مكارم الأخلاق

تقوية المناعة الروحية عند الشباب

قد لا يدرك بعض الشباب بان كينونة الإنسان تقوم على ركيزتين، هما المادية والروحية، أي أن وجود الإنسان منذ الولادة غير محصور بجسده، (رأسه وأطرافه وأعضائه الأخرى)، بل هناك جزء آخر يدعم الوجود المادي الجسدي، ويساويه في الأهمية، ونقصد به (الروح)، وهذا يعني بأن الإنسان يتكون من الجسد والروح.

قد يسأل بعض الشباب، إنهم يعرفون ويفهمون الجسد، لأنهم يرونه ويعرفونه ويتعاملون معه بشكل (لحظوي) مستمر، أما الروح فإنهم لا يفهمونها ولا يعرفونها لأنهم لم يروْنها بأبصارهم، ولم يمسكوها بأصابعهم، فكيف يتعرفون إليها، وكيف يفهمونها، وكيف يتعاملون معها، وما هو السبيل إلى ذلك؟

أول في هذا الصدد، إن الشاب عندما يتعرض جسده لأي درجة من الأذى، بسيطة كانت أو صعبة، فإنه سوف يهرع إلى أقرب مكن للاستشفاء، فيسعى هو ومن يهتمّ به مثل الأهل والأقارب والأصدقاء إلى نقله بشكل سريع ومباشر للمشفى أو الطبيب لكي يتلقى العلاج اللازم حتى يزول هذا الخطر، وبالفعل سوف يلتئم الجرح بعد يوم أو أيام أو حتى شهور، ولكنه سوف يلتئم وينطفئ الألم ويصبح ذكرى، أليس كذلك؟

فماذا عن الجرح الروحي إذن؟

ألم نتفق بأن الإنسان (الشاب وغيره)، يتكون من الجسد والروح، وقد عرفنا كيف نعالج الجسد، وإمكانية هذه المعالجة سواء طال الوقت أم قَصُر، فكيف نعالج الجرح الروحي، وقبل ذلك ما هو الجرح الروحي وكيف يحدث وأيضا كيف نعالجه؟

لابد أنك كشاب تعيش بين الناس في محيط العائلة والأقارب والأصدقاء وزملاء العمل، لابد أنك في يوم ما أصبت بما يسمى بالحزن، أو الضجر، أو الانكماش أو الكآبة، فوجدتَ نفسك أنك بحاجة إلى العزلة، وأنك لا تريد أن تتكلم مع أحد، وأنك تعاني من مشكلة نفسية تجهل ما هي وما هو مصدرها أو سببها.

هذه الأمور لابد أن يتعرّض لها معظم شبابنا خصوصا في عصرنا اليوم، عصر العولمة والانترنيت الصاخب، والمنصات والتطبيقات الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي وسواه مما يبتكره العقل الغربي أو العقل الذي انشغل بما وراء الواقع أكثر من الواقع نفسه، هذا العالم المضطرب، لابد أن يصيب الشاب بالكآبة ويعرّضهُ للمرض الروحي، فكيف يمكن للشباب أن يدعم مناعته الروحية لكي يضع حدًّا لهذا النوع من الكآبة والتدهور النفسي.

هنا بالضبط تظهر الحاجة الكبيرة لحماية الروح من الضعف والانحدار في المهالك، وهنا يجب على الشاب أن يفهم بأن حياته قائمة على الجسد (المادة)، وعلى الروح (المعنى والدين والغيبيات)، ومثلما يهرع سريعا لكي يعالج جسده من الجرح ويحميه من الخطر، عليه أيضا أن يهرع ويعالج روحه ويحميها من الخطر ومن الجروح التي قد يتسبب بها له العالم الافتراضي غير الواقعي.

ماذا يفعل الشاب بالضبط لكي يعالج المرض الروحي الذي يجعل حياته غير مستقرة وغير سليمة وغير صحية أيضا؟

تقوية الجانب الإيماني من خلال اللجوء العميق إلى تلاوة الآيات القرآنية، على أن تغوص بعمق في معاني هذه الكلمات الربانية التي ستوفر لك أجواءً روحانية في غاية اللطف والهدوء والسكينة

 عليه أن يدعّم مناعته الروحية بقوة، ولكن كيف يقوم بذلك وما هي الإجراءات والخطوات التي يمكن أن يقوم بها حتى يحمي روحه ويقوّي مناعته الروحية والمعنوية والدينية والنفسية؟

هنا لابد للشاب أن يلجأ إلى الدواء الصحيح، فعندما جُرِحَ جسده عرف إلى أين يذهب، وكيف يتطبَّب، هناك أيضا عندما تصاب الروح، على الشاب أن يعرف أيضا إلى أين يذهب، وكيف يتعالج، وما هو العلاج؟

إنك أيها الشاب مريض روحيا، أما علاجك الفوري والصحيح هو تقوية المناعة الروحية من خلال الآتي:

أولا: تقوية الجانب الإيماني من خلال اللجوء العميق إلى تلاوة الآيات القرآنية، على أن تغوص بعمق في معاني هذه الكلمات الربانية التي ستوفر لك أجواءً روحانية في غاية اللطف والهدوء والسكينة.

ثانيا: عليك اللجوء إلى قراءة الأدعية التي تركها لنا أئمة أهل البيت، عليهم السلام، هذه الأدعية حين تقرأها عليك أن تتوحَّد بها وتنفصل عن العالم، وتفهم معناها بعمق وتتفاعل معها، وتغمر قلبك بالخشوع التام.

حينئذ تبدأ الروح بلمس العلاج، وتقترب من درجة الوئام والالتئام، ويستمر الجرح الروحي بالزوال رويدا، وهذا يعني بأنك قمت بالعمل الصحيح الذي ضاعف من قوّة مناعتك الروحية التي ساعدت روحكَ كي تبرأ من الداء الذي تعرضت له، وهكذا تكون أيها الشاب المؤمن، قد قمت بالعمل الصحيح، فأنت استطعت ان تعالج نفسك جسديا، وكذلك روحيا من خلال الحفاظ على مناعتك الروحيّة.  

عن المؤلف

حسين علي حسين/ ماجستير إدارة أعمال

اترك تعليقا