طالما نسمع أن صلاح المجتمع هو من صلاح الأفراد، ولذا صلاح الأفراد دوال مهيمنة استحقاقية لصلاح المجتمع، فصلاح كل منهما ينعكس على الآخر، فالمجتمعات الآمنة المطمئنة هي التي تقل فيها حالات الانحراف، ولا نقول تنعدم فليس هناك مجتمع ملائكي على وجه الأرض كلها ويبقى الأمر في تفاوت، لكنَّ ركيزة المجتمعات هي من تنتج أفراداً صالحين يُنادون بالأمر بالمعروف وينهون عن المنكر.
إذ أن الأفراد الصالحين هم من يقومون بدورهم في النهج الإصلاحي داخل المجتمع بما يشيعونه من سلوك نظيف قويم يحد بدوره من مخلفات الانحراف، ويجعل المنحرف متردداً في أي فعل يفعله، وأي عمل يقوم به؛ وقد يمارسه بعيداً عن مرأى الناس وسمعهم، وإذا حُصر الانحراف أو المنكر في الدائرة الضيقة سهلت السيطرة عليه وتطويقه وربما من ثم تطويعه ليكون ماثلا بالشكل الصحيح.
وبناء على ذلك، فإن مسؤولية مكافحة الانحراف وحماية الشباب منه مسؤولية تضامنية تنهض بها العديد من الجهات لعل أولها الأسرة (النواة) التي تحتضن الشاب والفتاة على السواء، وتؤثر على مدى التربية التي يتلقاها كل منهما في صغره لتحدد ماهية مستقبله.
فإذا حظي الشباب بأسرة صالحة سيكونون صلحاء بنسبة كبيرة، والعكس صحيح وقد تؤدي عوامل خارجية كثيرة دورها في انحراف الشباب والفتيات، لكن يبقى دور العامل الأسري في الحماية، والوقاية، والصيانة، والمتابعة من أهم العوامل على الإطلاق، بناء على قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}. ( سورة التحريم، آية: 6).
وهذه إشارة إلهية تتمحور حول مفهوم أن الأسرة هي الحجر الأساس في البناء التربوي، وكلما كان متيناً أمكن التنبؤ بصلاح المجتمع والأمل بمستقبل يبشر بالخير والصلاح، وبخلافه إذا كان هشّا فإنه لا يصمد أمام الضغوط والتحديات ولاسيما الراهنة، وما يعانيه شبابنا اليوم من الغزو الثقافي الذي يحيط به من اتجاهات شتى، حينها لابد من جهود ذاتية استثنائية كبيرة يبذلها الشاب، حتى يجد الداعم الذاتي والوازع الداخلي الذي يواجه به أنماط الغزو الثقافي من جهة، والتسلح بركائز البناء المتين المتمثل بـ (الدِين).
تبقى مسؤولية الشباب عن نفسه في حماية نفسه من الانحراف من أهم المسؤوليات، فقد لا تنفع الجهات الأخرى في حمل الشباب على الإقلاع عن ظاهرة انحرافية معينة، لكن الفتيان والفتيات – بما أوتوا من همة عالية – قادرون على الوقوف بوجهها إذا تنبهوا إلى مخاطرها الحاضرة والمستقبلية
فقد نجد كثيراً من الصور السلبية و التمظهرات (اللااخلاقية) – إن جاز لنا القول – إن الأم التي تسمح لابنتها أن تطل على الضيوف وهي بملابس غير محتشمة، او تخرج بها، او الأب الذي يبتسم بفخر لابنه الذي استطاع أن يحتال على شخص فيغلبه، ويعد ذلك سمةً من سمات رجولته، او على وفق ما يأتي بالمصطلح العام (شطارة)، هؤلاء إنما يدفعون أبناءهم وبناتهم بكلتا أيديهم إلى براثن التهلكة والانحراف.
وفي المقابل ما نجده عند بعض الآباء والأمهات اللذين يحتاطان ويحترزان ويقدران مخاطر أمثال هذه التصرفات، وينطلقان في تربية أبنائهم وبناتهم على النهج الأخلاقي القويم الذي مدح به ــ عزّ من جل ــ رسوله محمد، صلى الله عليه وآله،: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}. (سورة القلم آية: 4).
إذ يكون المعيار الأخلاقي هو المسار المحدد في تنشئة الأجيال، وهو الرادع الحامي لهم في الحاضر والمستقبل، وإذا رأينا أن بيئة الأسرة التي تعيش ضمن ملوثات ومحفزات على الانحراف عليها أن تغير محل سكناها حفاظا على سلامة أبنائها، وان يقدما التربية الحسنة بشقيها المباشرة بالموعظة والحكمة، وغير المباشرة بأن يكونا القدوة والمثال الحق لهم.
وتبقى مسؤولية الشباب عن نفسه في حماية نفسه من الانحراف من أهم المسؤوليات، فقد لا تنفع الجهات الأخرى في حمل الشباب على الإقلاع عن ظاهرة انحرافية معينة، لكن الفتيان والفتيات – بما أوتوا من همة عالية – قادرون على الوقوف بوجهها إذا تنبهوا إلى مخاطرها الحاضرة والمستقبلية، ذلك أن الشاب وحده الذي بيده قرار الاستسلام للانحراف أو الانسياق مع المنحرفين، وبيده وحده قرار الممانعة والمقاومة ورفض الضغوط أو الإغراءات التي يلوح بها الانحراف أو الشبهات.
من هنا تأتي ضرورة أن يتجه الشاب أو الفتاة إلى تربية أنفسهما منذ وقت مبكر بالنشىء على التربية الدينية السليمة، والإحساس بالمسؤولية، وتحمل نتائج الأعمال، ومعرفة الصواب من الخطأ، والرجوع إلى ذوي الخبرة والاختصاص في أي أمر عجزوا عنه.
إذا حظي الشباب بأسرة صالحة سيكونون صلحاء بنسبة كبيرة، والعكس صحيح وقد تؤدي عوامل خارجية كثيرة دورها في انحراف الشباب والفتيات، لكن يبقى دور العامل الأسري في الحماية، والوقاية، والصيانة، والمتابعة من أهم العوامل على الإطلاق
إن الشباب أنفسهم بوصفهم موضوعا قد يؤثر فيهم الانحراف، هم ذاتهم يؤدون دوراً غاية في الأهمية في قطع دابر الانحراف، فالإنسان طبيب نفسه، ويمكنه كشاب أن تتفادى الانحراف بالمزيد من الرقابة الذاتية والتحسب للنتائج والمخاطر المترتبة عليه، والتواصي فيما بينه وبين الآخرين من الأصدقاء والأخوة على مكافحته، ورفضه، بل غرس القيم الحيّة الإيمانية والإنسانية التي تعمل على بناء شباب ديني متعلم يُنتفع به حتى نبني جيلا متسلحا بالعلم النافع والتقوى، فقد ذهب زمن مواجهة العدو بالدعاء والكلام، وأصبحت التكنولوجيا هي السلام أو أداةً لنشره، والحسم الأمثل في كل معارك الأمة المصيرية هو التحلي بالدين، والتمسك به، والعمل بما أمر الله تعالى.