رأي

ماذا يريد الشيعة منّا في حِمْص؟!

هل يريدون السلاح للدفاع عن أنفسهم؟

أم يريدون جهة معينة توفر لهم الأمان لحفظ دمائهم وأعراضهم وأموالهم؟

قبل ان نذرف الدموع ونرفع رايات الحزن على ضحايا الإرهاب الطائفي في مدن سورية يتعرض فيها شيعة أمير المؤمنين، عليه السلام، الى القتل بدم بارد، علينا أن نسأل أنفسنا سؤالاً محورياً، قديماً- جديداً؛ لماذا يجب ان يكون الشيعة دائماً هم الحلقة الأضعف في الصراعات السياسية بالمنطقة؟

ما وصلنا حتى الآن؛ مقاطع مسجلة من الهواتف المحمولة في مدينة حمص السورية، ومناطق أخرى تنقل مشاهد لقتل الشباب الشيعي على يد جماعات تكفيرية، دون أن تكون ثمة زيارات تفقدية للوقوف على حقيقة الأوضاع هناك من قبل منظمات حقوقية او جمعيات إنسانية، وهو تراجع آخر يضاف الى سلسلة التراجعات المنتجة لمزيد من الدماء.

الشيعة في سوريا وفي كل مكان بالعالم بحاجة الى عناصر قوة حقيقية رادعة تجعلهم في مأمن من الجماعات الإرهابية قدر الإمكان، فحمل السلاح أمرٌ مطلوب في ظروف الفوضى القائمة للدفاع عن انفسهم، كما أن الدعم السياسي من بلد مثل العراق، ايضاً مطلوب، بيد أن هذه وأشباهها تمثل عوامل مساعدة، بينما العامل الأهم والأبقى على  الأرض ينبع من داخل المجتمع الشيعي نفسه، فالتحول الكبير والسريع بسقوط نظام حزب البعث في سوريا، وانهيار نظام حكم عمره أكثر من خمسين سنة، لابد ان ينتج افرازات سيئة كامنة طيلة تلكم السنوات من أحقاد وضغائن وثارات من نظام حكم قمعي و دموي.

 الامر الذي يتطلب من شيعة سوريا أن يكونوا أذكى من الآخرين، والتحرك سريعاً للتأكيد على حق المواطنة، والمشاركة في صنع المستقبل الأفضل لسوريا، فالمستقبل الذي تصنعه “هيأة تحرير الشام” مثلاً؛ هو مستقبل الشيعة في الشام، كما هو مستقبل الدروز، والمسيحيين والكُرد والتركمان.

وجود الشيعة في سوريا ليس وليد السنوات القليلة الماضية، إنما يعود لعقود طويلة من الزمن رغم كونهم أقلية بيد أن العمق الحضاري والتراث الفكري والثقافي لديهم جعلهم شريحة محترمة ضمن النسيج الاجتماعي في سوريا

هذه الخطوة الأساس تشكل القاعدة لخطوات أخُر مساندة من جهات شيعية من مختلف بقاع العالم تعزز الموقف الشيعي داخل سوريا، وهي مسألة طبيعية لا يُعاب عليها، ففي كل مكان هناك أقليات أثنية تحظى بدعم ومساندة من الخارج لحل مشاكلهم العرقية او الدينية او القومية، لا أن يكون هذا الدعم سبباً في إثارة الأحقاد الطائفية لدى بعض الجهّال والفوضويين.

وجود الشيعة في سوريا ليس وليد السنوات القليلة الماضية، إنما يعود لعقود طويلة من الزمن رغم كونهم أقلية بيد أن العمق الحضاري والتراث الفكري والثقافي لديهم جعلهم شريحة محترمة ضمن النسيج الاجتماعي في سوريا، ومن أبرز معالم هذا التراث؛ وجود مرقد السيد زينب ابنة أمير المؤمنين، عليه السلام، في إحدى ضواحي العاصمة دمشق، علماً أن الشيعة يتمركزون بالأساس في محافظات حلب و ادلب و حمص، وقد تعرضوا خلال الحرب الأهلية في السنوات بين 2011 وحتى 2016 الى هجمات إرهابية من قبل الجماعات المسلحة المعارضة للنظام آنذاك بدعوى أنهم المستفيدون من وجود نظام الأسد في الحكم، وهذه هي الثغرة التي يجب ردمها الى الأبد.

إن العنف يولّد العنف، هذه معادلة لا يماري فيها أحد، كما أن السياسة متعلقة دائماً بالمصالح، فلا صديق دائما لها ولا عدو، فمن أقصى اليمين، ربما نراها تنطلق على أقصى اليسار، بينما نحن ننشد استقراراً ذو جذور اجتماعية وسياسية على الأرض.

قبل فترة انتقد البعض عملية التواصل بين المتولين لمرقد السيد زينب والجهات الأمنية التابعة لنظام الحكم الجديد، كما صدر الانتقاد واللوم على زائرين عراقيين للمرقد الشريف بدعوى أنهم “يضفون الشرعية على النظام الجديد ذو الطابع التكفيري”، بيد أن التجربة الصغيرة والناجحة في حدود حرم السيدة زينب يفيدنا في توسيع التجربة على نطاق البلد بأكمله وانتزاع فتيل الازمة الطائفية، وهذا لا يَعفي المؤسسات الدينية والثقافية خارج سوريا من دور التحفيز والتشجيع بهذا الاتجاه من خلال البيانات والدعوات للتهدئة، وقبلها؛ القيام بزيارات ولقاءات بالمعنيين في سوريا للحثّ على التعايش السلمي بين جميع مكونات المجتمع السوري بعيداً عن التدخلات الخارجية.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا