الابتلاء أمر يجري على جميع من في الأرض بما فيهم الأنبياء والمرسلين والأئمة الطاهرين، عليهم السلام، وعلى المؤمنين، والدنيا مليئة بالمتناقضات والأوهام والظلم والمصائب المتنوعة، وكلما زاد إيمان الفرد زاد البلاء عليه من أجل اختباره ومعرفة مدى صبره وتحمله لما يلقاه في دنياه، وهذا الاختبار اذا نجح به الفرد فهو إما غفران له، أو رفع درجات في جنان الخلد.
لذلك نرى أن أهلَ الخير هم قلّة قليلة متمثلة بالفئة المؤمنة الملتزمة التي تسعى دائما لرضى الله والفوز يوم القيامة، أما أهل الشر فهم الأكثرية كما ورد ذلك في القرآن الكريم وهي التي تقف دائما في وجه أهل الخير تحقيقا لمصالحهم ومطامعهم الدنيوية الزائلة.
وإن الإنسان الحر الذي يحسن للآخرين ويقدم لهم كل خير فهو في الكثير من الأحيان لا يلقى منهم الا العكس، وهذا الأمر يدخل في حتمية الابتلاء والاختبار ليُعرف الغث من السمين في غربال دائم بدوام الحياة الدنيا، وعلى هذا الاساس كتب الشاعر عبود جودي الحلي قصيدته على البحر الكامل رثاء للمرحوم الشاعر علي محمد الحائري المنشورة في مجموعته الشعرية التي تحمل عنوان (في رحاب كربلاء) الصادرة سنة 2012، وهي من منشورا ت جامعة أهل البيت، عليهم السلام، وقد اخترت بعض الأبيات منها :
صبرا على لأوائها صبرا
نحن الأولى بقيودها أسرى
دنيا تذيق شرارها عســلاً
حلواً وتطعم صيدها مُـرّا
ما أضيق الدنيا على رجل
لو شاء أن يحيا بها حُـــرا
حتى وإن أفعاله حسنـــت
تبدله من إحسانه شـــــــرا
هي هكذا الدنيا ومذ عرفت
ترمي سهام بلائها تتــرى
فالرجل الحُر العارج الى سماوات الروح والنقاء والمحبة والحرية تضيق به الدنيا، إذ يشعر وكأنها سجن يطوّق أحلامه الشاسعة وتقابله بالشر مهما حسنت أفعاله، هكذا هي الدنيا التي وصفها الشاعر عبود الحلي وهي ترمي سهام البلاء بشكل مستمر على مدى العصور مثل السهام التي مزقت جسد الامام الحسين، عليه السلام، ومن معه من المستشهدين بين يديه.
إن صورة السهام صورة فيها بعدٌ شاسع للحركة المستمرة التي تستهدف كل عقل نيّر، وكل القيم والمبادئ التي تقوّم الإنسان وتنتشله من الهاوية، إنها تستهدف الدِين الحنيف بكل الوسائل.
إن الإنسان الحر الذي يحسن للآخرين ويقدم لهم كل خير فهو في الكثير من الأحيان لا يلقى منهم الا العكس، وهذا الأمر يدخل في حتمية الابتلاء والاختبار ليُعرف الغث من السمين في غربال دائم بدوام الحياة الدنيا
تستهدف الحقيقة والسطوع كلما بزغت شمس وحياة ومحبة وكل هذا هو محض ابتلاء واختبار لابد من حدوثه، وقد ابتلي به حتى سبط الرسول وآل بيته الطيبين صلوات الله عليهم اجمعين، فالدنيا لن تصفو ولن تستقر أبدا إنها جسر عبور نحو الحياة الحقيقية في الاخرة.
لو صافت الدنيا أخـــا ثقـــة
حرا لصافت بضعة الزهرا
ولما قضى في كربلا عطشا
ولما علا شمر له صــدرا
لكنما الدنيا وزينتهــــــــــــا
ليست سوى درب الى الأخرى
هكذا إذن؛ لا أمان ولا ثقة في هذه الدنيا الزائلة، وانما هي طريق الى الحياة الأخرى، وهي الحياة المنشودة، فالكل يرحل ولا ينجو أحد الا بعمله المخلص، لذلك كان الإمام الحسين، عليه السلام، يعرف جيداً معنى أن يبذل ويضحي بكل شيء من أجل الحرية والمبادئ وهو شامخ الرأس وعزيز النفس، وهو القائل بصوته الصادح (هيهات منا الذلة)، فكان له الخلود والحضور الدائم في القلوب والعقول مهما تجبّرت الدهور.
يا راحلا عنا وصورته
تبقى تثير لواعج الذكرى
إن صورة السهام صورة فيها بعدٌ شاسع للحركة المستمرة التي تستهدف كل عقل نيّر، وكل القيم والمبادئ التي تقوّم الإنسان وتنتشله من الهاوية، إنها تستهدف الدِين الحنيف بكل الوسائل
يوظّف الشاعر عبود جودي الحلي موضوعاته بلغة سلسة وبمعان عميقة ايمانا منه بتوصيلها الى كل المستويات الاجتماعية والثقافية، إذ يحمل رسالة واضحة وله اسلوبه واختياره الخاص لموضوعاته وأهمها قضية الإمام الحسين، عليه السلام. فهي فوق كل القضايا والموضوعات التي ينسجها بصدق وايمان كبير، وهو يروم بمساهمته الإيمانية العقائدية القيمة الى نشر معاني الصبر، والعزيمة، والثبات والتضحية، والإيمان بحتمية الابتلاء في كل مجالات الحياة، وكيفية الصمود والتصبر أمامها من أجل غدٍ تسوده القيم السامية وتحقيق الحياة الكريمة في الدنيا والآخرة، من خلال الإصرار على ذات السبيل الذي انتهجه المجاهدون، والعاملون والكتّاب، والشعراء الموالون من أجل إعلاء راية الحق لترفرف عاليا خفاقةً، خدمةً للإمام الحسين، عليه السلام، ولمدينة كربلاء المقدسة.