لم يفكر بعض الافراد في حلول للمشكلات التي تواجههم، ويفضل أتباع أسهل الطرق وهو الانتحار، اذ تقف وراء عملية الانتحار العديد من الأسباب التي يصعب حصرها في مقال محدود الصفحات، فما هي الأسباب المؤدية الى ذلك؟ وكيف يمكن للفرد ان يتجنب الوقوع بهذه الحبائل؟
في مساء أحد الأيام سمعت سيارات الإسعاف تطلق صفارات الإنذار لفسح الطريق المؤدي الى مكان الحادث، تبين ان فتاة رمت بنفسها من على جسر المدينة الذي يربط جانبيها ببعض، وبعد برهة من الوقت اتضح ان سبب اتخاذ هذه الفتاة لقرار الانتحار هو عدم اجتيازها اختبار البكالوريا.
ثم اكتملت الصدمة بانتحار طالب آخر في محافظة اخرى، لكنّ الصدمة الأكبر من الحالتين آنفتي الذكر، وهو قيام أحد أساتذة علم النفس بالانتحار وهو الذي وضع برنامج الوقاية من الانتحار، وأشرف على دورات تكوينية بهذا الشأن!
ويقول هذه الأستاذ في تصريح على حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، كنت واحدا من المهتمين والراغبين بتخليص الشباب والفتيات من آفة الانتحار التي دمرت الاسر بعد ان فتكت بها وجعلتها تعاني الامرّين، الأول هو الاحراج الاجتماعي وكيف ينظر المجتمع لهذه الاسرة بعد انتحار ابنها، اما الآخر يتمثل بألم الفقد الذي ربما يصعب وصفه.
ما هي الأسباب؟
من بين الأسباب المؤدية الى الانتحار هو المحيط الاسري وما يتضمنه من منغصات تدفع الفرد على هذه الفعلة المنافية للتعاليم الدينية والاجتماعية، فبعض الاهل يجبر الأولاد على قضايا ليس بالإمكان تحملها، مثلا إجباره على الخروج الى عمل لا يتماشى وقواه العضلية او الذهنية.
بعض الأشخاص يتمتعون بقدرة كبيرة على التكيف، تسمح لهم بمواصلة العمل على الرغم من معاناتهم من أفكار انتحارية في الواقع، إن الالتزامات اليومية، مثل: العمل، ورعاية الأسرة، والقيام بالمسؤوليات الأخرى، يمكن أن تجبر الإنسان على الاستمرار في الحياة
وان اشتكى من الأذى الذي يلحق به انهالوا عليه بسيل من عبارات التأنيب والتوبيخ، ويصل في بعض الأحيان الامر الى الضرب المبرح، بما يجعل حياة هذا الفرد شبه معدومة ويفضل الخيار الصعب وهو الانتحار وعدم الاستمرار.
ويأتي من بين الأسباب أيضا تدخل الاهل في القضايا والشؤون الفردية الخاصة، يبلغ الامر التدخل في اختيار الزوجة والتخصص الدراسي، وشراء السيارة والملابس وحتى المأكل والمشرب، حيث يشعر الشخص بكمية القيود المفروضة عليه والتضييق الكبير.
وفي كثير من الأحيان، يعتمد السلوك الانتحاري على الرغبة في الهروب من الصعوبات والألم النفسيّ.
كيف نعالج الموقف وهل التوعية الصحية وحدها تكفي للوقاية من السلوك الانتحاري؟
سنجيب على ذلك وفق المفاهيم العلمية، فالمعرفة بخطورة الآفة وحدها لا تكفي؛ ومن المهم أن يتعرف الناس على عوامل الخطورة التي قد يتعرضون لها، مثل عواقب السلوك الاندفاعي، أو تأثير استعمال المخدرات على جوارح الإنسان وأفعاله.
هذه المعلومات مهمة جدًا، لكن هناك أيضًا خطوة أخرى كبيرة يجب أن يتبعها الإنسان، وهي تعلم المهارات التي تساعده على ضبط نفسه، والتمكن من حل المشكلات، والاهتمام بتحسين نمط العيش.
التفكير في الانتحار لا ينحصر بشريحة دون غيرها، ويمكن ان تُزرع فكرة الانتحار في ذهنية الشخص المتعلم وغيره، وتعطينا التجارب العديد من الأمثلة على قيام بعض الموظفين بالانتحار لأسباب مختلفة، وهذا لا يعني ان كل من موظف يفكر بالانتحار يقوم بالعمل، فمن الممكن أن يمارس وظيفته من دون خوف او قلق إذا كانت تلك الفكرة غير ملحة، تأتي لمدة قصيرة من الوقت ثم تختفي، وقد تعود مرات أخرى على فترات متقطعة، فإنه يمكن للشخص الاستمرار في أداء الأنشطة اليومية مثل العمل والتسوق بشكل طبيعي؛ إلا أن ذلك غالبا ما يتطلب منه جهدا، وطاقة سلبية أكبر بكثير من المعتاد، لأنه يفتقر في هذه الحالة إلى الشعور بالمتعة والرضا عن عمله.
بعض الأشخاص يتمتعون بقدرة كبيرة على التكيف، تسمح لهم بمواصلة العمل على الرغم من معاناتهم من أفكار انتحارية في الواقع، إن الالتزامات اليومية، مثل: العمل، ورعاية الأسرة، والقيام بالمسؤوليات الأخرى، يمكن أن تجبر الإنسان على الاستمرار في الحياة، حيث يقوم أحيانًا بتطوير آليات لإخفاء أعراض الاضطرابات النفسية أو يتحكم فيها؛ ما يساعده على أداء وظيفته دون أي حرج.
ومع ذلك يجب التنبيه إلى أن قمع الأعراض السلبية باستمرار من أجل أداء الوظيفة؛ يمكن أن يؤدي إلى الإرهاق الشديد، وإلى زيادة التوتر، وبالتالي إلى مزيد من التفكير في الانتحار، ومن المهم إذن أن تدرك أنك بحاجة إلى العلاج، حتى لو كنت لا تزال قادرًا على أداء وظيفتك، ولهذا فمن الحكمة أن تستشير طبيبًا نفسيًا يساعدك على العثور على استراتيجية علاج مناسبة؛ مثل العلاج النفسي، أو العلاج الدوائي، أو مزيج بين الاثنين معًا.
وبالإضافة إلى ما تم ذكره، يجب أن تعتني بنفسك جيدا من خلال الحفاظ على العادات الصحية، مثل: ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، واتباع نظام غذائي صحي، والنوم الكافي، والحفاظ على علاقات أسرية متوازنة، هذه الإرشادات لن تساعدك على أداء وظيفتك فحسب، بل ستساعدك أيضًا في العثور على السعادة والرضا في الحياة.
يمكن للأفكار السلبية أن تقلب حياتك رأسا على عقب، وهي غالبا ما تكون مزعجة، إذ تتطلب جزءا كبيرا من انتباهك وحذرك، لأنها تحدث مرارا وتكرارا، ولا تستطيع السيطرة عليها أو إيقافها، ويمكن ذلك من خلال الاتكال على الله في جميع الأمور من خلال التفويض المطلق والاذعان لحكم الخالق والرضى به.
حُـــكم الانتحار
الانتـحار مِن المحرّمات؛ إذ هو إزهاقٌ للنفس بغير حق، وأنّ الدّين الإسلامي قد حرّم قتل النفس، كما في قوله الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}.
والنهي هنا بمعنى الانزجار والحرمة، ومن هذه الآية استنبطت الروايات الحكم الشرعي لإزهاق النفس بغير حق.
والانتحار مِن الكفر، قد عدّ الله تعالى الانتحار مِن الكفر كما قال سبحانه: الله تعالى: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُون}.
الاتكال على الله في جميع الأمور من خلال التفويض المطلق والاذعان لحكم الخالق والرضى به، يمنع الانجرار خلف الأفكار السلبية التي قد تغير مسيرة الإنسان
نــعم إنّه مِن الكفر؛ لأنّه تشكيكٌ بقدرة الله تعالى اللامتناهية، وتوهينٌ مِن علم وهيمنة وسلطنة وتدبير وحكمة الله سبحانه لأمور عباده، فهو الحكيم بتدبير شؤون عباده، العليم بمصالحهم، فيكون يأس الانسان متعرض مع الآية الكريمة: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}.
والمنتحر مصيره النار كما قال تعالى: تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نــَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا}
خلاصة؛ من المعلوم أن السلوك الانتحاري من الممارسات غير المقبولة من الناحية الاجتماعية والدينية، لذا تؤكد جميع المؤسسات التربوية والدينية على ضرورة تجنبه؛ ذلك لما يعكسه على الشرائح الاجتماعية ويزرع بذرة الكفر ومعصية الله لدى الآخرين.