أسوة حسنة

الإمام علي وتكريس المسؤولية الاجتماعية والدينية

عندما تمر علينا ذكرى ولادة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عليه السلام، في الثالث عشر من شهر رجب المرجب، ذلك الحدث التاريخي العظيم الذي لم يكن له مثيلاً قط، حيث تشرف بيت الله، باستقبال ذلك الوليد العظيم، الذي لولاه لما قام للدِين قائمة بعدئذٍ، فمن الجيد أن نستذكر هذه المناسبة العطرة ونفرح بها ونستذكر الكرامات العظيمة لهذا الوليد العظيم، ونحيي ذكره فذكره عبادة وغفران للذنوب، ولكن الأهم هو أن نجعل منه قدوةً لنا، نتعلم منه الدروس والعبر ونقتفي اثره ونتبع منهجه.

فمعَ مرور ذكرى ولادته، عليه السلام، تتولد قيمه و منهجه من جديد، وعلى المؤمنين الموالين ان يجدوا ويجتهدوا في سبيل الاستفادة الحقيقية منه والسير على خطاه، وها نحن اليوم نحاول أن نأخذ ولو درساً واحداً من دروس هذه الشخصية العظيمة فهو: {ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ مُخۡتَلِفُونَ}.

والدرس الذي نتعلمه بهذه المناسبة هو تكريسه للمسؤولية الدينية والإجتماعية، فالإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام، هو نموذج مثالي للقائد الذي عمل على ترسيخ المبادئ والقيم الإسلامية في قلوب الناس. لم يقتصر دوره على الجوانب السياسية والعسكرية فقط، بل كان له دور عظيم في تحميل المجتمع مسؤولياته الدينية والاجتماعية من خلال توجيهاته وكلماته وأفعاله.

تعزيز الوعي الديني

من أولى مهام الإمام علي، عليه السلام، كان توعية الناس بأهمية الدِين في حياتهم الفردية والاجتماعية، كان يوضح لهم أن الإسلام ليس مجرد عبادات وشعائر، بل هو منظومة شاملة تهدف إلى بناء إنسان صالح ومجتمع عادل، قال عليه السلام: “إن الله فرض عليكم فرائض، فلا تضيعوها، وحدّ لكم حدوداً، فلا تعتدوها، ونهى عن أشياء، فلا تنتهكوها.”

بهذه الكلمات، كان يدعو الناس إلى الالتزام بتعاليم الدين بفهم عميق وبروح مسؤولة، كما كان عليه السلام في كلماته كثيراً ما يؤكد على أهمية الوعي، فعنه، عليه السلام: “إذا لم تكن عالماً ناطقاً فكُن مستمعاً واعياً”.

الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام، هو نموذج مثالي للقائد الذي عمل على ترسيخ المبادئ والقيم الإسلامية في قلوب الناس، فلم يقتصر دوره على الجوانب السياسية والعسكرية فقط، بل كان له دور عظيم في دفع المجتمع نحو مسؤولياته الدينية والاجتماعية من خلال توجيهاته وكلماته وأفعاله

و يصف عليه السلام، العاقل: “إن تكلَّمَ أصاب وإنْ سمِعَ وعى”، وعنه: “رحِمَ اللهُ امرءً سمِعَ حُكماً فوعى”. وفي وصفه لآل محمد، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: “عقلوا الدين عقلَ وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية، فإنَّ رواةَ العلم كثير ورعاته قليل”.

إذن فأمير المؤمنين، عليه السلام، كان يريد أن يؤكد على ان اصل الدِين وحقيقة الإيمان هو الوعي، لا مجرد شعار أو كلام أومظهر لا روح فيه.

العدل والمساواة كمسؤولية جماعية

كان الإمام علي، عليه السلام، يرى أن العدل أساس استقرار المجتمعات، ومن موقعه كخليفة، جعل من العدل نهجا عمليا لتحمل المسؤولية الاجتماعية، فكان يُشرك الناس في القضايا العامة، ويحثهم على التصدي للظلم والفساد، يقول في إحدى خطبه: “الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.”

بهذا القول، علّم الناس أن المسؤولية الاجتماعية لا تقتصر على مساعدة الأقرباء أو الأحباب فقط، بل تمتد لتشمل جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن اختلافاتهم.

واكد الإمام في أكثر من موضع على أهمية العدل فقد قال (عليه السلام): “إنّ العدلَ ميزانُ الله سبحانه الذي وَضَعَه للخَلْق، ونَصَبَه لإقامةِ الحقّ، فلا تُخالِفْه في ميزانِه، ولا تُعارضْه في سلطانِه”.

وقد جسد العدل بمنهجه وحياته فكان عليه السلام المصداق الأكبر للعدل والعدالة وهو القائل: “واللهِ لو أُعطِيتُ الأقاليمَ السبعةَ بِما تحتَ أفلاكها، على أن أَعصيَ اللهَ في نملةٍ أسلُبُها جُلْبَ شَعيرةٍ ما فعلتُه. وإنّ دُنياكم عندي لأهونُ مِن ورقةٍ في فمِ جَرادةٍ تَقضَمُها. ما لِعليٍّ ولنعيمٍ يَفنى، ولذّةٍ لا تبقى نعوذُ باللهِ مِن سُبات العقل، وقُبحِ الزَّلَل، وبه نستعين”.

فكان بكلامه وتوجيهاته فضلاً عن سلوكه ومنهجه يريد أن يعلم الناس على التزام العدل والمساواة منهجاً وسلوكاً في حياتهم.

العمل والاجتهاد مسؤولية الجميع

دعا الإمام علي عليه السلام إلى تحمل مسؤولية العمل والإنتاج باعتباره أساس بناء المجتمعات. كان يقول: “قيمة كل امرئ ما يحسن.”

بهذا المبدأ، كان يحث الناس على استغلال قدراتهم ومواهبهم في خدمة أنفسهم ومجتمعاتهم، وعدم الاتكال على الآخرين، وكان دائما يشدد على أهمية الكسب الحلال والسعي الدؤوب لتحقيق الاكتفاء الذاتي.

كما أنه يؤكد على ان العمل يعطي للإنسان القوة حيث يقول : من يعمل يزدد قوة من يقصر في العمل يزدد فترة”.

وعن التأثير النفسي للعمل يقول: من قصّر في العمل أبتلي بالهم”.

وكان، عليه السلام،  باقواله وأفعاله يؤكد على أهمية العمل في خدمة الإنسان لنفسه ويجعله يستغني عما في أيدي الناس ويوفر له الحياة الكريمة، كما كان عليه السلام يقوم بالأعمال التي توفر له ذلك، بالإضافة إلى أنها فيها فائدة وخدمة للصالح العام وللمجتمع، فهو كان يأكل من كد يده وذلك من خلال عمله في حفر الآبار أو زراعة النخيل والأشجار.

فهو بهذا عمله يريد أن يعلّم الإنسان أن يكون في حالة انتاج وعطاء، وان لا يكون أنانياً يفكر بنفسه ومصلحته فقط، وإنما يفكر بفائدة وخدمة مجتمعه و يقوم بالأعمال التي تكون فائدتها للإنسان وللمجتمع.

كان أمير المؤمنين يحث الناس على استغلال قدراتهم ومواهبهم في خدمة أنفسهم ومجتمعاتهم، وعدم الاتكال على الآخرين، وكان دائما يشدد على أهمية الكسب الحلال والسعي الدؤوب لتحقيق الاكتفاء الذاتي

هذا بالنسبة للعمل المادي، فضلاً عن العمل الديني الذي كان جلّ وقت أمير المؤمنين، عليه السلام له، ومن العمل الديني هو اداء الفرائض والتطوع بالنوافل، وكذلك الإصلاح وتربية أبناء المجتمع على الأخلاق والقيم وتعليمهم كتاب الله، واداء مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاهتمام بالفقراء والايتام والمستضعفين، وإقامة العدل في الأرض والجهاد في سبيل الله وغيرها من الأعمال الصالحة الكبيرة والكثيرة التي كان جل وقته عليه السلام فيها والشواهد من حياته وسيرته كثيرة في ذلك.

المسؤولية عن المستضعفين

الإمام علي، عليه السلام، كان من أكثر القادة اهتماما برعاية المستضعفين والضعفاء في المجتمع. كان يقول: “الله الله في الأيتام، فلا تغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم.”

دعا الناس إلى تحمل مسؤولية رعاية المحتاجين، وتوفير الحياة الكريمة لهم، معتبرا أن هذه المسؤولية تقع على عاتق كل فرد في المجتمع، وليس فقط على الحاكم أو أصحاب المال.

تحفيز الناس على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

من أهم تعاليم الإمام علي عليه السلام تحفيز الناس على ممارسة دورهم في إصلاح المجتمع من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كان يقول: “لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّى عليكم شراركم، ثم تدعون فلا يُستجاب لكم.”

بهذا القول، كان الإمام يؤكد أن إصلاح المجتمع واجب جماعي، وأن السكوت عن الأخطاء يؤدي إلى تفشي الفساد والظلم، فالإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام، قدّم نموذجا فريدا في حث الناس على تحمّل مسؤولياتهم الدينية والاجتماعية، كان يرى أن بناء الإنسان الصالح والمجتمع العادل يبدأ من شعور الفرد بمسؤوليته تجاه نفسه وتجاه الآخرين وتجاه دينه بتعاليمه وأفعاله، وضع أسسا راسخةً لمجتمع يتحمل فيه الجميع مسؤولياتهم، ويعملون معًا لتحقيق الخير والعدالة.

عن المؤلف

الشيخ حسين الأميري

اترك تعليقا