المفكرون الإيجابيون يشيرون في معظم، أو جميع أعمالهم الفكرية الكتابية وسواها، إلى أن عالمنا قد تحوّل من العقلانية المعنوية الطبيعية، إلى الشراهة والهوس المادي الخطير، وطالب هؤلاء المفكرون والفلاسفة الصالحون، بضرورة عودة العالم إلى طبيعته، والسعي لتخليص الإنسان من الموجات الفلسفية الدخيلة التي تربط تقدم الإنسان بالتقدم المادي وحده، وترى في المنتجات والسلع المادية هي المقياس الأول والأخير للتطور.
فأية دولة، و أي مجتمع يهمل السلع المادية، ولا يجعلها مقياسا لتطوره، لا يصلح أن يكون مجتمعا مواكبا للتقدم والتطور في عالم اليوم، ويضرب هؤلاء أمثلة على الشباب في المجتمعات المادية وكيف أصبحوا يفضلون الشكل على الأخلاق، والسلعة على الفكرة، والملابس الغريبة على القيم الإنسانية الأصيلة.
يوجد شباب في مجتمعات الهوس المادي، يهتمون بأشكالهم ومظاهرهم أكثر من اهتمامهم بأخلاقهم، وهذه في الحقيقة معضلة كبيرة نخشى أن تنتقل إلى مجتمعاتنا الإسلامية، وإلى شبابنا المسلمين، فعادة ما نلاحظ أن الشاب المسلم يبني أخلاقه أولاً؛ ومن ثم يعطي شكله (ملابسه) ما يستحق من الاهتمام العادي، وليس المبالَغ به، لأن أصل تطور الإنسان وقيمته تكمن في مضمونه وأخلاقه، وليس فيما يرتديه من ملابس وأشياء ظاهرية أخرى.
كذلك، غالبا ما نجد الشباب المؤمنين يهتمون كثيرا بالأفكار والمضامين أكثر من السلع كالسيارات والبنايات وما شابه، فالسكن في بيت طبيعي بسيط هو الهدف الذي يبحث عنه الشاب المتوازن، وفي نفس الوقت يمنح الأفكار والمضامين اهتماما عاليا أكثر من السلع (السيارات وسواها)، فهو يفضل الأفكار الرصينة التي تدعم البناء الداخلي والفكري للشاب على حساب السلع المادية ذات البريق الظاهري كالسيارات والعمارات والقصور وما شابه.
إن الرصيد الأساسي للشاب المؤمن يجب أن يكمن في تطوير وعيه بما يدور حوله، وأن يثقف نفسه ويطلع على الأفكار والأطراف والجهات التي تروّج للسلع المادية
أما بالنسبة لقضية ارتداء الملابس، فهناك موجات عارمة اجتاحت الكثير من المجتمعات الغربية على سبيل المثال، ركزت على هذا الجانب الشكلي وأهملت القيم الإنسانية وترسيخها عند الشباب، في حين يهتم الدِين والأحكام الشرعية، بما يبدعه الإنسان من أخلاقيات وسلوكيات تحترم الناس وترفع من شأنهم، ويحدث هذا غالبا من خلال تربية وتطوير مجموعة من القيم الأصيلة في دواخل الإنسان.
هذا ما يمكن أن نسميه بتحجيم الهوس المادي في الشخصية الشبابية، وقد اخترنا الشاب هنا كنموذج بشري يتأرجح في عالم اليوم بين المادية والفكر الخلّاق، لأن المراحل اللاحقة من عمر الإنسان تمنحه الكثير من الحكمة والتوازن، من خلال التجارب الكثيرة التي يكتسبها، لذلك فإن الشاب يكون أكثر عرضة للانسلاخ من قيمه، وقد يتدحرج ساقطاً في الهوس المادي المعاصر لاسيما أنه (الشاب المؤمن) يواجه سيولاً إعلامية مادية لا تتوقف.
لذا مطلوب من الشاب أن يُدرك بأنه يقف أمام معضلة كبيرة تتمثل في مواجهته للهوس المادي (الغربي)، فلا هو قادر على عزل نفسه عن عالم اليوم (الإلكتروني) وعن مواقع التواصل المختلفة، والمنصات والمواقع الإلكترونية والأفلام وكل وسائل وأدوات الترويج المادي الهائل، ولا يمكن في نفس الوقت أن يترك نفسه ضحية لماكنات الإعلام المادي السلعي التي تديرها وتمولها الشركات الكبرى والتي لا تهمها سوى الأرباح، ولا تفكر مطلقا بقضايا القيم والأخلاق والبناء الفكري الإنساني للشباب أو الإنسان بشكل عام.
في هذه الحالة كيف يتعامل الشاب المؤمن مع عالم اليوم، وكيف يواجه تلك السيول الإعلامية من دون أن يضرب حول نفسه عزلة ليست مجدية وغير ممكنة أصلا؟
إن الرصيد الأساسي للشاب المؤمن يجب أن يكمن في تطوير وعيه بما يدور حوله، وأن يثقف نفسه ويطلع على الأفكار والأطراف والجهات التي تروّج للسلع المادية، وتدفع بالإعلانات والأفلام وأشكال الترويج الأخرى، حتى تبهر الشباب، وتجعلهم يفقدون قيمهم وأخلاقهم، ويفضلّون السلع الشكلية على سواها، لهذا يجب التركيز على مواجهة الهوس المادي في خطط فردية وجماعية مدروسة ومخطَّط لها.
يوجد شباب في مجتمعات الهوس المادي، يهتمون بأشكالهم ومظاهرهم أكثر من اهتمامهم بأخلاقهم
منها مثلا، الدخول في دورات توعية وتثقيف توضّح الأهداف التي تسعى إليها شركات الترويج المادي، كذلك بذل ما يكفي من قبل الشاب جهودا متواصلة على طريق حماية الذات، وحماية العقل، وتحصين النفس، عبر الاحتماء المستمر بالقيم الإسلامية والأخلاقية الأصيلة، وهذا الهدف الكبير يمكن تحقيقه عبر طريقين:
الطريق الأول: الجهد الفردي الذي يبذله الشاب المسلم لحماية نفسه من موجات الهوس المادي.
الطريق الثاني: لابد للجهات ذات العلاقة، الثقافية، والدينية، والفكرية، والإعلامية، وحتى التعليمية، أن تقوم بدورها لحماية الشباب مما يسمى اليوم بالنزعات المادية الاستهلاكية المرفوضة.