فکر و تنمیة

كن أنتَ نفسك؟

هل نُقلد الآخرين، أم نبدع شيئاً جديداً؟

 والجواب: لا هذا ولا ذاك، بل المطلوب أمر بين الأمرين، فلا تستطيع أن تكون مبدعاً منذ البداية في كل شيء، ولا يجوز أن تكون مقلداً في كل شيء أيضاً.

فعليك أن تقلد غيرك بمعنى أن تستفيد من الآخرين وتأخذ منهم أحسن ما عندهم، ولكن لا تحاول أن تكون صورة طبق الأصل عنهم.

لا تحاول أن تتشبه بمن سبقك مائة في المائة، لأنك لن تكون مثلهم، فظروفك تختلف وثقافتك تختلف، إلا أنك تستطيع أن تفعل ما تفعله الأشجار في عملية التمثيل الضوئي .

فتلك هي المطلوبة منك، كما هي مطلوبة من الشجرة، إن الشجرة تأخذ من عناصر التراب، ومن أشعة الشمس، ومن أوكسجين الهواء ما تنتج بذلك فاكهتها الخاصة بها، فكل الأشجار المثمرة مع اختلافها في ثمارها تستفيد من ذات العناصر، ولكن كل واحدة منها تفعل ذلك على طريقتها.

فشجرة التفاح تأخذ من عناصر التراب، وأشعة الشمس، ومن الماء، ومن الأوكسجين مثلما تأخذه شجرة اللوز، لكن شجرة اللوز لا تحاول أن تعطي تفاحاً، وشجرة التفاح لا تحاول أن تعطي لوزاً.

لا تنسَ أن تختار ما تأخذه من الآخرين، فليس كل ما لدى غيرك صحيح، بل ربما تقلد شخصاً فيسبب لك الفشل، كما ليس كل ما جاء من تجارب الماضين ومعتقداتهم صحيح وصالح، فلا تتحجر على ما لديك ولا ترفض الحق إذا أتاك

ولو حاولتْ كل شجرة أن تعطي ما تعطيه الشجرة الأخرى، وأن تقلدها في كل شيء لخرجت فاكهتها مجّة لا يستسيغها أحد.

أنت شجرة خاصة، خلقك الله عز وجل في ظروف خاصة، وبإرادة خاصة منه، وأودع الله فيك أموراً لم يودعها في غيرك، لك روح مستقلة عن أرواح الآخرين، كما لك، كما لك جسد مستقل عن أجساد الآخرين، فحاول أن تقلّد بمقدار وأن تبدع بمقدار، فعليك أن تأخذ من كل شخص أحسن ما عنده، وأن تضيف إلى ذلك خصوصياتك ثم تبدع وتنتج وسيكون إنتاجك حينئذ أمراً مختلفاً.

 ولا تنسَ أنّ كل العظماء الذين دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه أخذوا من غيرهم، وأضافوا على ذلك ما اختصوا به، فلم يكن أحدهم صورة متشابهة بالكامل من الآخرين، لأن الصورة لا تكون دائماً كالأصل وحينئذ تعد مزيفة.

 وحتى الأنبياء، عليهم السلام، فإنهم يتماثلون من جهة، ويختلفون من جهة: {لكل جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا}.

ولا تنسَ أن تختار ما تأخذه من الآخرين، فليس كل ما لدى غيرك صحيح، بل ربما تقلد شخصاً فيسبب لك الفشل، كما ليس كل ما جاء من تجارب الماضين ومعتقداتهم صحيح وصالح، فلا تتحجر على ما لديك ولا ترفض الحق إذا أتاك، يقول ربنا عز وجل : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ اباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}

ولقد قال أمير المؤمنين علي، عليه السلام، كلمةً للآباء الذين قد يحاولون أن يجعلوا أولادهم صورة أخرى متكررة عنهم قال: “لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غيرزمانكم”.

فزمانك يختلف عن غيرك، وأنت تختلف عن الآخرين وثقافتك قد تختلف أيضاً، فكن صورة نفسك مع الأخذ من الآخرين.

_______

(مقتبس من كتاب “كيف تبني شخصيتك” لسماحة السيد هادي المدرّسي حفظه الله).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا