كل أنثى تزوَّجت و رُزقت بطفل تعيش عدة تحديات مليئة بالصعوبات خلال رحلة الأمومة، و لربَّما لو لم يرزقَها الله حناناً وعطفاً ورحمة وصبراً وما شابه، لما تحمَّلت ما يجري لها من بداية حملها إلى أن تنجب و يصبح أطفالها شباباً ولربما كهولاً .
ومما يخفف عنها ما تعانيه أن تبتعد عن دور الضحية وأن تعيش أيامها مع طفلها وكأنها أزمة وصراع يستمر كلَّ يوم يرهقها ويحرمها راحتها من نوم وطعام وتطور، بل لها أن تتمتع بكل لحظة تعيشها معه وكأنها اللحظة الوحيدة، فالأمومة والتربية تعتبر من التحديات التي تعيشها، تواجهها، وتتعلم منها .
من التحديات المشتركة التي تواجهها أغلب الأمهات :
١ – الخوف: فبعض الأمهات يفكِّرن بأسوء التوقعات، فهي تسأل نفسها بإستمرار:
ماذا لو حدث مكروه لطفلي؟
ماذا لو لم أكن أمَّاً جيدة؟ لديَّ قرارات خاطئة، لم أؤدي ما عليَّ تجاه أبنائي..
والحل لذلك التثقيف بالقراءة وحضور ورشات العمل، و اللجوء لروايات أهل البيت، عليهم السلام، فيما يخص الاستعداد للأمومة من واجبات ومستحبات والمراحل العمرية لهم مع تطوراتهم الادراكية ومهاراتهم الاجتماعية والنفسية، والاتكال على الله وتقديم كل ما تستطيع بدون تأنيب ضمير و جلد للذات .
2- الغضب: ففي بعض الأحيان يدفع الطفل والدته للغضب، فيجعلها بسبب تصرفاته تصرخ وتتصرف بعصبية، وبعدها تبدأ بجلد الذات والندم، والحل هنا محاولة ضبط الاعصاب والتحكّم بردات الفعل مهما كان الظرف، ومهما كانت أفعال الطفل .
٣- الشك: فبعض الأمهات يبقين في شك دائم بأفعالهم، قراراتهم، أفكارهم، وبالتالي هذا التفكير وكثرة الشك يؤثر سلباً على الاسرة ويجعل أفراد العائلة يتعلمون كثرة الشك، وعدم الثقة بالنفس، لذلك عليهم التأنِّي والتفكير قبل اتخاذ القرارات وعدم الشك بسبب صحة اتخاذ القرار .
٤ – السيطرة: من الجيد أن يكون لدى الأم سلطة على أبنائها، ولكن المبالغة في السيطرة على الطفل تسبب له أضراراً على المدى البعيد، فيصبح غير قادر على مواجهة المجتمع فيما بعد، لذلك عليها التخلّي عن جزء من محاولة السيطرة على الطفل، ومنحه فرصة التجربة واكتشاف الأشياء بنفسه، والسماح له بنسبة من الخطأ للتعلم .
٥ – التوقعات العالية: فكلُّ أم تريد أن يكون طفلها ناجحاً، ولكن التوقعات التي تكون أعلى من مستوى الطفل تشكِّل ضغطاً عليه، وتصيبه بالإحباط، وقد تؤدي إلى إصابة الطفل بالاكتئاب وتُنشِئ عنده ردة فعل عكسية، لذلك عليها أن تكون توقعاتها واقعية ومنطقية، وقابلة للتحقق، حتى لا يشعر الطفل بالفشل لأنه لا يستطيع تحقيق توقعاتها .
طلب المساعدة من أهل الاختصاص
في عصرنا الحالي تواجه الأمهات العديد من التحديات والضغوطات، فمتطلبات الحياة اليومية التي تضغط على الوقت والطاقة، وكذلك التغيرات الاجتماعية والثقافية سريعة، وقد يكون الامتناع عن الذهاب إلى استشارات في موضوع الوالدية من أكبر الأخطاء التي يقع فيها العديد من الأمهات.
حيث تعدُّ استشارات الوالدية ضرورة حقيقية في حياة كل أم، وهي توفر الدعم والتوجيه والمعرفة اللازمة لمواجهة التحدِّيات اليوميِّة والمشاكل النفسية والتربوية، إنَّها مساحة آمنة تمكِّن الأم من التحدُّث عن مخاوفها ومشاكلها وتلقِّي النصائح والاستراتيجيات الفعالة للتعامل معها، وهي ليست إشارة على الضعف أو الفشل كأم.
بل هو خطوة شجاعة وحكيمة تؤكد اهتمام الأم العميق بتربية أبنائها ورغبتها في أن تكون أماً أفضل، كما أنَّها ليست مجرد مجموعة من النصائح العادية، بل هي تجربة تعليمية وداعمة تهدف إلى تنمية الأمهات وتعزيز قدراتهن، وتساعدهم على فهم احتياجات أطفالهم والتفاعل معهم بطريقة ملائمة وفعّالة وتقدم لهم المشورة في مجالات متعددة كالصحة والتغذية السليمة، والتربية الإيجابية، وتنمية مهارات التواصل العاطفي، وإدارة الوقت والضغوط، وتطوير الثقة بالنفس والتفكير الإيجابي وتعلمهم كيفية التعامل مع تحديِّات المراهقة والتوترات الأسرية، وكيفية بناء علاقات صحية ومتوازنة مع الشريك والعائلة والمجتمع .
رحلة الأمومة
إنَّ رحلة الأمومة بكل تبعاتها والتزاماتها، وبالتأكيد تختلف من إمرأة لأخرى، وما قد تحتاجه امرأة لا تحتاجه امرأة أخرى، ومن الخطأ الاعتقاد أن تجارب الأمهات متشابهة فكل تجربة لها خصوصياتها وظروفها، بل إنَّ الفروق الصغيرة تجعل كل تجربة فريدة ومهمة، لكن المؤكد أنَّه يجب أن تستقطع الأمُّ لنفسها وقتاً خاصاً مهما كان بسيطاً، حيث يمكن لهذا الإجراء البسيط أن يجعلها في حال أفضل، ومع هذا الوقت المستقطع تستحق الأمُّ أن تحظى بالمساعدة، ولا حرج أبداً من طلبها، وهذا يعني أن تتخلى عن فكرة أنَّ الأم يجب أن تقوم بكل شيء لتثبت للجميع كم هي كاملة .
ليست الأمومة ورطة، كما ليست عقوبةً تقضيها المرأة مدى الحياة، إنها رحلة بكل ما فيها من تناقضات وجمال ومتعة وعناء، وبالقدر الذي تتطلب من الأمهات الكثير من العطاء والعمل تتطلب أيضاً من الجميع المساندة والدعم والقيام بواجباتهم
بالتأكيد هناك ظروفٌ ومواقف تستدعي الدعم والتدخل ممن حولها وأولهم الزوج والأسرة، فليس من العدل أن تظلَّ الأمُّ بلا نوم طوال الليل ترعى طفلاً مريضاً ولا يساندها أحد، ثم عليها أن تبدأ يومها لتجهيز الأبناء للمدرسة، ثمَّ القيام بكل الأعمال المنزلية، فهي بشرٌ وليست آلة، كما ليس من العدل أن تكون هي وحدها مسؤولة عن متابعة دراسة ومذاكرة الأبناء، والقيام بكل الأعمال المنزلية، المشاركة هنا والإسهام في غاية الأهمية، وتوزيع وتقاسم الأدوار والمسؤوليات من شأنه أن يخفف على الأم ويجعلها في وضع أفضل.
فالأم المجهدَة المستنفدَة نفسيّاً ومعنويّاً في الغالب ستكون حادة وعصبية وساخطة على من حولها ولا دافع لديها للاستمرار، بينما المشاركة والإسهام ممن حولها في تخفيف الضغط النفسي والمعنوي عنها سيجعلها ممتنة ومتوازنة، وهذا ليس فضلًا منهم، بل هو واجب وحقٌّ من حقوقها .
يقدم الخبراء وأصحاب التجارب العديد من النصائح والتوجيهات للأمهات يمكن أن تساهم بقدر معقول في جعل الحياة والمسؤوليات أقل ضغطًا عليهم، ويجعل رحلة الأمومة أكثر سلاسة وأقل تبعات، وفي الحقيقة الأمومة لا تتطلب منا أن نكون كاملين بقدر ما تتطلب منا أن نكون حاضرين، ومتفهمين ونتعامل بوعي وليس بقسوة مع أنفسنا، ومع من حولنا، وتحمّل ما هو فوق طاقتنا، ومن تلك النصائح والتوجيهات:
١– التنظيم والتخطيط المسبق: وهو يمنع الكثير من الفوضى، وتنظيم الوقت يساعد على ترتيب الأفكار والأولويات، والأسبوع هو الوحدة الملائمة للتخطيط، ولا بد أن تكون الخطة مرنة وواقعية، ويمكن ألا تطبق حرفيّاً، وهذا لا يجب أن يحبطنا، لكن بالتأكيد سيساعد كثيراً، والتجربة أكبر برهان .
٢- تحديد الأولويات ووضع الأهداف الواقعية وهنا نقول: قليل دائم خير من كثير، فالعبرة بالكيف لا بالكم ، ومن أكثر الأمور التي تفسد خطة تنظيم الوقت المثالية، أمَّا إدارة الوقت بشكل جيد فهي تحتاج إلى تركيز، فمن السهل وضع الخطة وكثرة المهام، ولكن التطبيق شيء آخر.
٣ – التفويض: من السهل أن نقوم بالأعمال بدلاً عن أطفالنا، نطعمهم بدلاً من أن يطعموا أنفسهم لنضمن أداء المهمة في أقصر وقت وأقل قدر من الفوضى، نلبسهم بدلاً من استغراق المزيد من الوقت في محاولات ارتداء الملابس بأنفسهم، وأن نذاكر لهم كل شيء، وأن نسارع إلى التدخل وحل المشكلات بين الأطفال حتى ينتهي الصراخ والجدال بينهم، كل هذه التصرفات أخطاء نتحمل تبعاتها لاحقًا، لأنهم سيكبرون كسالى معتمدين عليها باستمرار، كما أنها تحرمهم من الشعور بالحرية والاستقلال وتطوير المهارات الذاتية.
لهذا على الأم تفويض كل ما يمكن من المهام لهم، وليتحمل كل فرد في البيت مسؤوليات تزداد مع زيادة العمر والقدرات، وعليها مساعدتهم على تطوير قيم التعاون بتقسيم الأعمال إلى مهام بسيطة، ومكافأتهم عليها معنويّاً بالمدح والتقدير .
٤ – كسب الوقت: التمييز بين ما يمكن عمله مع عمل آخر في الوقت نفسه، على سبيل المثال: مراجعة بعض الدروس مع الأطفال أثناء القيام بعمل البيت .. وهكذا .
٥ – قول لا: فلتقل الأم لا، وخصوصاً الأمهات اللاتي اعتدن على إرضاء الجميع، والحرص على مساعدة الجميع، وهذا أمر ضروري لإدارة الوقت، فلا خوف منها وهي لاتسبب خيبة أمل لمن حول الأم، وأفضل من أن تورط نفسها في مهام جديدة تشكل عليها ضغطاً لاتستطيع تحمُّله .
٦- اختصار الوقت: وذلك بإستخدام وصفات طعام سهلة والأجهزة المتطورة المساعدة.
٧ – الروتين اليومي والأسبوعي هو المفتاح الذهبي لتنظيم الوقت، ويوفر الطاقة الذهنية للتخطيط كل يوم، ويخلصها من الإجهاد، والروتين مفيد للجميع الكبار والصغار، روتين للاستيقاظ والنوم، الأعمال المنزلية، الترفيه، وكل التفاصيل .
٨ – الفصل بين مهام الأمومة والعمل: وبقدر الإمكان لتكن مهام الأمومة في البيت، ومهام العمل في العمل، وإن كان لا بد فبأضيق الحدود، وبترتيب .
٩ – ساعة الأمهات: فساعات الصباح الاولى او قبل النوم مناسبة لاعتبارها ساعة خاصة للاسترخاء وترتيب الأولويات، وتناول المشروب المفضل، ولربما مشاهدة التلفاز أو قراءة قرآن أو كتاب وبعدها تقوم الأم بمهامها اليومية بكلِّ نشاط وتفاؤل.
والعديد من الأمهات حول العالم جربن هذه الحيلة للحصول على وقت خاص لهن في ظل الانشغال ومطالب الأسرة، من خلال الاستيقاظ ساعة أو ساعتين قبل الآخرين، لكن المهم ألا تضيعيها في المهام التي يمكن القيام بها في ظل ضجيج الأطفال، ووجود الآخرين، مثل تنظيف المطبخ، وترتيب البيت، هذه الساعة ثمينة جدًّا، هي وقتك للاسترخاء وترتيب أولوياتك، والتفكير في أهدافك، تناول القهوة مع تصفح كتاب، يمكنك حتى الاسترخاء في هدوء بدون فعل أي شيء استعدادًا للحياة اليومية المليئة بالمطالب والأعمال بنشاط وتفاؤل.
إنَّ رحلة الأمومة بكل تبعاتها والتزاماتها، وبالتأكيد تختلف من إمرأة لأخرى، وما قد تحتاجه امرأة لا تحتاجه امرأة أخرى، ومن الخطأ الاعتقاد أن تجارب الأمهات متشابهة فكل تجربة لها خصوصياتها وظروفها
ليست الأمومة ورطة، كما ليست عقوبةً تقضيها المرأة مدى الحياة، إنها رحلة بكل ما فيها من تناقضات وجمال ومتعة وعناء، وبالقدر الذي تتطلب من الأمهات الكثير من العطاء والعمل تتطلب أيضاً من الجميع المساندة والدعم والقيام بواجباتهم، وتتطلب من الأمهات أولاً وأخيراً ألا يلغين أنفسهن في هذه الرحلة، فالجميع بلا استثناء يحتاجون العمل والنجاح والراحة، والترفيه، والتقدير والامتنان.
وأخيراً: علينا أن ندرك أنَّ الأمومة أعظم رسالة في هذا العالم، وأهمُّ مهنة يمكن أن تتحلى بها المرأة، فهي ليست مجرد واجب عادي، بل هي رحلة مليئة بالمشاعر والتحديات والفرح والحزن، وهي قوة لا تقدَّر بثمن، وتحمل في طياتها مصير الأجيال القادمة ومستقبل البشرية.