فکر و تنمیة

عام 2025.. رؤية شبابية ثاقبة

في كثير من الأحيان، نتفاجأ بطفل صغير، أو مراهق، أو شاب، يعرض علينا مشروعه الصغير في فديو أو في كلمات بسيطة يسعى من خلالها إلى أن يبني شيئا خاصّا به، وهذا في الواقع يثير إعجابنا، خصوصا عندما يكون التنافس بين هؤلاء الأطفال والمراهقين والشباب، قائما على معايير العدل بين الجميع، مع نزاهة التقييم، وعدم تفضيل شخص على آخر إلا عن طريق التميّز والإبداع.

لقد أتاح عالم اليوم الإلكتروني، وشبكة الإنترنيت، وحالة الانفتاح للتواصل، فرصا إضافية للشباب لكي يواكبوا التطورات الراهنة في الثقافة والفنون وفي الدِين والعلوم المختلفة، وهذا الميدان ليس ممنوعا على شبابنا وحتى أطفالنا، بل على العكس نحن على ثقة بأنهم متميزون أذكياء، وأنهم عندما يتنافسون مع الآخرين، غالبا ما يحرزون المركز المتقدمة، لذلك تجد اسم العراق في المقدمة أيضا.

هذا التفوق في الحقيقة هدفه بلورة الرؤية الشبابية المسبقة، وصقلها، ودراستها جيدا، لأنها المنطلق نحو بناء الأفكار والمشاريع الشبابية الصائبة، وأنا شخصيا جربت هذا المجال كوني أحد الشباب العراقيين، عندما رسمت رؤيتي الخاصة في التفوق الدراسي أولا، ومن ثم الاطلاع على آفاق أخرى غير الدراسة المنهجية، فقرأت الأدب، وحتى الاقتصاد، وتشكلت في حصيلتي وحافظتي خبرات معرفية وعلمية وأدبية متراكمة، وهذا في الحقيقة يعود إلى وضع الرؤية السليمة، والتخطيط لها بشكل جيد.

المقصود هنا بالرؤية، هي التخطيط للهدف المطلوب عبر الخطوات التالية:

أولا: ماذا تحتاج كي تتحرك نحو الهدف؟

ثانيا: دراسة المشكلات والعوائق المحتمَلة.

ثالثا: استشراف المفاجآت بطريقة استباقية.

مطلوب من شبابنا زجَّ أنفسهم في عملية التدريب والمران بشقّيْه النظري والتطبيقي، فعليهم أولا القراءة والاطلاع ومتابعة ما يجري في العالم، والبحث النظري المستمر في بطون الكتب والمؤلَّفات المختلفة، ومتابعة الوسائل الأخرى كالأفلام العلمية والفنية المتخصصة

رابعا: مدى توفر الإمكانات الذاتية لديك.

خامسا: الاستعداد النفسي المسبق للنجاح عبر الإصرار والمثابرة.

هذه الرؤية يمكن أن توصف بالثاقبة، إذا بادر الشاب بوضعها مسبقا، ودراستها، ومن ثم محاولة التجريب الفعلي، من باب المران أو التدريب، فليس من المعقول أن تدخل معترك الأعمال من دون التدريب واستحصال الخبرات المطلوبة، فكما نعرف حتى الشخص الذي يريد أن يتعلّم فن السياقة، يتحرك فورا نحو الجهات أو المؤسسات التي تقدم عرضا يخص تعليم السياقة في دورات أسبوعية أو شهرية، بعد ذلك يكتسب الإنسان القدرة والجرأة على دخول الشارع ومنافسة السيارات الأخرى.

هذه الجرأة التي يحتاجها السائق كي ينزل إلى الشوارع، يحتاجها أيضا الشباب والأطفال والمراهقون، كي يخططوا لمشاريعهم عبر رؤية جريئة ترافقها مثابرة وإصرار وذكاء يسير بهم نحو الهدف المطلوب، بمعنى أن شبابنا مطلوب منهم زجَّ أنفسهم في عملية التدريب والمران بشقّيْه النظري والتطبيقي، فعليهم أولا القراءة والاطلاع ومتابعة ما يجري في العالم، والبحث النظري المستمر في بطون الكتب والمؤلَّفات المختلفة، ومتابعة الوسائل الأخرى كالأفلام العلمية والفنية المتخصصة، أو المنصات التي تقدم خبرات تفيد الشباب وتجعلهم أكثر معرفة وسعة اطلاع، وأكثر خبرة في المشاريع التنافسية المختلفة.

أحيانا تكون هناك خشية من الانخراط في عالم التنافس العالمي، وهناك خوف من الثقافات والأفكار الخبيثة، وهذا بالفعل تفكير مشروع، لحماية عقول أطفالنا ومراهقينا وشبابنا، لأن هناك نيّات ليست طيبة ترافق بعض التجارب والخبرات، وكأنها تقدم طعاما مدافٌ بالسمّ، فيأكله الشاب لمذاقه اللذيذ، لكنه لا يعلم أنه مخلوط بالسموم القاتلة، فيتم تلويث عقله وأفكاره، ثم يُصاب بعد الاستقرار النفسي والقلق والتشتت، كونه صار عرضٍٍة للتيارات الثقافية والعلمية والفنية المغرضة، ما هو المطلوب في هذه الحالة؟

هل ينعزل أطفالنا وشبابنا عمّا يجري من تطورات علمية وفنية وأدبية وثقافية في العالم؟

التفوق في الحقيقة هدفه بلورة الرؤية الشبابية المسبقة، وصقلها، ودراستها جيدا، لأنها المنطلق نحو بناء الأفكار والمشاريع الشبابية الصائبة

بالطبع ليس هذا هو الحل الصحيح، فنحن أمة تمتلك إرثا معرفيا دينيا وثقافيا قويا وصلبا، في أسس وجذور ثابتة الجنان، كل ما نحتاجه هو أن نترك الشباب والمراهقين والأطفال يواجهون هذه العقبات وحدهم، علينا أن نوضح لهم الأمور بجلاء، وأن نقف إلى جانبهم علميا ومعرفيا ودينيا، ونبيّن لهم الأسس والقواعد الصحيحة التي يتسلحون بها، ويواصلون الانخراط في عالم التنافس، مع وضع الرؤية التي تحقق لهم الأمن التنافسي السليم.

في سنة 2025، يحتاج أطفالنا ومراهقونا وشبابنا إلى رؤية ثاقبة، تعتمد الخطوات والفعاليات التي تم ذكرها في أعلاه، وفي الحقيقة هناك مسؤولية كبيرة تقع على الآباء والأمهات وعلى المعلمين والمدرسين والأكاديميين، أن يدعموا هذه الشريحة جيدا، وأن يزيلوا القلق والمخاوف من مسايرة مستجدات الشباب عالميا، مع التركيز على الجرأة التنافسية وفق رؤية شبابية ثاقبة.

عن المؤلف

حسين علي حسين/ ماجستير إدارة أعمال

اترك تعليقا