مناسبات

المبعث النبوي الشريف بداية خلاص البشرية

بَلَغَ محمد، صلى الله عليه وآله، الأربعين من عمره، سن الرشد والكمال، وكان قد اختار غار حراء في جبل النور معتكفًا، يعبد الله ويتأمل في خلقه، تلك اللحظات التي كانت مليئة بالصفاء الروحي، بعيدًا عن ضوضاء الدنيا، قلبه طاهر نقّي، ملؤه الإيمان العميق بالله، وقد اختاره الله سبحانه وتعالى ليكون حامل رسالته الخالدة.

في ذلك اليوم المبارك، في السابع والعشرين من شهر رجب، أرسل الله ــ سبحانه وتعالى ــ أمينه وقائد ملائكته جبريل عليه السلام، ومعه أفواج من الملائكة، ليشرفوا محمدًا بأعظم رسالة عرفتها البشرية.

نزل الوحي على النبي الاكرم، فاستقبلته السماء بكل جمالها وبهائها، واحتضنته الأرض بخيرها وبركتها، كان ذلك اليوم بداية لما سيتغير به وجه الأرض إلى الأبد.

قال جبريل عليه السلام: يا محمد، اقرأ

فأجاب النبي عليه الصلاة والسلام، متسائلاً: ما اقرأ؟

ثم جاءه الوحي العظيم، وسمع من جبريل كلمات لا مثيل لها:  {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.

وتمّت البشارة، لقد اختار الله ــ سبحانه وتعالى ــ محمدًا صلى الله عليه و آله، نبياً ورسولاً ليحمل أمانة هداية البشرية، ويُبشرهم بالحق بعد أن غشيهم الضلال، هذا الحدث كان بداية الرحلة التي ستغير التاريخ، وتفتح أبوابَ العلم والنور على مصراعيها.

 وهنالك ابتهجت السماوات، وتزخرفت الأرض و ازينت تعبيرًا عن فرحها بهذا الحدث العظيم الذي أضاء الأرض برسالة النور، لقد اختار الله قلبًا طاهرًا ليكون محط رسالته، و حمل أمانة عظيمة، فارتقى محمد، صلى الله عليه وآله  ليكون الصادق الأمين، و أعظم مثال للإنسان الكامل في جميع جوانب حياته.

ولكن يا ترى كيف كانت حالة الناس في الجاهلية قبيل المبعث النبوي الشريف؟

الإمام أمير المؤمنين، عليه السلام، يتحدث معنا واصفًا الحالة العامة للأمّة التي بُعث النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) إليها: “أرسله على حين فترة من الرُسُل، وطول هجعة من الأمم واعتزام من الفتن، وانتشار من الأمور، وتلظٍّ من الحروب، والدنيا كاسفة النور، ظاهرة الغرور، على حين اصفرارٍ من ورقها، وأياسٍ من ثمرها”. (نهج البلاغة).

إن المبعث النبوي الشريف هو يوم بداية الرحمة الكبرى للبشرية، يوم بدأت الحياة تشرق بنور الإسلام، يوم أضاءت الكلمة السماوية العقول والقلوب، وأصبح الوحي طريقا للنور والهدى، يبني أمما ويسمو بالأرواح.

ذلك اليوم المبارك، كان بمثابة ميلاد جديد، بداية انبعاث الأرض من ظلمات الجهل والظلم إلى نور العلم والعدل. وكان محمد صلى الله عليه وآله، الذي اختاره الله من بين خلقه، هو الوسيلة التي نشر بها هذا النور، وأضاء بها الحياة.

أعظم انجاز

من الصعب جدا تخيل الحياة البهيمية والتخلف والضلال الذي كان يغشى البشرية ولا سيما القبائل في الجزيرة العربية، وكيف أن النبيّ، صلّى الله عليه وآله وسلَّم، استطاع في فترةٍ تاريخيّة وجيزة تحقيق أعظم الانجازات للأمّة جمعاء ومن ذلك التحوّل الكبير الذي حصل في الأمّة على جميع المستويات.

إنّ قبائل الجزيرة العربيّة كانت تعيش على غنائم الحروب فيما بينها وتتفاخر بسيئات الاعمال وقبائح الأفعال، فجاء الرسول الاعظم محمّد بن عبد الله، صلّى الله عليه وآله وسلَّم، ليكون سراجا منيرا

وهنا يجدر بنا الاشارة إلى ما ذكره الإمام علي، عليه السلام، في هذا المجال حيث يبيّن لنا بعض تلك الإنجازات والتحوّلات التي شهدتها الأمّة من خلال البعثة النبويّة الشريفة.

اولا: العنوان العقائدي

فقد نقلهم النبيّ، صلّى الله عليه وآله وسلَّم، من عبادة الأوثان إلى عبادة الله الواحد الاحد وذلك بعد أن كانوا في صحراء التيه والضلال والانحراف، يقول الإمام علي، عليه السلام: “أرسله وأعلام الهدى دارسة ومناهج الدين طامسة”، وقال، عليه السلام: “بعثه حين لا علمٌ قائم ولا منارٌ ساطع ولا منهجٌ واضح”. (نهج البلاغة).

ثانيًا: العنوان الاجتماعيّ

اذ كانت الجاهليّة وأحكامها هي المسيطرة والمهيمنة، يقول الإمام علي، عليه السلام: “إنّ الله تعالى بعث محمّدًا (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وأنتم معشر العرب على شرّ دين و في شرّ دار، منيخون بين حجارةٍ خُشن وحيّاتٍ صُم، تشربون الكدر و تأكلون الجشب، وتسفكون دماءكم، وتقطعون أرحامكم”. (نهج البلاغة).

 لهذا فان اعظم انجازات النبيّ الاعظم محمد، صلّى الله عليه وآله وسلَّم، انه قضى على الجاهليّة واوثانها، ونقلهم إلى مصاف الأمم الراقية، فامتلكوا الدين والعلم، وسادوا الأمم، لكنهم ما لبثوا أن تسافلوا في دركات الذلّة والمهانة عندما تركوا دينهم و إرثهم و رسالة نبيّهم، صلّى الله عليه وآله وسلَّم.

ثالثًا: العنوان الإنساني

إنّ قبائل الجزيرة العربيّة كانت تعيش على غنائم الحروب فيما بينها وتتفاخر بسيئات الاعمال وقبائح الأفعال، فجاء الرسول الاعظم محمّد بن عبد الله، صلّى الله عليه وآله وسلَّم، ليكون سراجا منيرا كما قال الإمام علي، عليه السلام، “أضاءت به البلاد بعد الضلالة المظلمة والجهالة الغالبة والجفو الجافية”. (نهج البلاغة خطبة:151).

إن المبعث النبوي الشريف هو يوم بداية الرحمة الكبرى للبشرية، يوم بدأت الحياة تشرق بنور الإسلام، يوم أضاءت الكلمة السماوية العقول والقلوب، وأصبح الوحي طريقًا للنور والهدى، يبني أمما ويسمو بالأرواح

وهكذا أتم النبي رسالته بعد ان اختاره الله، قال امير المؤمنين علي، عليه السلام:”ابتعثه بالنّور المضيء والبرهان الجليّ والمنهاج البادي والكتاب الهادي حتّى دخل النّاس في الإسلام أفواجا أفواجا. (نهج البلاغة خطبة: 195).

فيا له من يوم، ويا له من حدث عظيم، يوم المبعث النبوي الشريف، الذي أسس لحقبة جديدة مليئة بالأمل والنور، وأضاء دروب البشرية إلى يوم القيامة.

_____________

*عالم دِين من البحرين

عن المؤلف

الشيخ حبيب الجمري

اترك تعليقا