تربیة و تعلیم

العدالة بين الأبناء واهميتها

يقسوا الآباء او الأمهات على أبنائهم إذا صدر منهم تصرّف غير مقبول اجتماعيا او داخل المنزل، وتتفاوت القسوة حسب درجة الذنب، وفي بعض الأمور يعمد الاهل الى التفريق بين الأبناء في التعامل، إذ يقومون بمحاسبة أحدهم وترك الآخر بحجة الدلال او عدم معرفته بعواقب تصرفه، وهنا يكونوا قد وضعوا اللبنة الأولى من لبنات التفريق فيما بينهم.

في المجتمعات العربية وفي الازمان الماضية كان الذكر يحتل المكانة والاهتمام الكبير في الاسرة على العكس من البنت التي تتعرض الى الظلم والاضطهاد في مواقف كثيرة، فالابن يلعب ويخرج في المنطقة مع الأولاد الصغار، بينما تُحرم البنت من الجلوس مع رفيقاتها ولو كنَّ في معزل عن أولاد الحارة، ولأسباب تعود الى عقلية الفرد العربي وما يضعه من مكانة شخصية للفرد الذكر.

ومن أوجه التمييز بين الذكر والانثى يأتي السماح للولد بإكمال دراسته فيما تُمنع الانثى من اكمال دراستها والالتحاق بمقاعد الدراسة، ويحكم عليها بالعمل المنزلي قبل وبعد الزواج في بيت الزوجية، ومع تقدم الوقت تغيرت هذه النظرة وأصبح هنالك نوع من العدالة بين الجنسيين في هذا الجانب الى حد ما.

اما النوع الآخر من التمييز هو ما تم التطرق اليه في بداية المقال والذي يحدث من قبل الاهل مع أبنائهم سواء من الذكور والاناث، وهي من الأخطاء الكبيرة الي يقع فيها الوالدين في اغلب الاسر، دون الشعور بالوقوع بهذا الخطأ الذي يؤدي في النهاية الى تصرفات غير مقبولة من قبل الأبناء.

ومن بين التصرفات الصادرة نتيجة تفريق الاهل هي العناد والشعور بالدونية مقارنة بالأخ المدلل، إذ يقع الاهل في دوامة عدم معرفة وإدراك أهمية الموضوع الذي ربما يقود الى نتائج غير محمودة على الصعيد الاسري، فالأهل يخلقون العداوةَ بين الأبناء دون معرفة العواقب الوخيمة التي تصل في بعض الأحيان الى تبادل الضرب والكلام البذيء.

العدالة لا تعني المساواة، وعلى الاهل ان يضعوا نصب أعينهم هذه القاعدة الحياتية المهمة والمتعلقة في الجانب التربوي لأبنائهم، فاذا تحققت هذه الجزئية سيعيش الأبناء حالة من الرضى النفسي، والاستقرار الاسري

وقد يصل الاهل الى هذه المرحلة من التعامل مع الأبناء ليس بصورة متعمدة، بل بحكم الجهل الكبير بأساليب التربية الصحيحة التي تؤكد على ضرورة ان يكون التعامل كأسنان المشط مع الاخذ بنظر الاعتبار الفوارق الفردية بين الأبناء، ولا يجوز ان يكون الجميع بنفس الطريقة التربوية.

توجد فوارق كبيرة بين الأبناء من حيث طريقة العيش، وان كانوا ينتمون الى اسرة واحدة، لكل شخص مزاج وأسلوب وعلى الاهل مراعاة هذه الجوانب التي تتكون منها شخصية ابنائهم، فمثلا نجد طفلاً لا يحب الطعام الفلاني، وآخر يفضل النوع الآخر من الطعام، وعلى الاهل الانتباه الى هذه القضية ذات الأهمية القصوى.

ومن الأشياء المهمة الأخرى هو تحقيق العدالة بين الأبناء وليس المساواة، فالابن الأكبر لا يمكن ان تتساوى احتياجاته مع الابن الأصغر، وعلى الاهل ان يوازنوا بين متطلبات الاثنين من غير الاقلال في مطلب والاكثار في مطلب آخر، وبهذه الطريقة يكون الجو الاسري يميل الى الهدوء، خالٍ من الازمات النفسية والعدائية بين الأبناء.

وما تقع فيه الأسر من أخطاء تربوية، في مجملها أخطاء نابعة من عدم المعرفة او الالمام بالطرق السليمة لتكوين أسر يسودها العدل والاحترام وحب الخير، وغيرها من الأمور الواجب الالتزام بها والتحلي بها منذ المراحل العمرية الأولى، فكثيراً ما تترك هذه القضايا والتركيز على أمور ثانوية غير مهمة بالنسبة لحياتهم.

كيف نحقّق العدالة بين الأبناء؟

لتحقيق العدالة بين الأبناء على الاهل اتباع طرق عديدة يأتي من ضمنها منح الأبناء نفس القدر من الاهتمام وتقديم الرعاية، ونقصد بذلك ان يكون الأبناء متساوين من حيث المأكل والمشرب وشراء الملابس وغيرها من الأمور التي تشعرهم بالاهتمام والعيش براحة و أمان في البيت الذي يأويهم.

ومن هذا المنطلق يجب على الأبناء ان يحصلوا على نفس القدر من الفرص وعدم تفضيل بعضهم على بعض، طالما ينتمون لنفس الاسرة، لا يجوز الميل من قبل الابوين لاحد ابناءهم وترك الآخرين بدون الاهتمام المطلوب وبذلك يكون الاهل هم السبب الأساس والرئيس في زرع بذرة الانقسام بين افراد الاسرة.

 وتنصّ بعض الروايات على أنّ العدل بين الأبناء هو حق من حقوقهم على الآباء والأولياء، ففي الحديث المروي عن النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ لهم عليك من الحقّ أن تعدل بينهم، كما أنّ لك من الحقّ أن يبرّوك”.

فالعدل بين الأبناء لا بدَّ أن يتحرّك على مختلف المستويات المادية والمعنوية ودونما فرق بين جنس الولد أو لونه، ولا بد من التركيز هنا على نقطة أساسية وهي مسألة الانفاق بصورة عادلة.

فمن غير المنطقي ان تكون مصاريف الابن الأكبر متساوية او مشابهة مع مصاريف الابن الصغير، فبطبيعة الحال قد تكون ملابس الابن الأكبر أغلى ثمناً بسبب حجمها وصناعتها، وفي نفس الوقت فإن الطفل الصغير قد يحتاج لمصاريف إضافية أكثر من الابن الكبير أحياناً، مثل الحاجة لشراء حاجيات تخص الأطفال وإدخاله في الروضة او الحاجة الى الطبيب أكثر من غيره.

توجد فوارق كبيرة بين الأبناء من حيث طريقة العيش، وان كانوا ينتمون الى اسرة واحدة، لكل شخص مزاج وأسلوب وعلى الاهل مراعاة هذه الجوانب التي تتكون منها شخصية ابنائهم

وعلى هذا الأساس فان المتطلبات وحدها صاحبة القول الفصل في هذا الموضوع وليس ممكنا التقصير عن أحد الأبناء بحكم المساواة التي يريدها البعض ان تعم بين افراد العائلة الواحدة، دون تقدير الأولويات لكل منهما، وقد يحتاج أحد افراد الاسرة الى السفر وتلقي العلاج في الخارج او الداخل، وبذلك تكون الحاجة لتخصيص ميزانية خاصة ربما تفوق ما يتم صرفه خلال شهر كامل على جميع الأبناء، لكن الوضع الصحي هو من يحسم الموقف.

الخلاصة؛ العدالة لا تعني المساواة، وعلى الاهل ان يضعوا نصب أعينهم هذه القاعدة الحياتية المهمة والمتعلقة في الجانب التربوي لأبنائهم، فاذا تحققت هذه الجزئية سيعيش الأبناء حالة من الرضى النفسي، والاستقرار الاسري، الامر الذي يجنبهم حدوث الإشكاليات والمناحرات على المستوى العائلي الضيق.

عن المؤلف

سُرى فاضل

اترك تعليقا