قد يعتقد كثير من الناس بأن الحياة برمّتها قائمة على الموارد المادية، وكلما كثرت هذه الموارد صارت شخصية الإنسان الشاب أو غيره قويةً متماسكة، وبنائها يقوم على قاعدة رصينة، لكنّ تجارب الحياة العملية أثبتت العكس تماما، فليست الأموال وحدها من تبني شخصية الشاب، ولا كثرة الموارد المادية، بل هناك ما يثبت بأن الجانبين النفسي والمعنوي لهما قصب السبق في البناء السليم للشخصية الشبابية.
عندما تُبنى شخصية الشاب على أسس معنوية سليمة فإنه سوف يكون ذا قوة غير مرئية نجدها في تصرفاته وقراراته، سواء في العمل، أو في علاقاته مع الآخرين، فالسلوك المعنوي يسبق السلوك المادي من حيث النجاح والفشل، هناك أشخاص لديهم أموال لكنهم قد يفشلون في توظيفها الصحيح في العلاقات الاجتماعية، وعلى العكس من ذلك، هناك أشخاص لا يمتلكون الأموال الكثيرة ولكنهم بسبب الخزين المعنوي العالي لديهم يتخذون القرارات الصحيحة.
أما من الناحية النفسية، فقد ثبت بما لا يقبل الشك بأن الشاب المستقر نفسيا أكثر إنتاجية من الإنسان القلق وغير المستقر، حتى لو كان الأخير مدعوما بالأموال وبالموارد المادية الكبيرة، فليست هناك فائدة للأموال الكثيرة ما لم يدعمها الاستقرار النفسي، لأن الشاب المتأزم نفسيا لا يمكن أن يتخذ القرارات الصحيحة، ولا يمكن أن يبادر بالسلوكيات الرصينة، وفي هذه الحالة فإن أيّة خطوة يتخذها الشخص غير المستقر نفسيا تكون عبئا عليه.
ولكن لو جئنا إلى الشخصية الشبابية المدعومة معنويا ونفسيا، في الغالب تكون متوازنة في القرارات التي تتخذها تجاه الآخرين، وحتى في التعاملات والأنشطة العملية والاجتماعية المختلفة، حيث يتحلّى الشاب المدعوم معنويا ونفسيا بنوع من الاستقرار النفسي والرؤية الجيدة للأمور، فتكون مجمل قراراته وسلوكياته مقبولةً، وناجحةً، ومجديةً في نفس الوقت، فتأتي النتائج مقبولة وفي صالح الشاب بأغلب الأحيان.
الشخصية الشبابية المدعومة معنويا ونفسيا، في الغالب تكون متوازنة في القرارات التي تتخذها تجاه الآخرين، وحتى في التعاملات والأنشطة العملية والاجتماعية المختلفة
يبقى على المسؤولين عن نشر ثقافة التربية المعنوية والنفسية للشباب، أن يتخذوا الخطوات الصحيحة والمطلوبة لنشر هذه الثقافة في المجتمع كله وبين شريحة الشباب على وجه الخصوص كونهم الأقدر من غيرهم على الإنتاجية التي تنهض بالدولة والمجتمع، وهذا في الحقيقة يتطلب حملات كبيرة ومدروسة ومخطط لها من قبل خبراء لهم القدرة على التخطيط وحتى التنفيذ في نشر وإشاعة الثقافة المعنوية والنفسية.
ومع التركيز على مواجهة الموجات المادية المنتشرة هذه الأيام في جميع الأماكن الواقعية والافتراضية التي يتواجد فيها الشباب، فحين يكون الشاب في قلب المدينة سوف تبهره الأسواق الكبيرة (المولات) وتبهره أكثر أنواع البضائع وأشكالها، وأثمانها وزخارفها وما تقدمه من رفاهية هائلة للإنسان، هنا سوف يُصاب الشاب بصدمة مادية تجعله يقارن بين واقعه وبين ما يتم عرضه من سلع حديثة مغرية وجذابة، لكنه في نفس الوقت غير قادر على اقتنائها وأحيانا لا يستطيع حتى لمسها، حيث يضع أصحاب الأسواق تلك الجملة المستفِزة (الرجاء عدم اللمس).
نحن بالطبع لسنا ضد الرفاهية الاجتماعية المتوازنة، ولا نريد حرمان الناس من التمتع بالأشياء الترفيهية المقبولة، ولكننا في نفس الوقت لن نقبل على انتشار موجات مادية تسعى لتغيير ثقافتنا ومنهجنا السلوكي وأعرافنا، وهو ما يخطط له أولئك الذين يريدون الهجوم علينا بثقافاتهم المغرضة، فليس هناك بضاعة يتم تصديرها للشعوب إلا وتقف وراءها أهداف ثقافية تسعى إلى نسف الجذر الثقافي للمجتمع، والمشكلة أن أكثر وأسرع الفئات تأثّرا بهذه الموجات هم الشباب، لذلك يجب حمايتهم من خلال تكريس الثقافة النفسية والتوعية المعنوية وفضح الأساليب المادية الهجينة التي تستهدف عقول شبابنا.
عندما تُبنى شخصية الشاب على أسس معنوية سليمة فإنه سوف يكون ذا قوة غير مرئية نجدها في تصرفاته وقراراته، سواء في العمل، أو في علاقاته مع الآخرين
من هنا لابد من التركيز على قضية التنوير المعنوي والنفسي، وإدخال هذه التجارب في المناهج التعليمية، والتشجيع على فتح معاهد ومؤسسات تعليمية تنهض بجانب الدعم المعنوي والنفسي للشباب، حتى لو تم ذلك من خلال فتح دورات مجانية، مع تقديم محفزات للشباب كي يدخلوا فيها، كأن يتم تقديم مبلغ تشجيعي على شكل قرض بلا فائدة؛ حيث يبدأ الشاب مشروعه العملي الخاص من خلال هذا القرض، وهكذا ستكون الفائدة مزدوجة، تشمل جانبين مهمين وهما:
أولا: تزويد الشباب بالثقافة المعنوية والنفسية.
ثانيا: تهيئة فرص عملية مناسبة لهم.
وبهذه الطريقة وهذه المبادرات المدروسة نكون قد أنقذنا شبابنا من الموجات المادية المغرضة، وفي نفس الوقت نفتح لهم آفاق العمل الصحيح والمنتِج.