هنالك مساران متلازمان يتم عبرهما تطوير الشريحة الشبابية ثقافيا، المسار الأول هو الذي يعتمد الأسلوب التنظيري عبر المحاضرات والتعليمات والتوجيهات المكتوبة في هذا المجال، والتي غالبا ما تقدَّم خلالها توجيهات نظرية مكتوبة في كتب أو مجلات أو يتم عرضها في برامج تثقيفية معينة عبر شبكات التواصل المختلفة أو في وسائل التوصيل الإعلامية كالصحف الإلكترونية أو المجلات أو المنصات الأخرى.
أما المسار الثاني لتطوير الشباب ثقافيا فهو يعتمد الأسلوب العملي المباشر، حيث يتم استقدام الشباب إلى معاهد مختصة بالتطوير الثقافي الفعلي الذي يقوم على تدريب الشباب في دورات يشرف عليها أساتذة مختصون يقدمون توجيهات وتمرينات عملية ترفع بالمستوى الثقافي للشباب، وهذا الأسلوب معتمَد في دول ومجتمعات عديدة لاسيما المتقدمة.
لذا نحن في العراق نحتاج بشكل فعلي مدروس إلى خطوات عملية تدعم الثقافة الشبابية، وذلك عبر عملية التعاضد بين المسارين النظري والعملي، فالخطوات التي يجب أن نحددها في المسار النظري يجب أن تضم ما يلي:
- تفعيل دور المكتبات الحكومية والأهلية في المحافظات والمدن كافة.
- السعي لاستقطاب عدد كبير من الشباب للدخول في عالم الكتاب والكتابة.
- الترويج لعملية القراءة ونشرها بين الشباب والعمل الدؤوب على توزيع الكتاب في مساحات أكبر وأوسع.
- العمل على نقل التجارب النظرية للشخصيات المتميزة في المجتمع ثقافيا حتى يستفيد منها الشباب كنماذج ثقافية يُعتمَد عليها في قطع مشوار الحياة الطويل.
- إنشاء أمكنة لتبادل الثقافة النظرية للشباب أنفسهم، مثل تبادل الكتب والمجلات الثقافية وتشجيعهم على تبادل التجارب القرائية فيما بينهم.
المقصود بالثقافة العملية أو التطوير الثقافي العملي، أن لا يقتصر الأمر على القراءة والكتابة وحدهما، وإنما الدخول في العالم التجاري للثقافة وإمكانية صناعة الرمز كما يحدث في كثير من الدول الأجنبية
من الملاحَظ أن الخطوات أعلاه ليس عصية على التنفيذ، لكن هي بحاجة إلى جهات تدعمها وتقوم بتطبيقها مثل المنظمات المدنية الثقافية المسجَلة في أمانة مجلس الوزراء على أنها منظمات مجتمع مدني وتحصل على دعم مادي من المجلس المذكور لكنها في حقيقة الأمر قلّما تتصدى لدورها بالشكل الأمثل.
كذلك لابد للجهات والمنظمات الثقافية الرسمية مثل (البيوت الثقافية التي تعود لوزارة الثقافة)، هذه تعد منظمات حكومية تخصَّص لها أموال وأهداف وبرامج ثقافية عليها القيام بها خصوصا تجاه شريحة الشباب التي تبحث عن الدعم الثقافي لتطوير مستوياتها.
أما بخصوص الخطوات التي يجب أن ينطوي عليها المسار العملي فيمكن إيجازها على النحو التالي:
- المباشرة في فتح معاهد ثقافية تقوم بتقديم الدورات التثقيفية العملية للشباب.
- يمكن تنفيذ الخطوة الأولى من قبل الجهات الرسمية وزارة الثقافة، بالتعاون مع البيوت الثقافية على الصعيد الداخلي ومع الملاحق الثقافية في السفارات على الصعيد الخارجي.
- بالإمكان التنسيق مع المنظمات والمعاهد المدنية لكي تقدم دورات عملية في الكتابة أو صناعة الثقافة وتعليم الشباب على التعامل التسويقي التجاري معها.
- مثلا يمكن الدخول في مجالات تصميم الكتب، والعمل في مطابع الكتب، وكذلك يمكن الارتقاء بصناعة الكتاب نفسه وجعله سلعة قابلة للترويج.
- المقصود بالثقافة العملية أو التطوير الثقافي العملي، أن لا يقتصر الأمر على القراءة والكتابة وحدهما، وإنما الدخول في العالم التجاري للثقافة وإمكانية صناعة الرمز كما يحدث في كثير من الدول الأجنبية.
- قامت بعض المنظمات الثقافية بخطوة عملية لنشر الثقافة الشبابية عندما قامت باستقبال الطاقات الشبابية الطامحة لتطوير قدراتها و مواهبها الثقافية، وقد تمكنت من تخريج شباب قادرين على التعامل مع الثقافة كمنتج عملي (سلعة) وقد فتح بعض هؤلاء مشاريعهم الثقافية الخاصة في الواقع (مكتبات في المتنبي)، وفي منصات الإنترنيت (برامج ثقافية شخصية) حققت أرباحا جيدة للقائمين عليها وهم في الغالب من شريحة الشباب المتطلع إلى الأفضل دائما.
العمل على نقل التجارب النظرية للشخصيات المتميزة في المجتمع ثقافيا حتى يستفيد منها الشباب كنماذج ثقافية يُعتمَد عليها في قطع مشوار الحياة الطويل
خلاصة؛ ما نريد أن نصل إليه مما تقدم في أعلاه، أن لا يتم حصر الشباب في المجال الثقافي بمسار واحد هو الجانب النظري، لأن الثقافة اليوم تحولت على المستوى العالمي إلى صناعة، والمقصود هنا بالثقافة المصنّعة، أي الخدمات الثقافية التي يمكن أن تأخذ شكل الطابع العملي المصنّع والذي يدرّ على الشباب أرباحا من أعمالهم الثقافية، وهناك تجارب من هذا القبيل موجودة عالميا، ومنها عراقيا أيضا كما في بعض المشاريع الثقافية العملية في شارع المتنبي، ومنها المقاهي التي تستثمر المنتَج الثقافي عمليا.