459 مليار دينار تكاليف عملية التعداد السكاني، وآلاف الرجال والنساء يحملون بعددهم أجهزة لوحية (تابليت) منهمكون منذ فترة طويلة لإجراء التعداد السكاني والإحصاء العام في جميع أنحاء العراق لأول مرة منذ الإطاحة بنظام صدام في 2003، وهي خطوة إيجابية وعظيمة تحسب للحكومة الحالية بقدرتها على تنفيذ ما عجزت عنه الحكومات السابقة رغم أن الموضوع مطروح على طاولة النقاش في البرلمان والحكومة منذ سنوات عديدة.
الجميع يتفق على إيجابية الحدث والقرار الحكومي في الحصول على قاعدة بيانات دقيقة بنسبة كبيرة تكشف عن حجم البطالة، والفقر، والاستهلاك، والتعليم، والصحة، واليد العاملة، وهي إيجابية تصب في دوائر الدولة ومؤسساتها الدستورية والتنفيذية وحتى الأمنية، ولكن ماذا عن افراد الشعب انفسهم؟
متأكدين من النتائج الإيجابية لهذا التعداد مع المنجزات على الأرض لحكومة السيد محمد شياع السوداني فيما يتعلق بالطرق، ومكافحة البطالة، ومشاريع تنموية وخدماتية بمستوى أفضل مما سبق بكثير، بيد أن الحواجز النفسية ذات العمق في سنوات مديدة بين المواطن ومؤسسات الدولة بشكل عام، تجعل من الصعب إيجاد علاقة ودّية صادقة بين الفرق الجوّالة بين البيوت، واصحابها، وتحديداً أولياء الأمور ممن عليهم الرد على من يسألهم عما اذا كان يعمل أم عاطل عن العمل؟ وكم دخله الشهري؟ ثم مواصفات أثاث البيت والأجهزة الكهربائية، الى جانب كون الدار مستأجرة أم لا؟
هذه الأسئلة يعدها البعض تحرياً من الحكومة عن الوضع المادي للمواطن ربما يترتب عليه إجراءات تحرمه من عطاءات مالية، لذا نجد المواطن في معظم الأحيان يظهر في وسائل الاعلام وهو يشكو من البطالة والفقر، ولا يصرّح لأحد بما يمتلك، وهذا نتاج الضغوطات القاسية التي مرّ بها طيلة حوالي أربعين عاماً من حروب وعقوبات اقتصادية وفقدان للمعيل بسبب الموت في الحروب السابقة ثم في الحرب مع الإرهاب في السنوات القليلة الماضية.
كان من المفترض إطلاق حملة توعية عبر وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي لما يستفيده المواطن العراقي من هذا التعداد والإحصاء، وأنه جزء من مشروع التنمية الاقتصادية، وعليه تقع مسؤولية كبيرة ومحورية في نجاحها، وهو ليس متفرجاً او ينتظر القرارات لينفذها فقط، فإن قال: انه عاطل مثلاً؛ فانه سيكون رقماً في وزارة التخطيط يستوجب التفكير والبحث في إيجاد عمل له، وهذا الواحد ربما يكون ألف، وربما يكون عشرة آلاف أو اكثر، بالمقابل يخفى على الوزارة وعلى الدولة وجود قوى عاملة أو فرص عمل تحرك الاقتصاد والسوق مما يسبب ارباكاً في التخطيط، ثم صعوبة في حل المشاكل الاقتصادية التي يبحث عنها المواطن نفسه.
من أبرز الفوائد السريعة على المواطن من هذا التعداد السكاني معرفة عدد سكان كل مدينة في العراق، مما يكشف عن مدى التطابق بين النسمة الموجودة وحجم الموازنة المرصودة لهذه المدينة، وأكثر من لحق به الإجحاف دون المدن الأخرى بسبب عدم وجود تعداد سكاني دقيق، هي مدينة كربلاء المقدسة التي يُقال أن لها موازنة لتعداد سكان يصل الى اكثر من مليون نسمة بينما التقديرات الحالية تصل الى اكثر من ثلاثة ملايين نسمة بسبب التطور العمراني والحركة الاقتصادية والتجارية خلال السنوات الماضية مما شجّع سكان المدن الأخرى على الانتقال اليها كباحثين عن فرصة عمل، او فرصة استثمار، والسكن ايضاً.
حتى يومي الأربعاء والخميس حيث يبدأ حظر التجوال وتنطلق عملية الإحصاء الدقيق والنهائي، ثمة فرصة لوسائل الاعلام الحكومية وغير الحكومية لبرامج إعلامية متظافرة ومتناغمة لتعبئة الشارع وحثّه على إنجاح عملية التعداد والإحصاء والخروج بنتائج دقيقة تنفعنا جميعاً.