قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “ولا ظهير كالمشاورة”.
الشورى اصل اخلاقي وسياسي واجتماعي في الاسلام، وهي من اصول النظام القائم عليه الكون فيما يرتبط بالانسان، فهو ــ تعالى ــ اعطانا القعل والحرية وطلب منا ان نستفيد من عقول الآخرين، لان الله لا يعطي العقل الكامل لإنسان، حتى النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، المرتبط بالسماء، والمزود بالوحي، يؤمر بأن يستشر قومه: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}.
الانسان حينما يستشيرالاخر يشاركهم في عقولهم، “من شاور الرجال شاركها في عقولها” لانه لا يمكن لعقل الفرد ان يحيط بكل شيء، لذلك تجد ان هناك صناعات الكترونية يتم فيها جمع عقول وعلوم مختلفة، حتى يستطيع الانسان او المؤسسة ان تستفيد من عدة تجارب.
“أعقل الناس من جمع عقول الناس الى عقله” “وأعلم الناس من علم الناس الى علمه، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام، وكذلك أقوى الناس من جمع قوة الآخرين الى قوته، فرئيس الدولة يصبح قويا حتى تجتمع حوله قوى، وتلك القوى إذا ابتعدت سيكون أضعف الناس.
والمشورة كما هي مطلوبة كعادة اجتماعية، كذلك هي مطلوبة كعادة فردية، قال أميرالمؤمنين، عليه السلام: “من استبد برأيه هلك”، فمن يرى أنه أعلم الناس وافضلهم ولا يحتاج الى مشورة فإنه يهلك، لذلك فإن “آفة العلم العُجب” وهو سيلة من وسائل هلاك الانسان.
وهناك امران يهلاكان الانسان؛ احتقاره لنفسه او العُجب بها، وكلاهما وسيلة توقف لا وسيلة مسير وتقدّم، وما دمنا نعتقد ان الله قسّم العقل على العباد فلابد ان نستشيرهم، لان المستشير هو من يربح اولا.
ولابد ان تصبح الشورى عادة فردية واجتماعية، ونظاما سياسيا في المجتمع الاسلامي، لان ثمرة ذلك سيكون عدم بروز طغاة داخل المجتمع، فظهور الطاغوت نتيجة ان الناس لم يتعودوا على الشورى، لا فيما يرتبط بأنفسهم ولا بمجتمعاتهم، وإذا جاء طاغوت وسلبهم المشورة ومنعهم من الحُكم لا يجدون في ذلك غضاضة.
لابد الى الإلفات الى انه ليس كل إنسان يُستشار، لكن عادة المشورة لابد ان تكون موجودة سواء من الكبير عمرا، او في المستوى نفسه
المشورة قوّة، يقول أحد الحكماء: “المشاروة بين إحدى الحسنيين؛ صواب يفوز بثمرته او خطأ يُشارك في مكروه” فإذا سألتَ شخصا وأشار عليك بشيء معين، فإذا كان الامر جيدا وفي مصلحتك فأنت تكسب، وإن كان غير مصيب فهو مشارك في الخطأ
وبالعودة الى حياة النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، وأهل بيته، نجد أن عادة الشورى كانت حاضرة، فالنبي استشار اصحابه في بدر وانتصر المسلمون، ورسول الله دائما كان يستشير إلا إذا كان الامر من السماء، بل وإن كان وحيا كان يستشير في افضل وسيلة للتطبيق.
وكذلك أمير المؤمنين، عليه السلام، فقد خطب ذات مرة في اصحابه: “انتم البطانة دون الناس بكم استقبل المقبل وبكم اضرب المدبر فأعينوني بنصيحة”.
وفي الإسلام على إمام(حاكم) المسلمين ان يستشير وعلى الامة ان تنصح حتى لو لم يستشرها إمام المسلمين، فالأمة لابد ان تنصح إمامَها.
الإمام الحسين، عليه السلام في طريقه الى كربلاء يستشير أصحابه وهو عازم على الموت، منها حين جاءه خبر مقتل مسلم ابن عقيل، وحتى ليلة العاشر لم يكن الإمام يختبر اصحابه فحسب، بل كان ايضا يستشيرهم.
وجاءت روايات كثيرة تؤكد على أهمية المشورة، قال أميرالمؤمنين، عليه السلام: “حق على العاقل ان يضيف الى علقه رأي العقلاء ويضم الى عمله علم الحكماء”. وقال: “الاستشارة عين الهداية وقد خاطى من استغنى برأيه”.
حدود المشورة
ولابد الى الإلفات الى انه ليس كل إنسان يُستشار، لكن عادة المشورة لابد ان تكون موجودة سواء من الكبير عمرا، او في المستوى نفسه.
المشورة كما هي مطلوبة كعادة اجتماعية، كذلك هي مطلوبة كعادة فردية، قال أميرالمؤمنين، عليه السلام: “من استبد برأيه هلك
وفي رواية رائعة يوضّح النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله، بعض حدود الاستشارة، قال: “يا علي لا تشاور جبانا فإنه يضيق عليك المخرج، ولا تشاور البخيل فإنه يقصر بك عن غايتك، ولا تشاور حريصا فإنه يزين لك شرهما، واعلم يا علي أن الجبن والبخل والحرص غريزة واحدة يجمعها سوء الظن” فالضفدع في البئر يرى السماء بحجم فتحة البئر، والبخيل نفس الشيء، يرى الكون مع وسعه الكبير بمقدار فتحة بخله.
وقال الإمام الصادق، عليه السلام: شاور في أمورك مما يقتضي الدِين من فيه خمس خصال: عقل وحلم وتجربة ونصح وتقوى، المشاورة أصل اخلاقي وسياسي واجتماعي وهي اصل في الإسلام، سواء كان على مستوى الفرد ام الجماعة.
_____________
(مقتبس من محاضرة لآية الله السيد هادي المدرّسي حفظه الله).