته وأصحابه كل هذه التضحيات، إلا أن يكون القرار ربانيا مكتوبا في اللوح المحفوظ، وذلك لهدف عظيم وجلي يستحق هذه التضحيات.

كانت المؤامرة السفيانية على اتم الجهوزية لإتمام صفقة سرقة الدين وفي مراحلها النهائية، حيث تكون الرسالة المحمدية شاهدة حية او لا تكون.

هنالك وفي خضم هذا الخطر المحدق بالدين والأمة انبرى سيد الشهداء الامام الحسين، عليه السلام، لتوجيه ضربة قاصمة ومميتة للمشروع السفياني الذي بدأ بانقلاب السقيفة وكان يراد له ان تكون ذروة نجاحه هي سيطرة وتمليك الطاغية السفيه يزيد بن معاوية ليكون خليفة المسلمين ومالك رقابهم وثرواتهم.

لكنّ الامام الحسين، عليه السلام، واستجابة لأمر الله قرر رفض البيعة، وهو يعني ابطال المشروع السفياني الذي يتظاهر بالقداسة ولكنه مشروع ظلم وفساد وإفساد.

وهكذا كان الرفض واجبا ربانيا والخروج خطوة حسينية في مشروع ملحمة كربلاء المقدسة.

خروج الإمام الحسين بن علي من المدينة إلى مكة سنة 60 هـجرية

في سنة 60 هـ، كانت الأمة الإسلامية تمر بفترة عصيبة، حيث أن الخلافة قد آلَت إلى شارب الخمور وراكب الفجور وقاتل النفس المحترمة يزيد بن معاوية بعد وفاة أبيه الطاغية السفاح معاوية بن أبي سفيان.

وكان يزيد قد استولى على مقاليد الحكم في العالم الإسلامي بعد فترة من التوتر السياسي، وفرض نفسه خليفةً دون أن يكون له أي شرعية سماوية أو موافقة من الأمة الاسلامية.

بعد خروج الإمام الحسين، عليه السلام، حلَّ الحزن الشديد على أهل المدينة المنورة، كانوا يودعون الإمام الحسين بألم ودموع، فهم يعلمون أن هذا الفراق قد يكون وداعًا أبديا

في هذه الأوقات الحرجة، قرر الإمام الحسين بن علي، عليه السلام، حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله، أن يرفض مبايعة يزيد، وأن يقف في وجه الفساد الذي عمَّ في الدولة، بل ويضع حدا لسرقة الخلافة الاسلامية من امامها وسيدها ليتلاعب بها صبيان الامويين وهم قردة الامة وخنازيرها.

رفض مبايعة الطاغية يزيد

حاول الطاغية السفيه يزيد بن معاوية بطريقة أو بأخرى إضفاء الشرعية على تنصيبه خليفةً شرعيا للمسلمين؛ حيث يمثل مقام رسول الله، صلى الله عليه وآله، فقام بإرسال رسالة إلى والي المدينة المنورة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان كتابًا يخبره بموت معاوية ويأمره بأخذ البيعة بالقوة حيث جاء فيه: “أما بعد: فخذ حسينًا وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذًا شديدًا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا، والسلام”.

وهكذا جرت الأمور اذ انه وبعد اجتماع الإمام الحسين، عليه السلام، مع والي المدينة المنورة آنذاك، رفض الإمام الحسين أن يبايع يزيد بن معاوية، مؤكداً على موقفه الثابت في رفض الحكم الجائر الذي كان يزيد يمثلُه، وكان الإمام الحسين يرى في بيعة يزيد مخالفةً صريحةً لما جاء به الإسلام، ولذلك قرر أن يقاوم هذا الوضع بكل السبل الممكنة.

قرار الخروج من المدينة المنورة

بعد رفضه مبايعة يزيد، قرر الإمام الحسين، عليه السلام، أن يخرج من المدينة المنورة برفقة عائلته وأصحابه، عازمًا على أن ينطلق إلى مكة المكرمة، وكان قراره هذا بمثابة خطوة حاسمة في مسيرته.

 فقد كان يعلم أن بقاءه في المدينة سيكون خطراً على حياته، ولذلك اختار أن يغادر المدينة بعيداً عن الخطر، ولكيلا يعطي الفرصة للأمويين ان يغتالوه قبل ان ينفذ المشروع الالهي الذي أوكل اليه حيث يكون ليس شهيدا فقط بل ثائرا شاهدا ايضا.

 وفي نفس الوقت يحمل رسالة لأمة جده بأنهم لن يقبلوا الحكم اليزيدي الظالم.

زيارة قبر جده رسول الله صلى الله عليه وآله

قبل أن يغادر الإمام الحسين، عليه السلام المدينة المنورة، توجه إلى قبر جده رسول الله، صلى الله عليه وآله، ليودعه، وكانت مشاعر الحزن تملأ قلب الإمام الحسين وهو يقف أمام قبر جده رسول الله، وقد صلّى هناك صلاةً وداع كادت روحه ان تزهق على صفحة قبر جده السيد الاعظم.

وكان يدعو الله أن يفرج عن الأمة الاسلامية ويعيد المشروع الالهي الى اهل البيت الذين جعلهم الله خلفاء الارض ليقموا دولة العدال الالهي.

كان الإمام يشعر بحزن شديد، وهو يودع المدينة المنورة و يودع قبر جده الذي لم يكن يتوقع أن يراه مجددًا.

الرؤيا الصادقة

خرج إلى قبر جده رسول الله ليودعه وصلى ركعات، فلما فرغ من صلاته جعل يقول: “اللهم هذا قبر نبيك محمد، وأنا ابن بنت نبيك، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم إني أحب المعروف، وأنكر المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والاكرام بحق القبر ومن فيه إلا اخترت لي ما هو لك رضى، ولرسولك رضى”.

قال: ثم جعل يبكي عند القبر حتى إذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى، فإذا هو برسول الله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله وبين يديه حتى ضم الحسين إلى صدره وقبل بين عينيه وقال: “حبيبي يا حسين كأني أراك عن قريب مرملا بدمائك، مذبوحا بأرض كرب وبلاء، من عصابة من أمتي، وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى، وظمآن لا تروى، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، حبيبي يا حسين إن أباك وأمك وأخاك قدموا علي وهم مشتاقون إليك، وإن لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلا بالشهادة”.

قال: فجعل الحسين عليه السلام في منامه ينظر إلى جده ويقول:  “يا جداه لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا فخذني إليك و أدخلني معك في قبرك، فقال له رسول الله: “لابد لك من الرجوع إلى الدنيا حتى ترزق الشهادة، وما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم، فإنك وأباك وأخاك وعمك وعم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة، حتى تدخلوا الجنة”.

قال: فانتبه الحسين عليه السلام من نومه فزعا مرعوبا، فقص رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطلب، فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق ولا مغرب قوم أشد غما من أهل بيت رسول الله، صلى الله عليه وآله، ولا أكثر باك ولا باكية منهم.

خروج الإمام الحسين من المدينة

وفي ليلة الثامن والعشرين من رجب، وبعد تلك الرؤيا، قرر الإمام الحسين، عليه السلام، أن يخرج مع عائلته وأصحابه من المدينة المنورة، كانت تلك الليلة باردة، مليئة بالرعد و البرق و المطر، وكان الحزن يلف قلوب الجميع.

غادر الإمام الحسين المدينة وهو يحمل في قلبه ألم فراق الديار، وفراق قبر جده رسول الله، صلى الله عليه وآله، لكنه كان يعلم أن الطريق الذي اختاره هو الطريق الصحيح الذي يجب أن يسلكه وهو يطلب الإصلاح في أمة جده محمد، صلى الله عليه وآله.

حزن أهل المدينة على فراق الإمام الحسين

بعد خروج الإمام الحسين، عليه السلام، حلَّ الحزن الشديد على أهل المدينة المنورة، كانوا يودعون الإمام الحسين بألم ودموع، فهم يعلمون أن هذا الفراق قد يكون وداعًا أبديا، دعوا له ببكاء و الحزن، متمنين له السلامة، و لكنهم كانوا يدركون أن الحسين خرج من أجل الحق والعدل، و أنه يسير في طريق الشهادة الذي لم يكن فيه إلا العزَّ و الكرامة.

خروج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة كان بداية لحركة عظيمة هدفها استعادة الحق وإقامة العدل في أمة محمد، صلى الله عليه وآله

واخيراً؛ خروج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة كان بداية لحركة عظيمة هدفها استعادة الحق وإقامة العدل في أمة محمد، صلى الله عليه وآله.

وكان ذلك القرار بمثابة شهادة حيّة على تمسك سيد الشهداء بالقيم التي جاء بها الإسلام، ورفضه القاطع للظلم والفساد.

وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهها، فإن الإمام الحسين بقي دائمًا متمسكًا برسالته، وكانت الشهادة في كربلاء تجسيدًا لأسمى معاني التضحية والفداء.

عن المؤلف

الشيخ حبيب الجمري / عالم دِين من البحرين

اترك تعليقا