سابقاً كان هناك ما يسمى بموضوع الساعة، وفي عصرنا الحالي انتشر في مواقع التواصل ما يسمى بالترند، لدرجة أنَّ ملايين الناس بدون مبالغة تتجه له في نفس الفترة الزمنية، حتى بدون أدنى تفكير .
فماذا نعني بالترند؟
وما سرُّ قوة تأثيره ولماذا تلجأ الناس له؟
وهل هو مضرُّ أم مفيد؟
و ماذا نعني بالترند؟
هو ترجمة لتأثير موضوع أو قضية معينة في مدة زمنية قصيرة ومدى انتشارها في هذه المدة، وهذا الموضوع يشغل اهتمام وانتباه عدد كبير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وتتنوع هذه المواضيع بين الثقافية والترفيهية والسياسية .
وباختصار؛ هي الأمور التي تشغل الناس في الوقت الحالي .
وتتغير الترندات بشكل سريع، فبالتأكيد جميعنا لاحظ تحول الترندات من الشهرة والانتشار إلى تلاشيها بعد فترة وكأنها لم تكن موجودة، ولكن ما يميِّز الترندات، هو قدرتها على التأثير على الرأي العام، ونشر الأفكار، وتغيير السلوكيات، وحتى تحريك الرأي العام حول قضايا معينة.
ويتم تحديد الترند تبعاً لعدد مرات المشاهدة، وإعجاب المشاهدين، وتعليقاتهم، ومشاركتهم للترند .
للترند فوائد في كثير من المجالات :
اولاً: في مجال التسويق الالكتروني، ومنها:
١- يمكن ربط العلامة التجارية لأي مشروع بالترند بطريقة إبداعية تتناسب مع الخدمات التي يقدِّمها صاحب المشروع، ولكن لابدَّ من ملاحظة عدم صلاحية كل الترندات للاستخدام في التسويق الالكتروني .
٢- يمكن استخدام الترند في فتح أبواب المناقشة مع الجمهور حول آرائهم في الترند، مما يزيد المشاركات والتفاعل .
٣- تطوير استراتيجية التسويق من خلال تحليل البيانات المتعلقة بالترند ومعرفة سلوكيات الجمهور المُستهدف .
٤- يمكن إطلاق حملات وعروض ترويجية للمنتجات أو المشاريع المرتبطة بالترند .
٥- لابدَّ من متابعة تغيرات سلوك المستهلك من خلال الترندات، وبالتالي التعرُّف إلى أي المنتجات أو خدمة زاد اهتمامهم ومراعات هذه التغييرات من أجل إرضاء الجمهور .
الجانب السلبي الأخطر، هو تأثير الاتجاهات الرائجة على المراهقين، فعلى الرغم من ميلنا جميعاً – بدرجة أو بأخرى- للتأثر بالترندات والاتجاهات الشائعة، فإن المراهقين هم الفئة الأكثر عرضة لذلك
٦- الفهم لمعنى كلمة ترند في السوشيال ميديا يمكن أن يكون له تأثير كبير على كيفية التفاعل مع العملاء، من خلال إبتكار طرق جديدة للتواصل مع الجمهور تتناسب مع الترندات الحالية.
ثانياً: أهميته في الثقافة الشعبية و تشكيل الرأي العام من خلال:
١- لقد أصبح الترند مؤشر قوياً على الأمور التي يهتم بها الناس في الوقت الحالي، فهو يعكس القضايا المهمة والمواضيع الساخنة التي يتحدث عنها الناس ويتفاعلون معها، مما يساعد في توجيه اهتمام الجمهور .
٢- يؤثر الترند بشكل كبير على سلوك المستهلك وقرارات الشراء، فهو يساعد في خلق أذواق جديدة تؤثر في السوق والمنتجات والخدمات المطلوبة .
٣- بانتشار الترندات الخاصة بأفكار أو قضايا معينة، يمكن أن يتغير أو يتشكل الرأي العام .
٤- تستغل الشركات والعلامات التجارية الترندات في تصميم حملات تسويقية فعالة للترويج لمنتجاتها وخدماتها، وهذا ماذكرناه تفصيلياً .
٥ يمكن للترندات أن تلهم الإبداع والابتكار في مختلف المجالات، سواء في الفن والثقافة أو في مجال الأعمال والتكنولوجيا، مما يعزز عملية التطور والتقدم في مختلف المجالات.
خطورة الترند
بالرغم مما ذكرناه عن فوائد الترند إلَّا أنَّه لابدَّ من الالتفات لخطورته، فاستنشاق القرفة، أو تحدي الاختناق، أو سلق دجاجة باستخدام دواء السعال، أو حتى تناول المكملات الغذائية دون خلطها بالماء وغيرها، كلها تحديات راجت على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي مؤخراً، وتبيّنت خطورتها بعد فقدان بعض المشاركين فيها حياتهم، ومع ذلك مازالت موجودة بالرغم من خطورتها .
وسرُّ ذلك يعود لحاجة الناس للتواصل والتأقلم مع من حولهم والانتماء لجماعة معينة، وذلك يفسِّر المسارعة لتبني الاتجاهات الرائجة، رغم سخافتها وخطورتها في أغلب الأحيان .
وهنا يجب الالتفات أنَّه للأسف لايمنح الشخص إلَّا تواصلاً سطحياً، ولا يمنحه الرضا عن نفسه، كما قد يؤدي لتأثيرات سلبية على الهوية والخيارات الشخصية، وبحثاً عن الراحة المزيفة فهو من ناحية أخرى، يشبه اتباع الاتجاهات شكلاً من أشكال الاختصار العقلي، فبدلاً من التفكير فيما يرتدونه أو يفعلونه يميل الناس لاتباع الآخرين للأسف .
وعلى الرغم من التكيُّف الذي يشعر به الفرد نتيجة اتباع الاتجاهات الرائجة، فإن هذا التكيُّف يأتي معه جوانب سلبية من أبرزها فقدان الأصالة الشخصية، فقد يضطر الشخص لإخفاء ميوله وتفضيلاته الحقيقية لمجرد التكيُّف مع من حوله، وهو ما قد يؤدي للشعور الداخلي بالكبت وفقدان الهوية الشخصية .
ومن ناحية أخرى، فإن المتعة المؤقَّتة التي يجلبها اتباع الاتجاهات الرائجة سرعان ما تخفت، وقد تخلِّف رغبة لا تشبع في اتجاه أحدث الاتجاهات، بغض النظر عن مناسبتها، مما يسبب شعوراً بالإحباط .
أما الجانب السلبي الأخطر، فهو تأثير الاتجاهات الرائجة على المراهقين، فعلى الرغم من ميلنا جميعاً – بدرجة أو بأخرى- للتأثر بالترندات والاتجاهات الشائعة، فإن المراهقين هم الفئة الأكثر عرضة لذلك، نظراً لكونهم في مرحلة عمرية يبحثون فيها عن طرق مختلفة للتعبير عن هويتهم، والمفارقة أنَّهم في محاولاتهم لإثبات تميُّزهم عمَّن حولهم من البالغين، قد يقعون في فخ تقليد اتجاهات بعينها لإثبات انتمائهم لجماعات أخرى .
كما أن الدماغ في هذه المرحلة يخضع لتطور سريع في المناطق الأساسية ذاتها الخاصة بالإدراك الاجتماعي، وهو ما يزيد وعيهم بإشارات الهوية، وفي الوقت ذاته فإن القشرة الجبهية وهي المنطقة المرتبطة بالمنطق واتخاذ القرارات لا تنضج بشكل مكتمل قبل عمر الأربع والعشرين، وهو ما يجعل أي طفل أو مراهق عرضة للانخراط في سلوكيات محفوفة بالمخاطر .
حمَّى التريندات
وهناك ما يسمَّى بحمى الترندات، فهذه الثقافة تجعلهم على رأس الحدث وتحمل لهم حمّى التقاط هذا الحدث والتعليق عليه بأي صورة ممكنة، فلا يهم – في كثير من الأحيان- الدقة ولا المصدرية ولا المعيارية في الحكم والتحليل، ما يهم هو ألا يفوتنا القطار دون أن نُلقي فيه بحصيلتنا من الآراء والتقييمات، فأصبح الجميع يتحدثون في كلِّ شيء، حتى ولو لم يكن من اختصاصهم.
فأمام هذه الظاهرة، لم يعد المتصفحون يستقبلون الخبر الخام القديم، أو الخبر المُحلَّل من قِبَل خبير، بل أصبحت القضية، متعلقة بالخبر المُضاعف الذي يتدحرج ككرة الثلج وينتشر ويتفاقم عبر مسلسل الخبر والتعليق والتعليق المضاد، وهو ما يمكننا ملاحظته بشكل دقيق وقريب في النزاع الدائر حول عدد من القضايا كالتحرش والعقوبات والتصورات وما إلى ذلك.
لقد أصبح الترند مؤشر قوياً على الأمور التي يهتم بها الناس في الوقت الحالي، فهو يعكس القضايا المهمة والمواضيع الساخنة التي يتحدث عنها الناس ويتفاعلون معها، مما يساعد في توجيه اهتمام الجمهور
و هذا السيل الجارف من المشاركة قد يخفي أي تعليق موضوعي قائم على دراية وتحليل ليعلو بدلاً من ذلك صراخ ونزاع وتبادل للاتهامات لا تفيد القضية في شيء، فالأسبقية أصبحت بذلك أهم من الحقيقة، وجذب المتفاعلين أهم من إفادتهم، ليصبح الهاتف الذكي صالوناً افتراضياً للسجال يلازم المرء في كل أحواله الزمانية والمكانية.
وأخيراً نرى أنَّ العالم الافتراضي لم يطغى على حياتنا ويزاحم العالم الحقيقي القديم فحسب، بل إنه قد استبدله وأصبح في مركز تصوراتنا وسعينا في كثير من الأحيان، ففي كل حدث يجب المشاركة، ويجب الظهور والتحدُّث، وذلك لأنهم قرنوا وجود المرء بقدر ظهوره على مواقع التواصل، وكذا يضمحل إحساسه بهذا الوجود كلما اختفى وتوقّف عن الاستعراض، وهنا استبدل الوجود بالظهور، لذلك تراهم يتبعون أي موجة تحدث، فتجد لهم في كلّ تريند اسماً ورأياً ونقاشاً .
وبإختصار فإنَّ تكنولوجيا الواقع الافتراضي قد حملت إشكاليّتين رئيسيتين لروّادها، إشكالية الحقيقة، وإشكالية الذات، أمّا إشكالية الحقيقة فهي بسبب تعدُّد صور الحقائق والمصادر، فالخبر أصبح له مئة مصدر، وكل مصدر بإضافة وحذف، والحدث أضحى له ألف تحليل وكل تحليل في وادٍ منفرد، وأنت تقرأ لهذا وتسمع لذلك، فتتسع دائرة المصادر والمواقع التي تُقدِّم الموضوع وتتناثر الرؤى المؤسِّسة لعشرات الحقائق، ممّا يؤدي إلى ضياع الحقيقة أو جزء منها .
بينما تتجلّى إشكالية الذات في قيام وسائل التواصل بإشباع حاجات الأفراد الاستهلاكيّة فقط من الأخبار والصور، ومن ثم يفتقد الناس لخطاب التنشئة الاجتماعيّة التي كان يرعاها المنزل والمدرسة ودور العبادة بخطابات كبرى تُقدِّم إجابات عن أسئلة أساسيّة في حياة الفرد، أما إنسان التريند فلا خطاب له ولا مُجيب، فأسئلته لم تعد تأسيسية ولم تعد كبرى، وانحصر اهتمامه على اللهث وراء الحدث ومعرفة الحقيقة وراء كل حدث على حِده .