حضرت مع افراد اسرتي لمشاهدة فلم عائلي فيه مسحة تربوية توجيهية، الفلم يحتوي على مشاهد داعية وحاثة للأبناء والافراد بصورة عامة على مواكبة ركب الحياة واللحاق به، ومن بين تلك المشاهد ذات المضامين المكثفة، مشهد كان فيه رجل يعدو للحاق بسفينة تريد ان تمخر في عمق البحر.
بعد جهد جهيد تمكن الرجل من رمي جسده بداخلها وتوقف عن الحركة لشدة لهاثه وتعبه، لكنه حصل على ما يريد، في حينها تراقصت مكنوناتي فرحا لفرحة ذلك الرجل الذي اجتهد وصعد بالسفينة ولولا محاولاته لما تمكن من ذلك.
مشهد الرجل والسفينة ذكرني بسفينة أخرى وهي سفينة القراءة، هنالك من أجهد نفسه لركوبها، وهنالك من تخلف عنها، وهنالك أيضا من يسعى لبلوغها ومحاربة الظروف التي تمنعه من القراءة، فأي الثلاثة انت؟
الكتب كغيرها من الكائنات البشرية والمخلوقات بصورة عامة، تتكاثر بشكل دوري، تُؤلف المئات من الكتب سنويا، والناس حيال هذه المولودات الفكرية أنواع، البعض ينظر للكتاب الجديد كذبابة مرت أمام أنفه، وآخر يرى أنّه وقع على كنز من الكنوز، فأيّ الأفراد أنت؟!. وهل يمثل الكتاب الجيد برأيك فعلًا صندوق كنز؟
الكتاب الثمين بمعلوماته وموضوعاته دون أدنى شك انه كنز لا يمكن ان يقابله ثمن، والسؤال الأهم هنا، كيف اقتني الكتاب “الكنز”؟ وبأي طريقة امتلك تكون لديّ فراسة الامتلاك المفيد لهذا النوع من الكتب؟
الكتاب غير المناسب كقاطع طريق، يلزمك تجنبه لكونه يحرمك من مواصلة الرحلة، ويقطع عليك مطالعة الكتب أخرى، اذ يفترض من القارئ ان يتوخى الدقة والحذر عن الاختيار، هذه في حال أراد أحد القراءة، في مجتمع هجر هذه العادة ولم تعد تشكل أي أهمية بالنسبة للأفراد.
في دراسة إحصائية تقارن متوسط قراءات الأفراد في كلٍّ من أمريكا وأوروبا والدول العربية، يحتل الفرد الأميركي الصدارة بمتوسط قراءة يبلغ أكثر من 200 ساعة في السنة، وفي أوروبا يصل الرقم لأكثر من 150 ساعة في السنة، بينما متوسط وقت القراءة لدى الفرد العربي لا يتعدى 15 دقيقة في السنة!! فماذا يعني هذا؟
القراءة مهمة للصغار والكبار، ولا يصح بالنسبة لمن بلغ مرتبة علمية كبيرة أن يقول للكتاب هذا فراق بيني وبينك، ذلك ان عادة القراءة تأخذ دورا هاماً في قلب الموازين المعرفيّة
قطعا، هذا يعني أن القراءة لدى الفرد العربي تقع في الهامش، هل القراءة بالفعل مهمة، أم هي مضيعة للوقت؟ لنقدم عدد من النماذج في هذا السياق على هيئة سؤال وجواب، هل تعلم أنّ بيل غيتس، صاحب مايكروسوفت، يقرأ سنويًا 50 كتابًا؟ فكم هي حصيلتنا السنوية؟ وأي الكتب هي التي نقرأها؟
مضامين الكتب التي نقرأها أغذية للعقل والفكر، فمتى تحسّن الغذاء، تحسنت الصحة العقلية والفكرية، ويؤكد المختصين على إيلاء الأفكار الصحيحة والسليمة أهمية قصوى لتكون مادة أولية لتوليد الأفكار الجيدة والناجحة على المستوى العملي والنظري.
فهذا الاعتناء ينعكس بعد فترة طويلة على مخرجات الفرد من الناحية الفكرية والعلمية، وتحول حياة الفرد الى حياة مغايرة عن حياة الآخرين، فالقراءة تعطي الفرد المفاتيح الصحيحة لحل اغلب المشكلات الحياتية، وبهذا تكون طريقة تعاطي الفرد مع مجمل القضايا سهلة وسلسة دون مشكلات او تطورات.
تنمية عادة القراءة تبدأ من الطفولة
لنعد إلى الطفولة والتربية، هل تعلم أنّ الأفعال معدية؟ بمعنى أنّ الطفل يتأثر بما تقع عليه عيناه، فإذا كانت الأسرة تدمن عادة القراءة، أصبح هذا الطفل قارئا، والعكس صحيح، يحكى أنّ شابا اكتشف ذات مرة أنّ والده يحمل الجريدة بالمقلوب، فلما أبلغ والده، قال الأخير: اعلم يا بني أني لا أعرف القراءة، وأمسكت الجريدة كل تلك السنوات حتى تتعلم القراءة.
هذا خطاب ورسائل مباشرة الى الأهالي والافراد بأهمية القراءة وضرورة عدم الاستغناء عنها بجميع الظروف والمراحل العمرية. القراءة هي المصابيح التي تنير الطريق الطويل المعتم بالمشكلات الاجتماعية.
والآن فلنخاطب الأمهات، هل تقرئين لطفلك قبل أن ينام؟ تشير دراسة أكاديمية أنّ القراءة للطفل قبل نومه تبني له صلة عاطفية تجاه القراءة طيلة حياته، وهناك دراسات أخرى تشير إلى أنّ رحلة التطور اللغويّ للطفل تبدأ من كونه جنينا في رحم أمه، وتحديدا في الأسابيع العشرة الأخيرة، فهل سنرى في هذا الزمن أمهات يدمنَّ عادة القراءة؟
القراءة مهمة للصغار والكبار، ولا يصح بالنسبة لمن بلغ مرتبة علمية كبيرة أن يقول للكتاب هذا فراق بيني وبينك، ذلك ان عادة القراءة تأخذ دورا هاماً في قلب الموازين المعرفيّة، وهذا الحديث يقودنا لضرورة تكوين مكتبة منزليّة، فهل لديك في منزلك مكتبة؟ قد يدهشك في صاحب مكتبة منزلية ضخمة أنّه لا يقرأ منها شيئًا، بمعنى أنّ المكتبة لديه تمثل دور تحفة وديكور فقط وهذا أمر مؤسف يدعو للشفقة، يقول شاعر مجيد واصفًا هذا الحال:
الكتاب الثمين بمعلوماته وموضوعاته دون أدنى شك انه كنز لا يمكن ان يقابله ثمن
ما يميز هذا الجيل عن غيره إن أغلبه يجيد القراءة، غير أنّ معظمه لا يقرأ، أو لنقل نادرا ما يقرأ، فقط يقتصر على قراءة الكتب الدراسية وحسب، وليس هنالك امرا أكثر ايلاما من ذلك، فمن خلال عادة القراءة ستكتشف أنك لا تزال فقيرا معرفيّا، وإذا أردت أن تعرف الفرق فاجلس مع شخص قارئ، اذ تعد القراءة غذاء الأرواح والعقول، والمكتبة هي ثلاجتها، فلماذا نفتح ثلاجة البطن كل يوم، ولا نفتح ثلاجة العقول؟
الخلاصة؛ هناك كتب تستحق الشراء والقراءة، فاعرف كيف تختار وواظب على القراءة، دقّق في الهدف، ثم شدّ الوتر وأطلق الرمية، إن أقل ما تخرج به من مطالعة كتاب ثراء لغوي، وثروة لفظية تضاف لقاموسك الشخصي، وأخيرا ليس مهمّا أن تصور نفسك أمام كتب المكتبة، المهم أن تقرأ هذه الكتب التي تدير لها ظهرك.