من يتصور ان تربية الأطفال عمل بسيط واهم الى أبعد درجة، فالتربية بالنسبة للأمهات من الاعمال الشاقة، وكثيرا ما تقع الأمهات في أخطاء بعد الضغط اليومي الذي تتلقاه بصورة مستمرة، حيث تتعرض الى الوقوع في أخطاء تربوية دون ان تشعر انها وقعت بذلك الخطأ.
تسعى الأمهات الى تقديم الأفضل لأبنائها، فتحرص على تحضير الاكل المناسب مع اعمارهم، وتتعرف على ما يحبون ويكرهون من الاكلات، ووفق هذه الطريقة تحضر الوجبات التي يرغب الاطفال تناولها او تفضيلها على غيرها من الوجبات، وتأخذ الحياة على هذا المنوال.
وفي نفس الوقت تقوم الام بتحضير وجبات تعرف مدى الفائدة منها، كأن تحتوي على قيمة غذائية أكثر من غيرها، لكن الابن لا يحبب تناولها، وتقوم بإجباره على اكلها، ومع مرور الوقت تتكرر هذه الحالة كثيرا، حتى يبدأ الامر يأخذ طريقا آخر، طريق فيه الكراهية والنفور الشخصي من قبل الطفل بصورة مباشرة.
ويُعاد نفس الامر بالنسبة لموضوعة الملابس، اغلب الأمهات يحرصن على الاعتناء بملابس اطفالهن، لا سيما في فصل الشتاء، فلديهن تعويد على تلبيس الأطفال ملابس (ثخينة)، كما تسمى في اللهجة العامية، ويجعلن الأطفال يتحركون بصعوبة كبيرة، نتيجة الطبقات الكثيرة التي يرتديها الطفل، وفي ذلك الشيء سلبية كبيرة.
السلبية هي ان الطفل يشعر بالضيق وربما بالتعرق إذا كان في مكان مغلق او دافئ، وبعد خروجه يكون عرضة للمرض، وبذلك تكون الام هي من تسببت بإيذاء طفلها بهذه الطريقة، فليس كل ما تقوم فيه الام صحيح بالنسبة للأطفال، والامثلة على ذلك كثيرة.
ويزداد الامر تعقيدا بالنسبة لموضوع التدريس في المنزل، هنالك كم هائل من الأمهات يتعاملن بقسوة شديدة مع الأطفال من اجل تعليمهم او انجازهم الواجب البيتي، يضربنّ، يهددنّ، يستعملنّ العبارات الجارحة والكلمات غير المحببة بالنسبة للطفل، والمصيبة الأعظم ان معظم الأمهات لا يعرفنّ ان طريقة الضغط بهذه الصورة يولد النفور الكامل لمثل هذه التصرفات او العادات اليومية.
التعويد بالإكراه يعود بالسلب على الطفل، اذ يخلق منه شخصية عنيدة الى ابعد الحدود، يتوقع ان كل تصرف وإن كان طبيعيا ضمن اللائحة الممنوعة التي يريد الاهل اجباره عليها وتقبلها، حيث تتحول الام بهذه الطريقة او السيطرة على تصرفات الابن من ام داعمة الى ام متحكّمة، يبحث الطفل عن أي فرصة للهرب من هيمنتها.
هيمنة الام بهذه الصورة له تأثير على علاقة الام بولدها، فغالبا ما تكون علاقة متشنجة، خالية من الحب والمودة المعهودة بين الام واطفالها، ولهذه النتائج أسباب كثيرة، منها عدم معرفة الام بأساليب التربية الصحيحة، التي تجعل من الام هي الملاذ الوحيد والحضن الدافئ للطفل، فعدم الوعي بهذه المسؤولية جعل منها عنصر غير محبوب في المنزل.
التعويد بالإكراه يعود بالسلب على الطفل، إذ يخلق منه شخصية عنيدة الى ابعد الحدود، يتوقع ان كل تصرف وإن كان طبيعيا ضمن اللائحة الممنوعة التي يريد الاهل اجباره عليها وتقبلها
وإذا شعر الابن بهذا الشعور قد صدر منه بعض التصرفات التي تنعكس على شخصيته بالسالب، وتشعر بعض الأمهات ان التدخل بهذه الطريقة هو من واجبات التربية الصحيحة، وعليهن أن يتقنّ هذه النقطة، ليكون الابن في النهاية بمثابة المنتوج الصالح للاستخدام، بمعنى انه فرد صالح ومنتج في المجتمع وليس عبئا آخر إضافة الى الأعباء الأخرى.
فبدلا من التضييق او الاكراه هنالك بعض الأساليب التي ينصح باتباعها نظرا لأهميتها على حياة الأطفال، ومنها القيام بمدحه وباستمرار ويفضل ان يكون هذا المدح امام الآخرين، حيث يؤدي الثناء بعد تأدية عمل مهم الى تشجيعه على القيام بأعمال أخرى قد تحتاج الى جهد أكثر بكثير من الجهد الذي بذله في الأول.
ومن مواطن المدح الصحيح هو عدم المبالغة في المدح او الثناء على الطفل لمجرد عمل بسيط او روين يومي يؤديه بمساعدة اخوانه في المنزل او من يتولون مهمة المساعدة، كالشغالة او غيرها من افراد العائلة، فالمدح الزائد يجعل الطفل يصاب بحالة من التمادي او الإصرار في بعض الأحيان على صحة أشياء هي ليست صحيحة وتصرفات خارجة عن النسق العام.
ويسهم المدح الكثير بإيقاف الشعور بالشغف او السعي للجديد بالنسبة للطفل، وفي المقابل لا يصح التأنيب او توجيه العقوبة على أشياء بسيطة، يمكن تلافيها بإشارة بسيطة من قبل الام، ولا داعي لكل ذلك.
الام لديها الرغبة والشعور بأن يبقى الابن تحت تصرفها وانظارها على كل شيء، سواء يخص ابناءها او المنزل بصورة عامة، ولهذه الرغبة يصعب على الام التمييز بين السيطرة السلبية والإرشاد المفيد، بحيث تقوم بتقديم النصح والإرشاد بطريقة أقرب ما تكون الى الأوامر، التي يجب ان تطاع ولا يجوز مخالفتها.
وبدلا عن ذلك يمكن تقديم النصيحة او الارشاد بطلب من الابن إذا كان يحتاج المساعدة في امر ما او جانب معين من حياته اليومية، وبهذه الجزئية ينصح الخبراء المختصين في الشأن بضرورة مراعاة بعض التصرفات او الحالات، لتجنب الوقوع في الأخطاء دون شعور، ومن بين هذه النصائح او القواعد العامة.
عدم الوقوف بوجه الطفل او منعه من اتخاذ بعض القرارات البسيطة التي لا تؤثر على مجرى حياته في حال أخطأ فيها، فمثلا لا تمنعيه من الجلوس الخروج مع أطفال المنطقة، على الرغم من تصرفاتهم غير المرضية، وليترك حتى يميز او يشعر بالفرق بين تربيتكِ وتربية الأمهات الاخريات.
بهذه الطريقة تتولد لديه الثقة في النفس والاعتماد النسبي على ذاته في اتخاذ بعض القرارات المتعلقة بحياته الحالية والمستقبلية، اذ يؤدي ذلك الى احترام المساحة الخاصة للطفل، ليعمل هو على إكمال الدور عندما يكون شابا ويكون اسرة، بعد ان يترسخ لديه الخطوط العامة لحياته ويتجنب الوقوع ببعض الأخطاء غير المتعمدة.
بدلا من التضييق او الاكراه هنالك بعض الأساليب التي ينصح باتباعها نظرا لأهميتها على حياة الأطفال، ومنها القيام بمدحه وباستمرار ويفضل ان يكون هذا المدح امام الآخرين
ومن طرق المعاملة الصحيحة للأبناء بمراحل مبكرة من حياتهم هي وضع روتين او منهج يومي يتبعه الطفل منذ الصباح الباكر وحتى المنام، حيث يعمل هذا البرنامج اليومي على تقليل الضغط على الاهل من جهة والطفل من جهة أخرى، لكن بشرط ان يتضمن هذا الجدول فقرات متنوعة لا تسبب الملل او التذمر بالنسبة للأبناء.
الخُلاصة: الام الداعمة لا يعني الام المسيطرة او المتحكمة، بل هي الام التي تعرف متى تتدخل ومتى تقوم بالمراقبة من مسافة بعيدة، وبذلك يكون خلق التوازن بين هاتين المسألتين من الضروريات او التقنيات الحياتية التي على الام اتقانها واستخدامها لتحظى بعلاقة صحيحة واحترام متبادل مع الأبناء.