ظنَّ المجرم هارون العباسي أن القتل بالسم لعالم وإمام آل محمد موسى الكاظم، صلوات الله عليهم، سيتخلص من الخطر الذي يداهمه بوجود الإمام في سجونه، فأعدّ كديدن الطغاة سيناريو التصفية بدءاً من ادخال شخصيات معروفة عليه في سجنه كي ينقلوا للناس أنه بخير ثم جرى تسميمه بأمر من هارون.
لماذا الخوف منه؟!
لأنه إمام حق من الله تعالى ويتوجب على الأمة طاعته وهو الخليفة الشرعي، أما حكام بني العباس ومن قبلهم حكام الجور، فقد ارتموا في حضيض الفساد الأخلاقي والتهالك على الدنيا فلم يكتفوا بظلم الأمة وسلب أموالها، بل ظلموا قادتها الشرعيين الذين أورثهم الله ــ تعالى ــ مسؤولية قيادة الأمة وهداية الناس بعد النبي محمد، صلى الله عليه وآله، بدءاً من أمير المؤمنين علي عليه السلام، وانتهاءً بالمهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف، هؤلاء الأئمة قال الله بشأنهم: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}، ومسؤوليتهم هي العمل بالقرآن {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}.
التزييف التاريخي
لا زال التاريخ الرسمي في أكثر بلاد المسلمين يصف الطاغية هارون بأنه (اتقى وازهد حكام بني العباس) في حين كان عهده؛ عهد ألف ليلة وليلة، من فجور وظلم لا يُطاق، وكان دموياً لا يتورع عن قتل الكثيرين حتى من قاموا بخدمته بل كان يقتل بعض جواريه.
الانتقام الإلهي لشهادة الإمام الكاظم كما شهادة الإمام الحسين، عليهما السلام، ستكون بإنهاء حكم الطغاة وجورهم في العالم مع قيام الإمام المهدي، عليه السلام، بنهضته وتطبيقه لحكم الله العادل في الأرض كلها
وهذه شهادة واحدة من بين مئات الشهادات عن مدى فجوره وظلمه: روى ابن كثير في كتاب البداية والنهاية (۱۰ / ۲۰۷) أنه كانت لجعفر البرمكي (كبير وزراء هارون) جارية مغنية اسمها دنانير، فطلبها منه هارون فلم يعطها، فلما قتله (اي قتل البرمكي) أخذها وأحضرها في مجلس شرابه، وطلب منها أن تغني فرفضت: “فوثب إليها الرشيد وأخذ العود من يدها وأقبل يضرب به وجهها ورأسها حتى تكسر وأقبلت الدماء، وتطايرت الجواري من حولها، وحملت من بين يديه فماتت بعد ثلاث.
وأقرب مثال معاصر لهارون؛ طاغية العراق البائد صدام الذي قتل المراجع والعلماء والملايين من البشر، ولم يسلم منه حتى رفاقه من أعضاء ما كان يسمى “مجلس قيادة الثورة”، ووزرائه، فقتل الكثير منهم وعاش في بذخ وفجور القصور، إلا إن بعض العرب يمجدونه!
الانتقام الإلهي
بمجرد انتشار قتل إمامنا الكاظم وإخراجه من السجن بطريقة مهينة انقلب السحر على الساحر، فضجت بلاد المسلمين مستنكرةً لمقتله، وحاول الطاغية ان يتنصل من قتله متهماً غيره، وسرعان ما تفجرت ثورات العلويين ضد الحكم العباسي، بل اخذ التشيع ينتشر بشكل اوسع في البلاد حتى اضطر المأمون ان يولّي الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ولاية العهد ليكسب رضا المسلمين ويوقف الثورات ضد العباسيين.
الانتقام الإلهي لشهادة الإمام الكاظم كما شهادة الإمام الحسين، عليهما السلام، ستكون بإنهاء حكم الطغاة وجورهم في العالم مع قيام الإمام المهدي، عليه السلام، بنهضته وتطبيقه لحكم الله العادل في الأرض كلها.
إلا إن هناك انتقاماً آخر في زمن الرجعة المبارك حيث يُؤتى بكل طغاة الارض وفي قبالهم رجوع المؤمنين المظلومين وفي مقدمتهم الرسول الأعظم وأهل بيته صلوات الله عليهم، فيشهد الجميع إحقاق الحق وإزهاق الباطل عالمياً وانتصار دولة أهل البيت عليهم السلام.
أما الانتقام الثالث لمظلومية أهل البيت عليهم السلام فهو في يوم القيامة حيث الحساب العلني للطغاة أمام الخلائق كلهم ثم يُرمى بالحكام المنافقين (فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً).
لا زال التاريخ الرسمي في أكثر بلاد المسلمين يصف الطاغية هارون بأنه (اتقى وازهد حكام بني العباس) في حين كان عهده؛ عهد ألف ليلة وليلة، من فجور وظلم لا يُطاق، وكان دموياً لا يتورع عن قتل الكثيرين حتى من قاموا بخدمته بل كان يقتل بعض جواريه
الملايين المباركة
تشهد الكاظمية المقدسة سنوياً وبزيادة عددية كل عام تواجداً مليونياً واسعاً لإحياء ذكرى استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام وبتأثر بالغ حزين للغاية وكأنه استشهد لتوه.
حمداً لله تعالى فقد توفقت قبل حوالي ٨ سنوات بالحضور مع اولئك الملايين، ووفقت هذا العام ١٤٤٦هجري، إلا أن الفارق بات كبيراً في عدد الحضور وثقل الإحياء الذي لا يتوقف حتى في منتصف الليل وكأننا في أيام الأربعين في كربلاء المقدسة.
طوبى لمن يُحي ذكرى شهادة هذا الإمام العظيم والمظلوم وبالخصوص من يتحملون الصعوبات والسفر في الحر والبرد ويُقدمون إلى الكاظمية الشريفة ليواسوا أهل البيت عليهم السلام في هذا المصاب الجلل.
نسأل الله تعالى ان يثيبهم بأحسن الثواب والبركات على هذا الإحياء الكاظمي المشرّف.
عظم الله أجوركم.
*عالم دين من البحرين