حقائق الحياة متشابهة والانسان الدقيق والعميق يستطيع ان يستفيد من كل حقيقة في معرفة سائرالحقائق، فمثلا الانسان كائن حي يمتلك كبد، وقلب وما اشبه، نفس الامر في البعوضة لكن ما تملكه في اعضاء يناسب حجمها، والفرق ان الانسان يمتلك عينان، والبعوضة مئة عين وهكذا في بقية الامور الاخرى.
وإذا تعمق الانسان اكثر يجد ان الشجرة مثله؛ والنحلة والنخلة نفس الشيء، فالنحلة تعطي العسل، والنخلة تعطيك حلاوة في التمرة يشبه حلاوة العسل.
وهذه نقطة مهمة تساعد الانسان في الانفتاح على الخليقة من حوله، وايضا ينفتح على نفسه وما يحمل من سنن وأنظمة.
في الحياة هناك امران؛ مرحلة الاصلاح، ومرحلة البناء، عندما يصاب الانسان بمرض ويذهب الى الطبيب، فلا يعطى المقويات اولا، بل المضادات الحيوية ثم بقية العلاجات الاخرى.
العقل البشري ومشكلة المسبقات
هناك مشكلة حادة عند البشر وهي المسبقات التي يحكم من خلاله على الاشياء، فالعقل الذي يبتلى بالمسبقات لا يعمل، فمثلا البعض يقلد والده في كل شيء، وقد سألتُ ذات مرة أحد الازواج الذي يسيئ الى زوجته: لماذا تُعنف زوجتك وهي امرأة فاضلة، فأجاب: أن والدي كان يتعامل هكذا معي أمي!
العادات التي يورّثها الآباء ليست دائما صحيحة، وحتى لو كانت في يوم من الايام عادة سليمة، فليس بالضرورة ان تصلح لكل زمن
والموانع التي تحجب العقل كثيرة بينها ربنا في آيات مباركات؛ فمن الحُجب اتباع الآباء وحسب الآيات القرآنية فإن هذا النوع من أعظم الأمور التي تحجب العقل، فأينما ذهبت في أي مكان في العالم تجد أن الجيل الموجود يتبع الجيل السابق، والسابق يتبع من سبقه وهكذا.
والى يومنا هذا لازالت عادات جاهلية كانت موجودة قبل الاسلام عند بعض الاشخاص، من ازدراء المرأة وتحقيرها، فالبعض ــ اليوم ــ حين يذكر زوجته او اي امرأة يقول: أجلّكم الله! وقد جاءني احدهم لمسألة حول زوجته فقال: سيدنا ــ اجلكم الله ــ زوجتي! وايضا من العادات الجاهلية المنتشرة تحقير الطفل، وكثير من العادات هي متوارثة من جيل الى جيل.
وفي محاربة العادات غير السلمية زوّد الله الإنسان بالعقل والهدى، فهناك امور يفهمها البشر بعقله، والمسائل التي لا يفهمها ولا يدركها، فقد تكفّل بها الوحي الذي انزله الله تعالى، ومن يتشبث بالعادات البالية يُلغي عقله، ويترك الهدى الذي أنزله الرب ـ سبحانه وتعالى ـ، فالبعض يتبع أباه الذي لا يعقل ولا يهتدي.
وفي بعض الآيات هناك اشارة الى ان الزمن حينما يتغير تتغير الاحكام والاساليب تبعا له، وفي بعض الامة يوجد روح السلفية المطلقة، وهي تقليد السلف الماضي بسلبياته، بل ويسعى الى تبرير اخطاء ذلك السلف مع وضوح اخطائهم.
بصائر الآيات
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} ومع وضوح الآيات القرآنية إلا ان سابقاتهم الفكرية تجعلهم يفسّرون الآيات حسب ظروفهم واهوائهم.
العادات التي يورّثها الآباء ليست دائما صحيحة، وحتى لو كانت في يوم من الايام عادة سليمة، فليس بالضرورة ان تصلح لكل زمن.
{مَا أَلْفَيْنَا} قد تعطي معنى ما وجدنا، لكن المعنى الاعمق ما اعتدنا، او تعوّدنا عليه.
{أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} فإذا كان الاب يلغي عقله، ولا يتبع الهدى، فالاجدر ان لا يُتّبع.
وبما أن الانسان مجبول على حب الراحة فإنه لا يتقدم، بل ينظر الى ما صنعه الآباء والاجداد فيسير على نفس الخطى، يقال أن احدهم كان جالسا على بحر، فقال له صاحبه: كل السفن الموجودة مصنوعة من الخشب، فما رأيك أن نصنع سفينة من حديد؟
فقال: هل لديك عقل، كيف نصنع سفينة من حديد، والحديد لا يبقى على الماء!
{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً} ولانهم لا يملكون شيئا من العلم والمعرفة، تراهم ينعقون ولا يدركون ما يقولون.
الموانع التي تحجب العقل كثيرة بينها ربنا في آيات مباركات؛ فمن الحُجب اتباع الآباء وحسب الآيات القرآنية فإن هذا النوع من أعظم الأمور التي تحجب العقل
{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} هؤلاء لا يستفيدوا من حواسهم التي وهبها الله تعالى لهم، فالأصم لا يسمع، وفي هذه الاية تشبيه بأن الذي يسمع ولا يعقل كأنه أصم، والأبكم هو الذي لا يتكلم ولانه لا يجد ما يقوله تراه أصما، والصفة الثالثة هي العمى، فالبعض يرى الحقائق بعينه لكنه لا يستوعبها.
تلك الصفات الثلاث تراكمت بسبب: {لا يَعْقِلُونَ}، لان الاساس هو العقل، فما فائدة ان تكون لدى الانسان حواس سليمة لكنه يُلغي عقله ولا يعمله في فهم الامور، فحواس الانسان من سمع وبصر ولسان وما شابه، تلك الحواس تنفع الانسان إذا كان عاقلا، لان الاصل هو العقل.
_______________
(مقتبس من درس التفسير الموضوعي لسماحة السيد المرجع المدرّسي دام ظله).