فکر و تنمیة

الشباب والرؤية المستقبلية

ينقسم الزمن بحسب المعيار الفيزيائي إلى ثلاثة أبعاد هي الماضي والحاضر والمستقبل، وكلما تقدَّم العمر بالإنسان سوف يحيط أكثر بماهيّة هذه الأبعاد ومعانيها الدقيقة والواضحة، بمعنى إن الشاب يكون أكثر تركيزا على حاضره بسبب التعامل المباشر معه، أما الماضي فالشاب عادة لا يتذكره لأنه لا يمتلك رصيدا كبيرا من الماضي ونقصد هنا الماضي الذاتي.

فالشاب يكون في مقتبل العمر، وماضيه يتشكل في طفولته ومراهقته فقط، أما عندما يكبر ويصبح كهلا أو شيخا فسوف يكون رصيد الماضي لديه واسعا وعميقا، لأنه يشمل عقودا عديدة من السنوات تكون مكتظة بالتجارب والأسفار والعلاقات والاحداث المختلفة.

لهذا يكون الشاب أقل تركيزا على البعد الثالث للزمن وهو المستقبل، ولكن هذه الحالة التي غالبا ما ترافق الإنسان في مرحلة الشباب ليست صحيحة، فمرحلة الشباب هي القاعدة العمرية للإنسان التي يبدأ فيها ببناء حياته وحاضره وحتى مستقبله، من هنا فإن تركيز الشاب على المستقبل وهو في بدايات العمر يؤدي إلى بناء خط بياني لعموم حياته.

هذا الخط البياني يبدأ في الطفولة صعودا إلى المراهقة، لكن الإنسان في هاتين المرحلتين غالبا ما يكون قليل التركيز والتخطيط، وحينما يدخل مرحلة الشباب فإن وعيه يكون أكبر، وحاجته للتخطيط لحياته تكون في غاية الأهمية حتى لا يترك مسيرته الحياتية مهددة بالعشوائية والارتجال، لهذا يجب أن يبدأ الشاب التخطيط لحياته ومستقبله في هذه المرحلة العمرية.

الطفل كما ذكرنا لا يخطط بنفسه لحياته بل يقوم الأهل والعائلة بهذا الدور، وحتى الشاب يمكن أن يستفيد من والديه وأصدقائه ومعارفه لكي يخطط لحياته، لكن هنالك مسعى ذاتي يتعلق بجهود الشاب نفسه وبرؤيته المستقبلية، أي أنه كيف ينظر إلى المستقبل وكيف يتعامل معه؟

ليس الكتب وحدها على الشاب أن يدقق فيها، بل عليه أن يدقق في اختياره لأصدقائه، فمثلما يحصل على الأفكار والقيم من الكتب والتي يمكن أن تؤثر في بناء حياته وتتحكم برؤيته المستقبلية وطبيعة حياته، فإن الأصدقاء من الممكن أن يؤثروا بقوة في حياته

الرؤية الشبابية في غاية الأهمية، ولابد أن تكون لكل شاب رؤية مستقبلية يحدد فيها الملامح الأولية الواضحة لمستقبله، وكيف يراه، وكيف يصنعه، حتى لا تكون حياته ضائعة، والسؤال هنا كيف ينظر الشاب إلى مستقبله وكيف يحدد هذه الرؤية بشكل واضح؟

لا شك أن الشاب تتوفر له مصادر لبناء حياته وشخصيته، منها الأصدقاء، والأهل، والمحيط الاجتماعي، وحتى الكتب التي يأخذ منها تجاربه ومعلوماته هذه كلها تساعده على رؤيته المستقبلية، لهذا من المهم جدا أن يدقق الشاب في هذه الخيارات المساعدة له، وخصوصا الكتب التي يأخذ منها معلوماته وثقافته والقيم التي تعينه على تمشية حياته بصورة جيدة محكومة بالاستقامة العالية.

ليس الكتب وحدها على الشاب أن يدقق فيها، بل عليه أن يدقق في اختياره لأصدقائه، فمثلما يحصل على الأفكار والقيم من الكتب والتي يمكن أن تؤثر في بناء حياته وتتحكم برؤيته المستقبلية وطبيعة حياته، فإن الأصدقاء من الممكن أن يؤثروا بقوة في حياته، ومن الممكن أن تكون نتائج الصداقة عظيمة ومهمة في بناء حياة الشاب وتحديد رؤيته المستقبلية.

كذلك في نفس الوقت من الممكن أن يكون صديق السوء عاملا في تهديم الرؤية المستقبلية للشاب، ومن الممكن أن يدفعه في اتجاهات غير واضحة، فيضيع عليه مستقبله، لاسيما حين يكون الصديق المرافق للشاب معبّئا بالنزق والمزاج غير الملتزم، وهذا يعني نقل هذه الصفات إلى الشاب مما يجعله في حالة من الضبابية تجاه مستقبله وحتى حاضره.

هذا الأمر يستدعي من عموم الشباب أن يدققوا في مسألة المصادر التي يستقون منها أخلاقهم، وقيمهم، وعقائدهم، وأفكارهم، ورؤيتهم إلى المستقبل، لأن هذه العناوين والمسميات من الممكن أن تؤثر بشكل كبير جدا في حياة الشاب وعلى طبيعة حياته المستقبلية.

الرؤية الشبابية في غاية الأهمية، ولابد أن تكون لكل شاب رؤية مستقبلية يحدد فيها الملامح الأولية الواضحة لمستقبله، وكيف يراه، وكيف يصنعه، حتى لا تكون حياته ضائعة

لكي تبني حياة مستقبلية مستقرة مضمونة ومحاطة بالقيم الصحيحة، والتفكير السليم، والعقائد التي تحميك من الانزلاق في متاهات مستقبلية منحرفة، عليك أن تختار بدقة (الكتاب الذي تقرأه)، وتدقق كثيرا في الصديق الذي تمشي معه وترتبط معه في علاقة وثيقة، وعليك أيضا أن تدقق في مصادر تشكيل أفكارك وشخصيتك ورؤيتك الحاضرة والمستقبلية. وأخيرا؛ ربما لا يعطي بعض الشباب الأهمية اللازمة للرؤية المستقبلية، ولكن جميع التجارب الحياتية الناجحة كان مصدرها التخطيط الشبابي السليم لحياة الناس الناجحين، لذا فإن الرؤية المستقبلية السليمة للشاب، هي المفتاح الأول للطريق الذي يقوده نحو حياة سليمة وناجحة.

عن المؤلف

حسين علي حسين/ ماجستير إدارة أعمال

اترك تعليقا