يعد الامام الباقر عليه السلام، من الرموز الاسلامية العظيمة التي كان له دور كبير ومحوري في الحفاظ على الدِين، ومنع الشهبات من ان تطال العقائد الاسلامية، ولان ديننا الإسلامي جعل من القرآن الكريم ركيزة اساسية في حياة الانسان المسلم، فالعقائد، والاخلاق، ومجمل التعاليم الحياتية، قد تكفل القرآن الكريم ببيانها.
ولان التعاليم القرآنية مجملة، أي تعاليم عامة، فهي تحتاج الى مبيّن ومفسّر، ففي زمن نزول القرآن الكريم، كان النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، هو الذي يبين الآيات الكريمة وتطبيقاتها الخارجية.
وعلى خطى ابائه الطاهرين، عليهم السلام، حافظ الإمام الباقر على نقل المعرفة الاصيلة للقرآن الكريم، لانه كان الامتداد الطبيعي للائمة الطاهرين، الذين حثَ الدِين الاسلامي على اتّباعهم، فهم المعين الصافي، وهم ورثة علم النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله.
والذي دعا الامام الباقر، عليه السلام، الى الاهتمام بتفسير القرآن الكريم، ونقل المعرفة الصحيحة الى الأمة الاسلامية، هو ما شاهده من تأويلات خاطئة للآيات الكريمة، وذلك نتيجة تصدي من ليس له الدراية والفهم بالدِين، او انه كان مرتبط بالسلطة الحاكمة التي تسعى دائما الى تجيير الدِين وبالتالي القرآن الكريم لخدمة السلطة.
وفي التاريخ كانت هناك تأويلات وظفت في صالح الحاكم، قال أبو جعفر: وقد روى أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروى أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ}، وأن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم، وهي قوله تعالى: { وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ}، فلم يقبل، فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل، فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألف فقبل، وروى ذلك.
ولذلك: “خاض عليه السلام في العلوم الدينية والدنيوية، لقد أسّس الإمام الباقر أول جامعة فقهية في الاسلام، لضبط العلوم الدينية لان أخلاط الشعوب في المجتمع، ركبت مناهج متبانية في فهم التعاليم الاسلامية”.
الإمام الباقر وتفسير القرآن
سئل الإمام الباقر، عليه السلام، عن المتشابهات، فأجاب وشرح وفسّر وأقنع، فقد سأله عمرو بن عبيد اللغوي عن قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ} ما هذا الرتق والفتق؟
قال: كانت السماء رتقا فتفجرت انهارا وأنبتت اشجارا وأينعت ثمارا وأمر السماء فتقطرت بالغمام وأرختْ عزاليها فكان ذلك فتقها”.
إن معرفته العميقة بالقرآن الكريم ومضامينه واحكامه، جعله يستخرج الردود مجيبا على اسئلة الناس بمستوياتهم المختلفة؛
الذي دعا الامام الباقر، عليه السلام، الى الاهتمام بتفسير القرآن الكريم، ونقل المعرفة الصحيحة الى الأمة الاسلامية، هو ما شاهده من تأويلات خاطئة للآيات الكريمة، وذلك نتيجة تصدي من ليس له الدراية والفهم بالدِين
عن عبد الرحمن بن عبد الله الزهري قال: حجَّ هشام بن عبد الملك فدخل المسجد الحرام متكئا على يد سالم مولاه، ومحمد بن علي بن الحسين عليهم السلام جالس في المسجد، فقال له سالم مولاه: يا أمير المؤمنين هذا محمد بن علي، قال هشام: المفتون به أهل العراق؟ قال: نعم، قال: اذهب إليه فقل له يقول لك أمير المؤمنين: ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة؟
قال له أبو جعفر عليه السلام: ” يحشر الناس على مثل قرص النقي( النقي: الخبز الحواري)، فيها أنهار متفجرة، يأكلون ويشربون حتى يفرغ من الحساب”.
قال: فرأى هشام أنه قد ظفر به، فقال: الله أكبر، اذهب إليه فقل له: ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذ؟
فقال له أبو جعفر عليه السلام: ” هم في النار أشغل ولم يشغلوا عن أن قالوا: {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ} فسكت هشام لا يرجع كلاما.
وكان من صفات الإمام الباقر، عليه السلام، أنه كان يبدر اصحابه بالسؤال، ومن ثم يجبيهم، فقد سأل الإمام الباقر جابر الجعفي: ما يروي فقهاء العراق في قوله عز وجل: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ، وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّمَا بُرْهَانَ رَبِّهِ} . ما البرهان؟
قال جابر: أُرِي يعقوب عاضاً على إبهامه.
فقال الباقر، عليه السلام: لا ، حدثني أبي عن جدي، عن علي بن أبي طالب، عليهم السلام، أنه همَّ أن يحل إزاره، فقامت إلى صنم مكلل بالدر في ناحية البيت، فسترته بثوب أبيض، فقال: ما تصنعين؟
فقالت: أستحي من إلهي أن يراني على هذه الصورة.
فقال يوسف: تستحين من صنم، لا يأكل ولا يشرب، ولا أستحي أنا من إلهي الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت. فهو البرهان الذي رأی”.
وهذه الرواية تأصيل للمعرفة القرآنية التي تنتقل من إمام الى آخر، وأن جميع الائمة، عليهم السلام، خط معرفة واحد في تفسير القرآن الكريم، وإن اختلفت التأويلات.
وحتى لا يفسر كل أحد آيات القرآن الكريم من اهواء نفسه، وبدون معرفة، فقد نهى عن الخوض في آيات الله بلا علم ودراية، قال عليه السلام: “إياكم والخصومة فإنها تفسد القلب وتورث النفاق الذين يخوضون في آيات هم اصحاب الخصومات”.
كان للإمام الباقر، عليه السلام، دور ريادي كبير في تفسير القرآن الكريم، عبر نقل الثقافة القرآنية الصحيحة، والمعرفة الاصيلة، التي ورثها عن آبائه الطاهرين، عليهم السلام، وحتى نستقي المعرفة القرآنية الصحيحة دون شوائب، لابد ان نعتمد على المصادر الاساسية لتلك المعرفة، وهم الائمة الطاهرون، لانهم عِدل القرآن الكريم.