تعد الصداقة واحدة من الاحتياجات الضرورية للفرد في مقتبل حياته، وهي كغيرها من الممارسات الحياتية التي يجب ان تتوفر جملة المهارات لتعلمها من قبل الفرد في مرحلة مبكرة من حياته قبل دخوله المرحلة الدراسية، إذ يأتي دور الاسرة تنمية هذه المهارة لدى أطفالهم والعمل على تكوين شخصيتهم بالصورة المقبولة اجتماعيا.
يصطحب الاهل ــ عادة ــ أبناءهم وهم في اعمار مبكرة الى زيارات الأقارب، الذين يجتمعون في منزل الاب او من ينوب عنه من العائلة، فيحصل التقارب واللقاء بين الأبناء المتقاربين في العمر، فتجد أصحاب السنتين يجلسون ويلعبون معا، وكذلك من لديهم أربعة سنوات وهكذا بقية الفئات العمرية.
هذه اللقاءات الدورية والاجتماعية العائلية تنمي لدى الأبناء الحاجة الى تكوين الصداقات، وتعد الركيزة الأساسية التي ينطلق منها الأبناء للدخول الى عالم الصداقة الرحب، إذ تفرض عليهم هذه اللقاءات نمطا جديدا من التعامل مع الأطفال من هم بعمرهم، ويبدأون بهذه المرحلة في اختيار الأصدقاء الذين يقضون معهم وقتا ممتعا وقد تستمر هذه اللقاءات الى مرحلة المراهقة والشباب.
إذا كان الصديق يتمتع بالأمانة والصدق وحبَّ الخير والاجتهاد والمثابرة سينعكس بالتأكيد على خصال صديقه
لا تعطي الكثير من الاسر أهمية لهذه الجوانب المهمة في حياة الأبناء، فيتركون أبناءهم يختارون اصدقاءهم بعيدا عنهم، ولهذا يقع الأولاد في العديد من الأخطاء، فلنبدأ من مرحلة الروضة، يوضع الأبناء في فصول دراسية مزدحمة ومختلفة من حيث المشارب والمراجع الاسرية والاجتماعية، وبهذه المرحلة يصعب على الطفل التمييز بين الصالح والطالح.
ويلتقي خلال هذه السنوات التي تسبق المرحلة الابتدائية بالكثير من النماذج الي يوجد فيها المشاكس والهادئ وهكذا، بما يجعله يكتسب سلوكيات غير مرغوبة او محببة، ويقع اختياره على أصدقاء طفولة غير جيدين من وجهة نظر الاهل، وقد يصعب توضيح الامر للأبن وهو بهذه المرحلة التي لا يستطيع بموجبها التمييز والتوصل الى الاختيار الصحيح.
لكن لهذا الاندماج أهمية كبيرة وفوائد جمة، منها الاستعداد نفسيا لتقبّل الآخر وتكوين صداقات قوية قائمة على محددات لا يمكن تجاوزها في المستقبل، فعندما يسمع من الاهل ان الأصدقاء يجب ان يكونوا بهذه الصورة من الاخلاق والأمانة والتعامل الحسن مع الاهل والجيران، بالتأكيد يكون لهذا الكلام وقعه وتأثيره على الأبناء من الناحية النفسية والأخلاقية والسلوكية.
على الاهل عدم نسيان أهمية تكوين الأصدقاء بالنسبة للأطفال، وان يحرصوا على تفعيل هذه الجوانب في شخصية الأبناء، ليتكون لديهم فكرة واضحة عن كيفية الحياة في هذه المرحلة، فالأبناء عادة ما يتأثرون بالأصدقاء المقربين الذين يصبحون فيما بعد مصدر من مصادر الالهام والتفكير واختيار أسلوب ونمط العيش، فاذا كان الصديق كذّاب ستتحول هذه العادة السيئة الى الصديق المرافق.
وإذا كان الصديق يتمتع بالأمانة والصدق وحبَّ الخير والاجتهاد والمثابرة سينعكس بالتأكيد على خصال صديقه، ومن هنا تنبع أهمية تكوين الصداقات وانعكاساتها على الأبناء، لكن ثمة من يعتقد ان الصداقات غير ضرورية او غير مهمة في المراحل العمرية الأولية للطفل.
ربما هنالك نسبة من الاحقية لحاملي هذا الاعتقاد، وتعود الاحقية الى خطورة هذه المرحلة وعدم التفريق بين ما هو نافع وضار، لذلك يؤكدون أهمية بقاء الطفل في دائرة ضيقة تتمثل بدائرة المنزل، ليتم اكتساب مهارات وسلوكيات عائلية حميدة، يتسلح بها ليكون قادرا على مواجهة المؤثرات الخارجية التي يتعرض لها في البيئات الأخرى (الروضة ـ المدرسة).
وقد يعاني بعض الأطفال من إيجاد صديق او أكثر من ذلك، اذ يعود السبب في عدم الإيجاد الى الخجل او بعض المعوقات الاجتماعية، ويقصد هنا بالمعوقات الاجتماعية هي ان بعض الاسر تحاول ان تكون منعزلة عن المجتمع نتيجة الاضطرابات الحاصلة وانتشار المظاهر السلبية بصورة كبيرة.
كأن يكون الابتعاد عن الأمور العبادية كالصلاة والصوم والغيبة والنميمة، وقول الباطل وغيرها من الأمور التي تفرض على الكثير من الأهالي البقاء في المنازل وفرض عدم الخروج واللقاء بالآخرين الذين يشكلون مصدر خطر على أبنائهم بما يحملون من صفات سيئة تخالف التعاليم الإسلامية والقيم الاجتماعية السائدة.
لكن انتشار مثل هذه الممارسات لا يعني ان نلغي او نمنع الأبناء من الاختلاط بالآخرين، شريطة ان يكون هذا اللقاء والاختلاط تحت المراقبة الاسرية وكل ما يحصل يكون بعلم الاهل، ليمكنوا من تشذيب التصرفات غير اللائقة والتي تتسبب مع مرور الوقت بانحدار المجتمعات وتراجعها.
على الاهل عدم نسيان أهمية تكوين الأصدقاء بالنسبة للأطفال، وان يحرصوا على تفعيل هذه الجوانب في شخصية الأبناء، ليتكون لديهم فكرة واضحة عن كيفية الحياة في هذه المرحلة
ولكي نسهل على الطفل مهمة اختيار الأصدقاء علينا أولا وضع الشروط او الصفات اللازم توفرها في الصديق الناجح، والتي تنضوي تحت جملة من المواصفات، أولها الالتزام الديني الذي يكون في العادة المانع الفعلي او الرادع عن ارتكاب المحرمات.
اما المحدد الثاني هو الاسرة التي ينحدر منها الصديق الذي يرغب الابن بالاقتران فيه، فإذا كانت من الاسر ذات السمعة الطيبة والمعرفة بحسن السيرة والكرم والمروءة وغيرها من السجايا الكريمة، لا ضير في ان كون يكون ملازما للأولاد في الجلسات الخارجية وغيرها من النشاطات الرياضية.
ونكتفي بذكر المحدد الثالث والمتمثل بتعليم الأبناء ان الأصدقاء هم العنصر المكمل لشخصيتهم، وليس بالضرورة ان يكون توافق مطلق مع الصديق، وعليه تحصل الكثير من الاختلافات في وجهات النظر وتباين في الآراء، فيجب ان يكون عنصر تقبل الآخر هو السائد، لضمان ديمومة هذه العلاقة، وان حصل العكس فهذا يعني ان الطرفين فشلا في تجاوز منطقة الخلاف والبقاء في المشتركات.
الخُلاصة؛ افسحوا المجال قليلا لأبنائكم في اختيار اصدقائهم، وان أخطأ أحدهم في الاختيار يتوجب عليكم التدخل لتصويب الامر والوقوف الى جانبه لحين العثور على الصديق الذي يلبي رغبته في الحصول على من يكون رفيقا لدربه ومخرجا له من وحدته.