عندما يحلُّ شهر أيلول، أي موعد بدء المدارس في العراق، تعاود الكوابيس ظهورها مرة أخرى في حياة الأهالي، الذين عادة ما يمرون بقلق طوال وقت الفصل الدراسي، فام احمد البالغ ابنها من العمر 8 سنوات، تقص لنا الحادثة التي تعرض لها ابنها قبل عامين على الحادثة التي غيرت مجرى حياته الدراسية.
تقول ام احمد: ان ابنها تعرض لصدمة لا ينساها الطفل أحمد حين تشاجر مع أصدقائه في المدرسة الذين منحوه لقبا لم يحبه وتنمروا عليه كثيرا، في البداية كان يبكي لأمه دون ردة فعل منه، وحين حاول في مرة الاستجابة لطلب أمه بالدفاع عن نفسه، منحه أصدقاؤه جرحا قطعيا بالرأس مما أدى الى اصابته بمرض مزمن لا يسع المقام لذكره.
حادثة ام احمد ما هي الا حادثة من بين العشرات من الحالات التي تحدث في العديد من المدراس وبشكل يومي، اذ تعيش الأمهات صراعا حادا مع أبنائهن في بداية الدراسة، ما بين “من يضربك اضربه” وبين “العنف لا يحل المشكلة، بل يحلها العقل” يجد الأطفال أنفسهم بين صراع بين أن يكون الأضعف المُتنمَّر عليه، وبين أن يكون المتنمِّر العنيف الذي يخشاه الجميع.
لماذا العنف داخل المدارس؟
للعنف في المدارس أسباب كثيرة والقصص المتعلقة بالعنف المدرسي لا تعد ولا تحصى لدى أولياء الأمور، ويحمل العديد من الأخصائيين الاجتماعيين في المدارس مئات الشكاوى التي تتكرر سنويا، واغلب أسبابها تتمحور حول حالات التنمر والعنف بين التلاميذ التي لم تعد تقتصر على معارك بالأيدي بين الطلاب، بل تجاوزت ذلك إلى حد الترصد والعنف المسلح واندماج الفصول في مشكلات جماعية بسبب خلاف فردي بين الطلاب، وفي النهاية تحدث المعركة دون تمييز بين مدارس حكومية أو خاصة أو حتى دولية.
العنف داخل المدرسة دائرة لن يتوقف طالما يصر الآباء على تنمية قدرات أبنائهم الجسدية فقط دون القدرات العقلية أو مشاعرهم، إن غالبية أولياء الأمور يعدون أبناءهم في فصل الصيف إعدادا بدنيا في الصالات الرياضية وكأنه يذهب إلى الحرب وليس إلى المدرسة
تحرص إدارات المدارس على توفير بيئة مدرسية خالية من العنف والمشاجرة بين الطلبة والتلاميذ، وقد عملت على توفير مرشد تربوي في كل مدرسة، يسهم وجود هذا المرشد في التقليل من الحالات الحاصلة في الفصول الدراسية، وكثيرا ما تصدر تعليمات وتوجيهات لبدء عام دراسي جديد خالٍ من العنف، لكن في كل مرة تحدث حالات تؤكد عدم نجاعة هذه الأساليب في التعامل مع هكذا أمور.
ويرى المختصون إن الفروق الجسدية بين الطلاب في المراحل المختلفة هي من تساعد على استمرار هذه الحالة وعدم القدرة على تلافيها او ايقافها، ويشخصون ان السبب الأكثر المؤدي الى حدوث ذلك هو التنمر، والذي لا يختلف كثيرًا بين الذكور والإناث، وربما تختلف النتائج وشكل المشكلة، لكنها في الأساس واحدة. حيث يتم استهداف التلميذ الأضعف والأقل حجمًا، خاصة إذا كان يتميز بتفوق دراسي أو مظهري أو مادي، فهو في هذه الحالة “ضحية مثالية للمتنمرين من زملائه.
وللأسف، الكثير منهم لا يستطيعون رد العنف، حتى يتطور الأمر إلى اشتباكات ومعارك داخل المدرسة تنتهي بحضور أولياء الأمور وربما بتصعيد إلى مستويات أعلى.
هل تصبح مقاومة العنف بالعنف ضرورة؟
في دراسة أجرتها كلية الخدمة الاجتماعية بجامعة الفيوم، أشار الباحثون المشاركون إلى أن ظاهرة العنف في المدارس تنبع من العنف الأسري في المنزل، سواء تعرض له الطفل مباشرة أو شاهده يحدث لأحد المقربين منه في بيئته الأسرية.
وتُعد “نظرية التعلم الاجتماعي” من أكثر النظريات شيوعًا في تفسير العنف المدرسي، حيث يتحول العنف إلى سلوك مكتَسب يتعلمه الطفل داخل الأسرة. تفترض هذه النظرية أن الأفراد يتعلمون العنف بالطريقة نفسها التي يكتسبون بها أنماط السلوك الأخرى، وأن عملية التعلم هذه تبدأ من الأسرة.
فبعض الآباء يشجعون أبناءهم على التصرف بعنف مع الآخرين في بعض المواقف ويحثونهم على ألا يكونوا ضحايا للعنف “لا تعد مضروبا، بل تعال ضاربا”، أو عندما يدرك الطفل أن الوسيلة الوحيدة التي يحل بها والده مشاكله مع الزوجة أو الجيران هي العنف.
وعلى الرغم من أن الدراسات جميعها تتبنى نهج الابتعاد عن العنف في المدرسة واللجوء إلى أساليب دفاعية أخرى، فإن هذه الأساليب لا تُقنع بعض اولياء الأمور الذين يرون ان العنف وصل إلى مستويات لا تسمح له بأن يترك ابنه ينتظر حكم المدرس أو المدير أو حتى الوزارة بأكملها.
يرى المختصون إن الفروق الجسدية بين الطلاب في المراحل المختلفة هي من تساعد على استمرار هذه الحالة وعدم القدرة على تلافيها او ايقافها، ويشخصون ان السبب الأكثر المؤدي الى حدوث ذلك هو التنمر
العنف داخل المدرسة دائرة لن يتوقف طالما يصر الآباء على تنمية قدرات أبنائهم الجسدية فقط دون القدرات العقلية أو مشاعرهم، إن غالبية أولياء الأمور يعدون أبناءهم في فصل الصيف إعدادا بدنيا في الصالات الرياضية وكأنه يذهب إلى الحرب وليس إلى المدرسة، كي يواجه زملاءه مدججا بقوة عضلاته، لكن في واقع الأمر أن القوة لا تأتي من العضلات، لكن من العقل والقدرة على التحكم بالمواقف، وهذا ما يفشل فيه غالبية أولياء الأمور، فتتحول المدارس لساحات معارك، تترك أثرها على الأبناء طيلة حياتهم.
الخُلاصة؛ الأسرة والمدرسة لهما دور كبير في مواجهة العنف داخل المدارس، دون ترك الحلبة للتلاميذ لوضع حلول لمشكلاتهم بأنفسهم، العنف ليس وليد فكرة التلميذ، بل هو نتاج ما يتعلمه داخل البيت والمدرسة، لذا أساس الحل يجب أن يكون لتلك المؤسسات أولا.