هنالك شركاء في عملية تربية الأبناء ليس الاهل وحدهم من يقومون بهذه المهمة الجليلة، فالبيئة المحيطة هي أحد الشركاء المهمين على المستوى التربوي، وتسهم في تكوين شخصية الأولاد، وكذلك تؤدي المدرسة دورا مهما في التنشئة الاجتماعية، اذ تشكل رافدا مهما من روافد التربية اليومية.
كثير من يتساءل عن حجم الدور الذي تؤديه المؤسسات التربوية في تربية الأبناء، فالبعض يشكك بهذا الدور ويقلل من شأنه باعتباره من الأدوار الثانوية، معطين الدور الأول والاساس الى الاهل والبيئة المنزلية في صقل شخصية الأولاد، وربما هم محقون بهذا الطرح لان الاهل هم الأشخاص الذين يتعاملون مع الطفل في سنوات عمره الأولى.
هذا الطرح يحمل من المنطقية ما يعطيه الأولوية التي تجعله في مقدمة الركائز الأساسية التي تقوم عليها شخصية الأولاد، من الاهل يتعلم الابن بعض الخصال الرئيسية التي تقوم عليها حياته فيما بعد، مثلا إذا نشأ الطفل في بيت مهتم في الأمور العبادية، تراه تلقائيا يسير بنفس الطريق الذي يسير فيه الاهل، وعلى العكس إذا كان الابن وعى على اهله مقصرين في هذه الجوانب بالتأكيد سيخلفهم بهذا الاتجاه.
وكما يقال “الطفل صفحة بيضاء اكتب عليها ما تشاء” أي ان الطفل لوحة بيضاء يمكن لمن يريد ان يخط عليها ما يريد، فإذا كان الخطاط بارع في الجوانب التربوية، يكون له الأثر الطيب في اكمال معالم هذه اللوحة الفنية التي تتشكل لتكون المرآة العاكسة لشخصية الطفل بمرور الوقت.
عملية التنشئة تجعل من الطالب ناقل رسمي ووسيط مادي لنقل القيم والمبادئ الاجتماعية الى الأجيال الأخرى
والمقصود هنا بالخطاط هي الاسرة التي ينتمي اليها الابن ويترعرع بين جنباتها، فان صلحت هذه الاسرة صلح ما سواها، وان كانت غير ذلك سيتضح ذلك على حياة الأبناء مع تقادم السنوات، وعليه تؤكد الدراسات العلمية والآراء الفقهية على ضرورة ان يكون الطفل في مراحله الأولى في بيئة سليمة على مختلف النواحي.
وما يعضد دور الاسرة في التربية الاجتماعية هي المدرسة، على الرغم مما تتعرض له هذه المؤسسة من تحديات كبيرة استطاعت ان تُحيدها عن دورها الأساس الذي يركز في الدرجة الأساس على التربية والتعليم، ولكن يبقى دورها حاضرا امام الاعيان رغم جميع الهنات الي وقعت فيها لا سيما في السنوات الأخيرة.
يحكي لنا الاسلاف عن الدور الكبير الذي تؤديه المدرسة في الجانب التربوي، ومن مظاهر هذا الدور هو الاحترام الكبير الذي يكنه الطالب للأستاذ، حتى يصل هذا الاحترام الى عدم السير امام المعلم او المدرس في حال تلاقيا في السوق او في مكان عام، يتعمد الطالب بالوقوف على جانب وفسح المجال لأستاذه بالمرور.
ومن صور الاحترام أيضا عدم الجلوس في المكان الذي يتواجد فيه أحد المعلمين او المدرسين، وعلى هذا المنوال تسير الأمور داخل الفصل الدراسي، فالمعلم يؤدي دوره التربوي الذي يجعل الطلاب يحملون قدرا كبيرا من القيم التربوية التي ورثها من اساتذته في مراحله الدراسية.
فعملية التنشئة هذه تجعل من الطالب ناقل رسمي ووسيط مادي لنقل القيم والمبادئ الاجتماعية الى الأجيال الأخرى، وهو ما يؤكد الدور الكبير الذي تؤديه المؤسسة التربوية في حياة الطلبة، لكن هذا الدور انحسر في السنوات الأخيرة لجملة من العوامل التي تسبب فيها الانسان.
مع مرور الوقت تغيرت العديد من قواعد العمل في المؤسسات التعليمية، وقل دور المعلم الذي يحمل لقب المربي الفاضل، فلم يعد هذا المربي له القول الفصل في تعليم الطلبة وتربيتهم، واقتصر دوره على تقديم المادة العلمية بطريقة او بأخرى وينتهي دوره الى هذا الحد.
بينما كان له الدور الكبير والمؤثر على حياة الطلبة، وسأروي هنا حكاية واقعية، ربما تمتزج بنوع من الخيال، يروي أحد التربويين عن استاذه في مرحلة الابتدائية، انه كان يجلب الى الصف بعض قطع الجبن، والصمون والمربى والسكين، ويقوم باختيار عدد من الطلبة ويأمرهم بتقطيع الصمون وإدخال الجبن بداخلها.
اتضح بعد سنوات ان الطلبة الذين يتم اختيارهم من بين العشرات في الفصل الدراسي يوميا، اتضح انهم من الفقراء الذين لا يجدون لقمة الإفطار قبل المجيء الى المدرسة، والمعلم هنا أراد عدم اشعارهم بعوزهم الذي قد يتحرجون منه، فيما إذا علم زملائهم، لكنه اختار هذه الطريقة التعليمية ذات الابعاد الإنسانية.
بهذه القصة وغيرها من القصص التي لم يتسن الاطلاع عليها تكون المؤسسة التربوية قد مهدت الطريق امام الطلبة للسير على النهج التربوي واقتفاء الأثر الإنساني الذي يريده اهل بيت النبوة صلوات الله عليهم اجمعين ان يعم في الأوساط المجتمعية، وأكدت أحاديثهم الى أهمية التربية السليمة التي تخلق فردا صالحا نافعا في مجتمعه.
التعاون بين الاهل والمدرسة هو ما يعضد دور المؤسسة التربوية ويجعلها صاحبة السبق في تعزيز القيم العالية
يتسابق في بعض الأحيان المؤسستين التربوية والمنزلية، ففي بعض الأحيان يتفوق دور المنزل في التربية الاجتماعية، وأحيانا أخرى يكون التفوق حليف المدرسة، وفي الحقيقية المؤسستين يؤديان دورا بالتوازي مع بعضهما، ويحرصان على إيجاد نوع من التوازن فيما بينهم.
المدرسة وعلى امتداد أسابيع الدراسة التي يتكون منها الفصليين الدراسيين، تقدم الدعم الأساسي في العديد من المجالات الفكرية والتنموية والاجتماعية والدينية، بحيث تكون كل مرحلة مكملة للأخرى من اجل الوصول بالطلبة الى مرحلة النضوج الكامل وتحويلهم الى اشخاص مسؤولين عن اسر ومهن متعددة في المستقبل القريب.
فالتعاون بين الاهل والمدرسة هو ما يعضد دور المؤسسة التربوية ويجعلها صاحبة السبق في تعزيز القيم العالية، وتشير العديد من الدراسات التي اجري في هذا المجال الى ان الشراكة بين الجانبين تجعل الجيل الناشئ أكثر تعلقا في الفعاليات العلمية والاجتماعية التي تكرس لديهم حب العلم وضرورة التعلم والاعتياد على الممارسات الأخلاقية.
الخلاصة … الى أولياء الأمور عليكم بتوصية ابنائكم من اجل الانخراط في الفعاليات المدرسية المنوعة؛ ذلك ان كل فعالية تشكل محطة تعلم إضافية في حياتهم العملية، وتشكل أيضا فرصة من فرص تعزيز قيمة الاحترام والمحبة وكل ما يتعلق بالخُلق الحسن الذي حث عليه الإسلام ومبادئه السمحاء.