حدیث الناس

اكسبوا الشباب تكسبوا الدِين

تابع الكثير من أهالي كربلاء المقدسة وقائع المؤتمر الثاني لمشروع قدسية مدينة كربلاء، ترعاه وتنظمه تجمع الرحمة الرسالي في جامع أهل البيت، عليهم السلام، بمنطقة حي العامل، وكان الملفت، الحضور الحاشد والمتنوع من علماء دين وشيوخ عشائر ومثقفين ومسؤولين محليين، وتم نشره التفاصيل في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

وصلت رسالة المؤتمر الى الناس في كربلاء وسائر المحافظات، وربما الى خارج العراق، بأن ثمة تهديداً خطيراً تتعرض له مدينة كربلاء بمحاولات مقصود ومنظّمة، كما أشار الى هذا، سماحة السيد مهدي الاعرجي، المشرف العام على تجمع الرحمة، ومنظم المؤتمر في كلمته، لنشر ثقافة الميوعة والتحلل من الالتزامات الدينية من خلال دفع بعض الفتيات والنساء عن جهل او غيره، بالتجوال في المدينة بملابس لا تليق بمظهر المدينة المقدسة، واحياناً تصل الجرأة الى الخروج بشكل سافر دون أي حجاب في بعض الشوارع والمطاعم وداخل السيارات، الى جانب حالات الرقص للشباب في مناسبات متعددة خلال أيام السنة، ومنها تحديداً؛ في ليلة رأس السنة الميلادية التي ركز عليها المؤتمر نقاشه واستجلى الأفكار والمقترحات، وقد أتفق معظم الحاضرين على فكرة تكرار التجربة الناجحة لمسيرة القدسية التي جرت العام الماضي في شارع السناتر في ليلة رأس السنة الميلادية، لتقديم كلمة النصح والإرشاد لشريحة الشباب، وتحذيرهم من أن أعمال الرقص والغناء والتبرّج يعني انتهاك حرمة الامام الحسين، والإساءة اليه، والى تضحياته العظيمة.

هنا الكلمة الفصل في الكيفية والوسيلة الأفضل لإيصال هذه الرسالة، وهو ما بحثه الحاضرون في مداخلاتهم، ومنها؛ إخراج مسيرة القدسية من طابعها التحذيري والمنفعل الى الطابع الإرشادي الأبوي، فمن حضر في المؤتمر هم آباء للشباب ويعرف الطريقة الفضلى للحوار والتأثير على الأبناء الشباب، وأن لا يتكلم بما يؤدي الى النفور والتباعد او حتى التجاهل، وإن لم يكن بشكل علني.

يتوجب علينا جميعاً إيجاد المساحات الكافية لأن يعبر فيها الشباب عن شخصيتهم ومشاعرهم في أندية ومراكز خاصة ينفسوا فيها عن نفوسهم، ليكونوا في حالة الجدّ والاجتهاد في العمل والدراسة، وبذلك نضمن حماية الدين والقيم ممن يكيد لها وللشباب ايضاً من وراء الحدود

من أبرز صفات الشباب والمراهقين؛ حب الظهور، ثم إبداء مشاعر الابتهاج و”الفرفشة” أينما حلّ وارتحل، سواء في البيت، او المدرسة، او خلال التنزّه في الحدائق العامة، والسفرات المدرسية، ومن يتحدث عن أن الشباب في الحقبة الزمنية الماضية كانوا على غير شاكلة، فاعتقد انهم مخطئون، فهذه مسألة غريزية في تكوين الانسان، فالمراهق يستصحب بعض هذه الصفات من مرحلة طفولته، مثل؛ الفضول، وحب الذات، والميل للفرح والبهجة اكثر من الميل الى الحزن، إلا اذا كان محكوماً بظروف خاصة.

أثارني بشدّة قول أحد طلبة المدارس عندما كان محاورة مع زميل له حول ضرورة ان يحدد الانسان مكانه في صف الشيطان أم في صف الرحمن في سلوكه وثقافته، فقال: “أفضل أن أكون شيطان سعيد على أن أكون ملاك حزين”!

هذه المقولة العفوية والخطيرة في آن، على المعنيين بالشأن التربوي تسليط الضوء عليها والبحث في دلالاتها وخلفياتها، فلماذا وصل بنا الأمر لأن يكون الالتزام بالاحكام الدينية، والأخلاق والآداب مدعاة للحزن والكآبة والانطواء، بينما الميوعة والتبرّج مدعاة للبهجة والارتياح؟

عندما نتحدث عن قدسية كربلاء، يعني أننا نتحدث عن قيم النهضة الحسينية، وكيف أن الامام الحسين بتضحياته ورسالته الإصلاحية رسم الطريق المستقيم لسعادة الانسان والمجتمع، فقبل ساعات من المواجهة الدامية، طلب من أصحابه الانسحاب وحفظ أرواحهم والعودة الى أهاليهم لأنه المطلوب فقط وليس هم، فنحن نعيش الغبطة والارتياح والاطمئنان وتغمرنا كل المشاعر الإيجابية الجميلة، ونحن الى جوار مرقد الامام الحسين، عليه السلام، فلا كآبة وضيق في النفس في كربلاء المقدسة، نعم؛ نحن نحزن على مصاب الامام الحسين، لنستذكر الجرائم التي ارتكبها الانسان المنحرف والمنافق لنعتبر وأن لا نكرر تلك التجربة المرّة، لا أن يكون شغلنا البكاء طوال أيام السنة.

وصلت رسالة المؤتمر الى الناس في كربلاء وسائر المحافظات، وربما الى خارج العراق، بأن ثمة تهديداً خطيراً تتعرض له مدينة كربلاء بمحاولات مقصود ومنظّمة

وعليه؛ فان الشباب الضاحك والمبتسم في الشوارع هم أبنائنا جميعاً، وقد أكد سماحة السيد الاعرجي في كلمته المفصلة في المؤتمر تفهّم وتفاعل الجميع، لاسيما أصحاب المحال التجارية في شارع السناتر مع مشروع القدسية، وأيّ شاب تلتقي فيه في الشارع في ليلة رأس السنة الميلادية، وأي يوم آخر، وتسأله هل تقبل بانتهاك حرمة الامام الحسين ومدينته من خلال الرقص وارتكاب المحرمات، بالتأكيد سيجيب بالنفي القاطع، إذن؛ تسأله عن سبب هذه الأفعال من صفير وصراخ وترديد الأغاني والرقص وسائر الأفعال الخارجة عن إطار التهذيب والآداب، ربما سيصمت لأن لا جواب لديه بين كوامنه النفسية التي تدفعه الى هذه الأفعال، وبين المحيط الذي يطالبه بالاتزان والوقار، مما يتوجب علينا جميعاً إيجاد المساحات الكافية لأن يعبر فيها الشباب عن شخصيتهم ومشاعرهم في أندية ومراكز خاصة ينفسوا فيها عن نفوسهم، ليكونوا في حالة الجدّ والاجتهاد في العمل والدراسة، وبذلك نضمن حماية الدين والقيم ممن يكيد لها وللشباب ايضاً من وراء الحدود.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا