حدیث الناس

تعطيل الدراسة.. يخسر الطالب من أجل أن يفوز اللاعب!

إنها سقطة تُحسب على رئيس حكومتنا السيد محمد شياع السوداني مع بالغ الأسف، فهو الرجل الذي بذل الكثير لتقديم أجمل صورة لرئيس يحب شعبه، ولكن مصداقية هذا الحب اهتزّت بشدّة بقرار متسرّع بإعلان عطلة المدارس في الفترة المسائية بذريعة متابعة مباراة كرة القدم بين العراق وكوريا الجنوبية، ولن نتكلم عن أهمية هذه المباراة على مسيرة المنتخب نحو كأس العالم، إنما المثير للتساؤل عندنا غلق أبواب المدارس امام الطلاب مقابل فتح التلفاز وأجهزة الحاسوب لمتابعة هذه المباراة، ثم ما يمكن أن يقدمه أبنائنا لأفراد المنتخب في ساحة الملعب ليكسبوا النتيجة المرضيّة؟!

ما نزال نعاني مشاكل وأزمات مستعصية منذ سنين طوال في مدارسنا، حتى بات من الحُلم أن نسمع من أبنائنا اخباراً سارة عن مدارسهم، وأنها توفر الحدّ الأدنى من الخدمات، مثل الصحيّات، والشبابيك مع زجاجها الكامل، والإنارة لمواجهة ظلام الدوام المسائي، والمراوح لمجرد تقليب نسمات الهواء الساخن أيام الصيف، ثم الأداء الأمين والمخلص للكادر التربوي، و…غيرها كثير.

ومع بداية العام الدراسي الجديد، بدأنا نسمع بغياب بعض المدرسين في الثانويات، لاسيما عند الصفوف المنتهية مثل الثالث المتوسط والسادس الاعدادي، والسبب أوضحه مدرّس صديقاً لي، بأن عدد من هؤلاء يوظفون لمهمة التعداد السكاني الجارية حالياً، يعني؛ هم موظفون على ملاك وزارة التربية، ثم بقدرة قادر، يتحولون على ملاك وزارة التخطيط، لتكون دروس مهمة مثل الفيزياء والرياضيات والكيمياء شاغرة في بعض المدارس، بل حتى سمعت أن مدرسة فقدت مديرها لدعم حملة التعداد السكاني!

قرار رئيس الوزراء الأخير يلقي في روع الأهالي تصوراً أن سيادته بعيد عما يجري في مدارس العراق، ولا يعلم أن التعليم الحكومي الذي يعقد الفقراء أملهم عليه، ينحني بشكل قلق أمام التعليم الخصوصي، فبعد المدرس الخصوصي، والمدارس الأهلية، باتت لدينا مدارس خصوصية (معاهد)، اصحبت رديفاً للمدرسة الحكومية، فقدمٌ هنا وقدمٌ هناك، المدرس الخصوصي يرسم الأحلام الوردية للطالب، بينما المدرس الموظف يرسم أشياء معاكسة لا نعبّر عنها بشيء، نتركها للقراء الكرام، مع عدم التعميم، فهناك من المخلصين والحريصين على أمانة العلم والتعليم، والمستشعرين حجم المسؤولية الأخلاقية والقانونية، إنما حديثنا عن الحالة العامة التي يواجهها الطالب لوحده وسط إهمال غريب من مراكز القرار، وتثقيف مريب على الكسل، ثم يجد نفسه بلا معين ساعة الامتحان عليه أن يجيب على أسئلة من مواد دراسية لم يتلقاها بالشكل الصحيح والكامل.

نحن نقرأ في روايات الأئمة المعصومين، وقبلها تأكيد النبي الأكرم على أهمية طلب العلم والمعرفة مهما كانت الظروف، لما لها من دور مصيري في حياتنا، ثم نفاجأ بمثل هذه القرارات المؤسفة، إنه لشيء عجاب.

داء عطل المدارس – ولا نتحدث عن عطل الدوائر الحكومية الأخرى- لا يقتصر على المباريات الرياضية، وإنما يمسّنا ويؤلمنا في مناسبات أخرى لا نجدها ذات أهمية بالمقارنة مع مستقبل أبنائنا المهدد دائماً بسبب سوء التعليم، مثلاً؛ المناسبات الدينية والوطنية، فمن الجدير على حكومتنا الموقرة، وشخص رئيسها المحترم استثناء المدارس من هذه المناسبات اذا كان ثمة إصرار على إدراجها ضمن العطل الرسمية، والاكتفاء بوقفة اصطفاف مع كلمة للمدير او احد الكوادر التعليمية لتعريف الطلاب بصاحب المناسبة، او حتى بموضوع المناسبة، مثل عيد الاستقلال، او تأسيس الجيش العراقي، أو يوم العمال العالمي، الى جانب وفيات ومواليد الأئمة المعصومين ممن هم أولى باستمرار التعليم في الأيام الخاصة بهم، ولمن يرغب بمراجعة الاحاديث المروية عنهم في باب وجوب التعلّم وآثاره على تقدم الانسان وإصلاح المجتمع.

قرار رئيس الوزراء الأخير يلقي في روع الأهالي تصوراً أن سيادته بعيد عما يجري في مدارس العراق، ولا يعلم أن التعليم الحكومي الذي يعقد الفقراء أملهم عليه، ينحني بشكل قلق أمام التعليم الخصوصي

نرجو وصول هذا الصوت الخافت الى اسماع أصحاب القرار في بغداد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في مسيرة التعليم في العراق، فالناس لا حول لهم سوى التفاؤل وتوقع القرارات الصائبة والتغيير نحو الأحسن بقول: “الله كريم”، كما نرجو ان يكون الكرم من صفات أهل الحكم والقرار بمزيد من العناية والرعاية للتلاميذ الصغار والطلبة الأعزاء، فهم عماد المستقبل، وهم من سيجلسون في المستقبل خلف المكاتب الموجودة في الدوائر الحكومية والبرلمان، ومختلف دوائر الدولة.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا