حرصت الشريعة على رعاية الطفل والاهتمام به، وحثت على مراقبته وتحديد ما يسمع وما يرى فهي السباقة في تنقية كل ما يؤثر على أخلاقه مستقبلا.
إن للأسرة التي ينشأ فيها الطفل دوراً هاماً في تربيته؛ حيث يعد محيط الأسرة مدرسة تستطيع أن تنمي المواهب الكامنة في نفس الطفل، وتعمل على إحياء الخصائص الفردية لديه، فالأفراد ليسوا متفاوتين فيما بينهم من ناحية المنظر والبناء الخارجي فقط، بل يختلفون من حيث معنوياتهم ونفسياتهم أيضاً، وهذا الاختلاف نفسه أحد مظاهر القدرة الإلهية، قال تعالى: {ما لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا}.(سورة نوح، الآية: ١٣ – ١٤).
ولذا نجد أن بعض الأطفال يولدون مع صفات وخصائص معينة لا توجد عند الأطفال الآخرين، فربما يوجد العقل والإدراك، والذكاء والفطنة والحافظة، وسرعة الإنتقال والشهامة والسيطرة على النفس وغير ذلك، في بعض الأفراد بصورة أكثر من المعتاد، قال رسول الله، صلى الله عليه وآله: “الناس معادن، كمعادن الذهب والفضة”، ولقد أروى رسولُ الله الإمامَ علي، عليه السلام، في صغره من ينبوع محبته وعطفه من جهة، وأعطاه دروساً في الأخلاق، وأمره باتباعها من جهة أخرى.
إن تربية الطفل يجب أن تستند إلى الإدراكات الطبيعية والميول الفطرية للإنسان، فأساليب التربية التي تبنى على هذا الأساس تكون هي الصحيحة، وهي الطريق الواقعي لسعادة الإنسان.
ونحن نعيش في الجو والمجتمع الإسلامي الأصيل وأحرص كل الحرص على انتاج جيل مسلم ملتزم قائم على المفاهيم الإسلامية لابد من النظر في توجيهات أهل البيت، عليه السلام، ونظراتهم فيما يخص التربية الطفل، فلابد أن لدرس سيرتهم وأقوالهم للتعرف على رأيهم في باب تربية الطفل.
إن السنوات الأولى من عمر الطفل تعد هي من أهم مراحل حياته، حيث يؤكد علماء التربية على ضرورة الاهتمام الزائد بالطفل، وأهمية تأديبية بالآداب الحسنة، وأن مدرسة أهل البيت، عليهم السلام، تراعي طاقة الطفل، فلا تكلفه فوق طاقته، بما يشق عليه، فمدرسة أهل البيت، عليهم السلام، سبقت المدارس التربوية المعاصرة حيث أخذت بعين الاعتبار التدرج في التربية، من الضروري أن نراعي عمر الطفل وذلك، لأن لكل عمر سياسة تربوية خاصة به، وذلك بأن يؤدب الطفل على الذكر الله إذا بلغ ثلاث سنين، قال الإمام الباقر، عليه السلام: “إذا بلغ الغلام ثلاث سنين فقل له سبع مرات قل لا الله إلا الله، ثم يتراك”.
إن السنوات الأولى من عمر الطفل تعد هي من أهم مراحل حياته، حيث يؤكد علماء التربية على ضرورة الاهتمام الزائد بالطفل، وأهمية تأديبية بالآداب الحسنة
ثم تتدرج مع الطفل فتبدأ بتأديبه على الصلاة، يقول الامام علي عليه السلام: “أدب صغار أهل بيتك بلسانك على الصلاة والطهور، فإذا بلغوا عشر سنين فاضرب ولا تجاوز ثلاثا”.
وهناك أمور أخرى اثناء هذه الفترات كأن تؤدبه على العطاء والاحسان إلى الآخرين، وتزرع في وعيه حبَ المساكين، وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليه السلام: “مر الصبي فليتصدق بيده بالكسرة والقبضة والشيء، وإن قل فإن كل شيء يراد به الله وإن قل بعد أن تصدق النية فيه عظيم”، فلا تقتصر تربية الأولاد على الأبوين فحسب بل هي مسؤولية اجتماعية تقع أيضاً على عاتق جميع أفراد المجتمع، حيث يقول الإمام الصادق، عليه السلام: أيما ناشئ نشأ في قوم ثم لم يؤدب على معصية، فإن الله عز وجل أول ما يعاقبهم فيه أن ينقص من أرزاقهم”.
لذا تجد أن بعض الاباء يدلّلون اولادهم دلالاً بحيث لا يستطيعون أن يسيطروا عليهم في بعض الاحيان، حيث تجدهم يتكلمون الكلام البذيء كالشتم وغيره، فينبغي علينا عدم الاسراف في تدليل الطفل، واتباع أسلوب تربوي يعتمد على مبدأ الثواب والعقاب، كما يحذر أئمة أ أهل البي البيت، عليهم السلام، من الأدب على الغضب، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): “لا أدب مع غضب”.
حق التعليم
التعلم لابد من أن يكون نافعا يؤخذ من منابع طيبة خاصة، ونحن نعيش تسارع الإنجازات العلمية التي تجبرنا على مسايرتها والأخذ بسبلها واستخدامها كنوع من تطبيقات الحداثة مثال ذلك الشبكة العنكبوتية وتأثيرها على سلوك أبنائنا.
فعالم الإنترنت أصبح تلك الحقيبة التي تحوي كل شيء، فمن داخل بيوتنا نصل إلى أبعد نقطة في العالم لنحصل على المعلومات وسبل التواصل المختلفة، فشاع في الأونة الأخيرة الاستخدام المفرط للانترنت عند الكبار والصغار، فإلى جانب إيجابيات هذا العالم هناك سلبيات كثيرة، ولعل هدر الوقت وقتل روح الإبداع والنشاط وما يتعرض له الأبناء بسبب المحتويات غير الأخلاقية من أبرز مشاكل هذا العالم.
استثمار فترة الطفولة في بناء القيم التربوية
كان ولازال التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، يتوجب استثمار فترة الطفولة لكسب العلم أفضل استغلال، وفق برامج علمية تتبع مبدأ الأولوية أو تقديم الأهم على المهم خصوصا ونحن في زمن يشهد ثورة علمية ومعرفية هائلة، وفي عصر هو عصر السرعة والتخصص.
ولقد أعطى أهل البيت، عليهم السلام، التعلم لقرآن أولويةً خاصة، وكذلك تعلم مسائل الحلال والحرام، ذلك العلم الذي يمكنه من أن يكون مسلما يؤدي فرائض الله المطلوبة منه، والمتدليل على ذلك، نجد أن من وصايا أمير المؤمنين لابنه الحسن عليهما السلام: “ابتدأتك بتعليم كتاب الله عز وجل وتأويله، وشرائع الإسلام وأحكامه، وحلاله وحرامه، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره”.
إن السنوات الأولى من عمر الطفل تعد هي من أهم مراحل حياته، حيث يؤكد علماء التربية على ضرورة الاهتمام الزائد بالطفل، وأهمية تأديبية بالآداب الحسنة، وأن مدرسة أهل البيت، عليهم السلام تراعي طاقة الطفل، فلا تكلفه فوق طاقته بما يشق عليه
وزيادة على ضرورة تعليم الأطفال العلوم الدينية من قرآن وفقه، تركّز السنة النبوية المعطرة على أهمية تعلم الطفل لعلوم حياتية معينة كالكتابة والسباحة والرمي، منها: قول الرسول الأكرم: من حق الولد على والده ثلاثة: يحسن اسمه، ويعلمه الكتابة، ويزوجه إذا بلغ”.
إذن فتعليم الكتابة حق حياتي تنقشع من خلاله غيوم الجهل والأمية عن الطفل قال، النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله: “حق الولد على والده أن يعلمه الكتابة، والسباحة، والرعاية وأن لا يرزقه إلا طيباً”.
بهذا المنهج نحافظ على كيان الأسرة المسلمة الشرقية التي طالما حسدنا عليه الغرب في الوقت الذي يعاني من التفكك الأسري والانعزالية وجفاف العواطف، وتحكّم المال والنفوذ على حساب عاطفة الأبوة والأمومة والانتهاء إلى الوطن والدين والأمة.
الأدب أولا
لذا تعد مدرسة أهل البيت، عليهم السلام، الرائدة بالتأكيد والتفاصيل في مزاوجة العلم مع الأدب والخلق العالي، بل قد يقدم الثاني على الاول، الأدب والخلق ثم العلم والمعرفة.
ولهذا فإننا نجد الإسلام قد وضع قواعد في التربية والتهذيب ومبادئ للقيم والأخلاق، ليقيم عن عليها مجتمعا نقي السريرة، عفيف للسان ذا أدب وذوق رفيع، فقد عني الإسلام بموضوع الأدب بشكل عام، قال رسول الله: “ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن”.(كنز العمال للمتقي الهندي: ج ١٦، ص ٤٥٦) وقال: “أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم يغفر لكم”. (مكارم الأخلاق للشيخ الطبرسي: ص ۲۲۲)
فنحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم، وأن قليل الأدب خير من كثير من العمل، ولذلك هلك إبليس وضاع أكثر عمله بقلة أدبه، لذا قيل: اجعل عملك ملحا وأدبك دقيقاً؛ أي ليكن استكثارك من الأدب أكثر من استكثارك من العمل لكثرة جدواه ونفاسة معناه، وقيل في بيان فضل الأدب: أربعة يسود بها العبد العلم والأدب، والفقه، والأمانة، وقيل: من كثر أدبه شرف وإن كان وضيعا، وساد وإن كان غريبا،
وقال إلامام علي بن الحسين: “القول الحسن يُثري المال وينمي الرزق وينسى في الأجل. ويحبب إلى الأهل، ويدخل الجنة”. (الخصال للشيخ الصدوق ص ۳۱۷)
قال الشاعر:
عود لسانك قول الخير تحظ به
إن اللسان لما عودتَ معتاد
موكل بتقاضي ما سننت له
في الخير والشر فانظر كيف تعتاد