في الخروج الطبيعي الى الأسواق والمتنزهات ترى بعض الأمهات يحملنّ طفلين في عجلة واحدة، مع فارق عمري بسيط فيما بينهما، ما يجعل بعض الأسئلة تتبادر الى الذهن، السؤال الأول هو لماذا لم يتم التأني او الانتظار لحين بلوغ الطفل الأول سن معينة؟
ولماذا لا توجد ثقافة لدى الاغلب في تنظيم عملية الانجاب بما يخدم الجو العام للأسرة؟
بينما تحضّر بعض الأمهات لتخزين مستلزمات المولود الأول الذي بدأ يكبر، هنالك البعض الآخر يبدأ بالتفكير في إنجاب طفل آخر وقد يكون هذا من الأمور الطبيعية، ومن المنطقي أن تفضّل ان يكون الأبناء بفارق عمري صغير بين الطفلين حتى يتمكنا من اللعب معا والاستمتاع بطفولتهما سويا، لكن هل هذا الخيار الأفضل؟
ربما يعجز أصحاب الاختصاص عن الإجابة على السؤال الذي يُطرح في الكثير من الأحيان، والقاضي بما هو الفارق الزمني المثالي بين طفل وآخر، فهم يقعون بدائرة الصمت في أحيان كثيرة، ذلك بسبب عدم وجود محدد واحد يمكن العودة اليه لمعرفة الفترة الصحيحة للأنجاب بين الأطفال.
لكل جوٍ أسرى ظروفه التي تحكمه في الانجاب من عدمه، اذ هنالك اُسر كثيرة تعاني من ظروف معيشية غير مناسبة للإنجاب بهذا الكم من الأبناء، بحيث يصعب عليهم حمل تكلفة توفير مستلزمات الطفل من الحليب والملابس وغيرها من الاحتياجات المهمة لحياة هذا الطفل، ولكونه طفل فهذا يعني انه يحاج الى عناية مركز واهتمام خاص.
وهذا الاهتمام الخاص يتعذر على نسبة كبيرة من الاسر توفيره، ولأسباب ذكرنا بعضها واهمها وهو العوز المادي، ومن هذا المنطلق يجب مراعاة الحالة الاقتصادية للأسرة ومن ثم التصرف وفق دخلها الشهري، ونود الإشارة هنا الى الكثير من الاسر غير مبالية لهذا الجانب المهم وتأخذ بالإنجاب المكثف دون ترك فارق زمني بين الطفل الأول والذي يليه.
يرغب بعض الآباء بالإنجاب بصورة مكررة وغير مهتم لصحة هذه الزوجة وما تتعرض له من اذى نتيجة تكرار الحمل، فالمرأة بطبيعتها الخَلقية أضعف حالا وبنية من الرجل، الامر الذي يجعلها عرضةً للأمراض الناجمة عن قلة التغذية بسبب الحمل، وما يفرض عليها من تقاسم للقيمة الغذائية لما تناوله من طعام طيلة فترة الحمل، وهو من الأشياء الطبيعية التي تتحدث للمرأة.
غالبا ما يكون الأطفال المتقاربون في العمر قادرين على التفاعل بسهولة ولديهم اهتمامات مشتركة، مما يعزز تطورهم الاجتماعي، كذلك يمكن للوالدين اتباع أساليب تربية مشابهة لكلا الطفلين
وأحيانا يكون الحمل المتكرر مهدد مباشر لحياة الام، من خلال تدهور صحتها خصوصا إذا كانت عملية الولادة غير طبيعية عبر إجراء عملية جراحية، وهنا يقدم المهمون بهذا الشأن جملة من النصائح لمساعدة الآباء في اتخاذ القرار الصحيح المعلق بالإنجاب، ومن أبرز هذه النصائح هي مراقبة الحالة الصحية للزوجة ومعرفة إمكانية الحمل من غيره.
وبذلك يكون من المهم ترك فارق زمني في إنجاب الأطفال، ووضع تخطيط مسبق لأي مرحلة من المراحل التي تمر فيها الاسرة، فلا يوجد فارق زمني معين بين الأطفال يضمن سهولة فترة التربية أو يضمن أن يكون الإخوة على وفاق دائم، بل يعتمد طول الفارق بين الولادات على عدة عوامل شخصية واجتماعية.
ومن هذه العوامل او الجوانب التي يجب مراعاتها حجم البيت الذي تعيش فيه الاسرة، هنالك الكثير من الاسر تهمل مساحة المنزل وقدرتها على استيعاب عدد كبير من الأبناء، ومع ذلك نجد بعض البيوت مكتظة بعدد افراد الاسرة، يعيشون جميعهم في حالة غير مستقرة في المنام والجلوس، وكذلك الالتفاف على مائدة الطعام يكون في حالة من التزاحم تصل الى التدافع بين الأبناء لأخذ المكان المناسب.
وبمثل هذه الحالة يحكم الاب والام على الأبناء في العيش المستمر تحت مظلة المنغصات والامنيات والحرمان في كثير من الأحيان، فهم يتمنون العيش بحالة معينة من المأكل والمشرب، يرغبون بتناول نوع من الاكلات لكن بحكم العدد الكبير يصعب على الاب توفير هذا النوع من الاكل.
ومن بين الجوانب التي يتحتم على الابوين مراعاتها وضعهم المادي والوظيفي، فإذا كانت الزوجة مرتبطة بعمل او وظيفة حكومية، يكون الحمل بالنسبة لها من الأشياء المهددة لخسارة تلك الوظيفة او العمل، فالعاملة في القطاع الخاص يعصب عليها الحصول على إجازة وضع او امومة وفي النهاية، قد ينتهي بها المطاف الى الطرد واستبدالها بأخرى غير متزوجة او ليس لديها المزيد من الالتزامات.
ومن الانعكاسات السلبية الأخرى على قلة الفارق بين الأبناء هو صعوبة ان يحظى الأبناء بتربية صحيحة وسليمة، وعلينا ان نتخيل جميعا حال الام وهي تهتم بتربية طفلين متقاربين في العمر، ولديها الى جانب ذلك مهام منزلية أخرى، كالطبخ والتنظيف والاهتمام باحتياجات الزوج فضلا عن الالتزامات الاجتماعية، لا سيما ونحن نعيش في مجتمع يعطي الجوانب الاجتماعية حيّزاً كبيراً ويجعلها من الأولويات.
وتعوّض بعض الاسر عن هذا النقص بجلب عاملة او مربية مقابل اجر معين، وظيفتها الاعتناء بتربية الأبناء والاهتمام بتوفير أجواء معيشية مُرضية، لكن لننظر الى الجانب المظلم بعد اتخاذ هذه الخطوة من قبل الأهالي، فقد يتعرض الطفل الى نوع من الإهمال وعدم الرعاية الكاملة او المطلوبة، ومن المتوقع ان تقوم هذه المربية بضربه او تعنيفه.
و التعنيف بهذه الصورة له العديد من الانعكاسات السلبية على شخصية الطفل وهو مراحل مبكرة من عمره، وينشأ بشخصية مشوشة غير واضحة المعالم وتبدأ معاناته مع الجو الاسري، ويحدث ذلك دون علم الابوين، بينما تستمر هذه المربية بطريقة تربيتها غير المناسبة.
ولا تخلوا مسألة التقارب بفارق العمر بين الأبناء من مزايا او إيجابيات معينة نذكر أهمها، إذ غالبا ما يكون الأطفال المتقاربون في العمر قادرين على التفاعل بسهولة ولديهم اهتمامات مشتركة، مما يعزز تطورهم الاجتماعي، كذلك يمكن للوالدين اتباع أساليب تربية مشابهة لكلا الطفلين.
ومن ضمن الفوائد هو الاحتفاظ بمستلزمات الطفل الأول (مثل الألعاب، الملابس) يوفر الوقت والمال.
لكل جوٍ أسرى ظروفه التي تحكمه في الانجاب من عدمه، اذ هنالك اُسر كثيرة تعاني من ظروف معيشية غير مناسبة للإنجاب بهذا الكم من الأبناء
ومن زاوية أخرى هنالك بعض المزايا للفارق العمري الكبير، فهو يمنح الوالدين فرصة لإعطاء كل طفل اهتماما فرديا أكثر، ويمكنهم من تلبية احتياجات الأطفال المختلفة بصورة تصبح أكثر تنظيما مع وجود فاصل زمني، ويعطيهم فرصة العودة إلى العمل بشكل أسهل عندما تكون الولادات متباعدة.
خلاصة؛ أن الفارق العمري المثالي بين الأطفال قرار شخصي يعتمد على ظروف الأسرة واحتياجاتها، و لا توجد قاعدة ثابتة تناسب الجميع، بل يجب على الآباء تقييم أوضاعهم الصحية، المعيشية، والاجتماعية، بالإضافة إلى توقعاتهم وتصوراتهم حول التربية، لاختيار الخيار الأنسب لهم ولأطفالهم.